اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
سجلت خلال الآونة الأخيرة حوادث اعتداء كثيرة على طواقم صحية وأطباء
على رغم النجاحات التي يعرفها قطاع الصحة العمومية في تونس فإن الأخطاء الطبية تثير قلقاً كبيراً في أوساط المواطنين، وبخاصة في ظل معاناة القطاع العمومي من نقص كبير في التجهيزات والمعدات والأدوية وحتى الكوادر الطبية المتخصصة، مما جعل هامش الخطأ متسعاً نسبياً مقارنة بالقطاع الخاص، وذلك بحسب إحصاءات رسمية، خلال وقت لم ينجح فيه القانون الجديد الخاص بتحديد المسؤولية الطبية في حل مشكلة إثبات الخطأ الطبي قضائياً، وهو ما يرى بعض أنه صعب لتحقيق العدالة.
قضايا هزت الرأي العام
تقول سيدة تونسية (57 سنة) خسرت زوجها أخيراً، إنها تعيش وأبناؤها الأربعة صدمة بعد دخول زوجها إلى مستشفى عمومي في العاصمة لإجراء عملية هي الأولى من نوعها داخل تونس، بعدما رفض صندوق التأمين على المرض القيام بها في فرنسا بحجة وجود كفاءات طبية محلية يمكن التعويل عليها، لتبدأ سلسلة من الإخلالات التي رافقت مسار التحضير للعملية. وأضافت 'أولاً الطبيب المباشر لم يحدد نسبة الخطورة ولم يقم المستشفى بتسليمنا ورقة للموافقة على العملية، ثم إن الأمر الأكثر خطورة هو أن الأطباء لم يكونوا متأكدين من ضرورة إجراء العملية، وذلك بعد تشخيص تشوه خلقي لعصب أو عرق مرتبط بالقلب'. وأضافت 'كل هذه الوقائع جعلتنا نقرر رفع قضية ضد المستشفى والطبيب حتى يأخذ أبنائي حقهم'.
عديدة هي القضايا التي رُفعت ضد أطباء في المستشفيات العمومية أو ضد مستشفيات بسبب أخطاء طبية قاتلة، ولعل قضية وفاة 14 رضيعاً خلال عام 2019 داخل مستشفى الرابطة بالعاصمة بسبب تعفن جرثومي أبرزها، إضافة إلى قضية اللوالب القلبية الفاسدة التي أودت بحياة عدد من المرضى. وهزت هذه القضايا الرأي العام مما جعل القضاء يتحرك بسرعة، لكن قضايا أخرى لا تزال على رفوف المحاكم تنتظر إثباتات ربما لن تأتي.
يؤكد رئيس الجمعية التونسية للمتضررين من الأخطاء الطبية الأستاذ صابر بن عمار أن 'تونس تسجل سنوياً قرابة 500 شكوى متصلة بشبهة أخطاء طبية، بحسب إحصاءات وزارة الصحة ونقابة الأطباء'، مضيفاً أنها 'تتعلق بالأساس بتدخلات جراحية في اختصاصات طبية مثل أمراض النساء والتوليد وجراحة الأعصاب وجراحة المفاصل والعظام، وبالتدخلات التجميلية وعدم الإسعاف بالسرعة المطلوبة، إما لغياب مؤسسات صحية أو لبعد المسافات المؤدية إليها'.
وواصل المحامي صابر بن عمار أنه 'مع تزايد عدد قضايا الأخطاء الطبية، بات ضرورياً التوسع أكثر في التوعية القانونية حول المتضررين من الأخطاء الطبية'.
ويهدف القانون رقم 32 لعام 2024 الخاص بالمسؤولية الطبية في تونس إلى تنظيم حقوق المنتفعين بالخدمات الصحية، وتحديد آليات الوقاية من الأخطار والأضرار المرتبطة بها، إضافة إلى نظام للمسؤولية الطبية والاستشفائية لمهنيي الصحة والهياكل والمؤسسات الصحية.
نقلة نوعية
ويُعرف بن عمار الخطأ الطبي بأنه 'كل إخلال من مهنيي الصحة بالتزام تفرضه المعطيات العلمية القائمة، وفقاً للوسائل والإمكانات المتاحة، ينتج منه ضرر لمتلقي الخدمة الصحية'، مواصلاً أنه 'عادة ما تتفاوت هذه الأخطاء في درجات خطورتها، إذ يمكن أن تتسبب بأضرار بسيطة وجزئية أو قد تتسبب بوفاة المريض'.
ويفيد بن عمار بأن الأخطاء الطبية تنقسم إلى نوعين، هما أخطاء تنجم عن الإهمال في تقديم الخدمة الصحية أي عدم المعرفة الكافية بإجراء الجراحة. وتتضمن الحالات التي يعدها القانون من الأخطاء الطبية والتي تستوجب تعويضاً، الخطأ في التشخيص إذ يمكن أن يتعرض المريض لتشخيص غير صحيح لحالته الصحية، مما يؤدي إلى وصف علاج غير مناسب أو تأخير العلاج اللازم، وهذا قد يتسبب بتفاقم الحالة وحدوث مضاعفات.
كذلك الأخطاء التي تحدث أثناء إجراء العمليات الجراحية على غرار العمليات غير المصرح بها رسمياً ومن دون الحصول على موافقة المريض، أو الفشل في إجراء عملية بسبب جهل الطبيب بمتطلباتها الأساس ووصف علاج خطأ، أو تعامل الطبيب مع حالة مرضية تتطلب استشارات من أطباء متخصصين دون أن يستشيرهم، إضافة إلى عدم مراعاة قواعد التعقيم الخاصة بالأدوات الطبية، وتقصير الطبيب في الرقابة والإشراف على الموظفين الذين يعملون معه، وكذلك استعمال الآلات والأجهزة الطبية دون توافر معرفة كافية بطريقة استعمالها.
وعن كيفية إثبات الخطأ الطبي يفيد الأستاذ بن عمار بأن 'ارتكاب أي خطأ من مقدم الخدمة الطبية يحاسب وفق القانون، إذ تناقش أمور عدة ومنها لجنة المعايير وتشكيل اللجنة الفنية وفرض العقوبات على المخالفين'. وأوضح أنه 'عادة ما يستند القاضي في حكمه وفق قانون أو أساسات الجريمة، ثم يُلجأ إلى قاعدة حسن النية في الإجراء الطبي من عدمه، ولكن عادة ما تلجأ المحكمة إلى لجنة أطباء على مستوى عالٍ من المهنية وتطلب مشورتهم'.
وبحسب بن عمار، يعد قانون المساءلة الطبية نقلة نوعية في تنظيم العلاقة بين المريض والطبيب، مع تعزيز الحماية القانونية للمرضى وتحديد واضح لمسؤوليات الأطباء والمؤسسات الصحية. وأبرز ملامح القانون المذكور حسب محدثنا هو 'الفصل 28 الذي ينص على التعويض، سواء في إطار التسوية الرضائية أو في إطار التقاضي، عن الأضرار المرتبطة بالخدمات الصحية والناتجة من ثبوت المسؤولية الطبية لمهنيي الصحة ومسؤولية الأعوان الراجعين لهم بالنظر'، مضيفاً أن 'هيئة مستقلة تعنى باستقبال شكاوى المرضى والتحقيق فيها، ومحاولة التوفيق بين الأطراف قبل اللجوء إلى القضاء'.
ويشير بن عمار إلى أنه 'بانتظار النصوص الترتيبية الخاصة بهذا القانون، فإن الجمعية التونسية للمتضررين من الأخطاء الطبية تطلب من وزارة الصحة تسريع إصدار تلك النصوص حتى يتمكن المتضررون من معرفة آليات الصلح لدى اللجان الجهوية عند حدوث الخطأ في المؤسسات العمومية'، مضيفاً أن 'هذا القانون يرسي ثقافة جديدة تقوم على الشفافية وحماية المريض، مع تحميل المهنيين والمؤسسات مسؤولية أكبر عن جودة الخدمات الصحية'.
مسؤولية كبيرة على عاتق مهنيي الصحة
في هذا الصدد يقول المجلس الوطني لعمادة الأطباء إن 'القطاع الطبي كغيره من القطاعات لا يخلو من الأخطاء، ولكن ربما طبيعة مهنة الطب وتبعات الخطأ الذي قد يهدد حياة المريض، يجعل من الأخطاء الطبية موضوعاً حساساً ودقيقاً'.
ويقول الكاتب العام لمجلس عمادة الأطباء التونسيين نزار العذاري إن 'القانون الخاص بالمسؤولية الطبية يعد مكسباً كبيراً للمواطن التونسي ومهنيي الصحة لأنه يضمن التعويض للمريض في حال حدوث الخطأ الطبي'، مستدركاً القول إنه 'يضع مسؤولية كبيرة على عاتق مهنيي الصحة في ظل ظروف عمل صعبة'.
ويشار إلى أن المستشفيات العمومية داخل تونس تشهد ارتفاعاً كبيراً في حوادث العنف المرتكبة ضد الطواقم الطبية من طرف عائلات المرضى أو المرضى أنفسهم لأسباب متعددة، منها وفاة مريض أو تأخر الخدمات.
ودانت وزارة الصحة التونسية بشدة قبل أيام حادثة اعتداء على طاقم طبي في محافظة القصرين جنوب البلاد وعدت أنه يهدد كرامة العاملين وحرمة المؤسسة الصحية وحق المواطن في الرعاية الآمنة.
وأرجعت دراسات سابقة هذه السلوكات إلى التوتر والغضب في صفوف المرضى أو ذويهم بسبب تأخر الخدمة أو سوء الفهم، وتحدثت عن غياب الثقافة الطبية لدى بعضٍ ممن يعتقدون أن الطبيب مسؤول عن كل خلل في المنظومة، وكذلك نقص الوعي المجتمعي بأهمية دور الطبيب واحترام مهنته.
وذكرت الدراسات أسباب أخرى نمت هذه الظاهرة داخل المستشفيات، منها تدهور الخدمات الصحية بسبب نقص التجهيزات والأدوية مما يزيد من توتر المرضى وأهلهم، حتى إن بعض الأشخاص يعتدون على الطبيب باعتباره 'وجه السلطة' الأقرب.