اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
يخشى متخصصون من خطر تحول البلاد إلى منصة إقليمية لتهريب سلع بكين
أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ أن بلاده مستعدة لإعفاء جميع البضائع القادمة من البلدان الأفريقية من الرسوم الجمركية، وأن الصين أعفت الواردات من الدول الأقل نمواً التي أقامت علاقات مع بكين ووصفه بـ'الإعفاء بالكامل' من الرسوم الجمركية.
في هذا الصدد، صرح سفير الصين لدى تونس وان لي، أن بكين وتونس تعملان بنشاط لإبرام اتفاقية شراكة اقتصادية من أجل التنمية المشتركة، وتهدفان إلى إرساء نظام الإعفاء من التعريفة الجمركية على المنتجات المتداولة بين البلدين، من أجل تعزيز تسهيل التجارة الثنائية.
وأعرب السفير في مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية عن أمله في نجاح المفاوضات قريباً، مما يتيح وصول عدد أكبر من المنتجات التونسية العالية الجودة إلى السوق الصينية بسهولة أكبر.
وأضاف أن هذا الإجراء من شأنه أن يسهم في الارتقاء بالتجارة التونسية الصينية إلى مستوى أعلى وأن حجم التبادل التجاري بين الصين وتونس كبير بالفعل، بخاصة الصادرات التونسية إلى الصين، وأن بكين تعمل على ضمان التنمية المتوازنة بين البلدين وحل الصعوبات الفنية التي تواجهها الصادرات الزراعية التونسية.
وبحسب ما أفاد به، تواصل الجهات المعنية في كلا البلدين مناقشاتها في هذا الصدد، لضمان مراعاة الأولويات التونسية وفق تعبيره، كذلك أشار إلى أن الرئيس الصيني شي جينبينغ أعلن في يونيو (حزيران) الماضي الإعفاء الكامل من الرسوم الجمركية على السلع الواردة من جميع الدول الأفريقية التي تربطها علاقات دبلوماسية بالصين بما فيها تونس.
وتهدف هذه المبادرة، التي تندرج في إطار الشراكة الاقتصادية من أجل التنمية المشتركة، إلى زيادة انفتاح السوق الصينية وتوفير فرص نمو جديدة للاقتصادات الأفريقية.
قوبلت تصريحات السفير بانتقادات شديدة من اقتصاديين تونسيين حذروا من أخطار حذف الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، مشيرين إلى حجم العجز الضخم الحالي مع بكين على رغم الرسوم المفروضة.
ارتفعت واردات تونس من الصين بنسبة 42.7 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، لتمثل 14 في المئة من إجمال واردات البلاد حتى نهاية مايو (أيار) الماضي.
وبلغ إجمال حجم التبادل التجاري بين البلدين 9.2 مليار دينار (3.17 مليار دولار) عام 2024، مقابل 8.6 مليار دينار (2.96 مليار دولار) عام 2023، أي بزيادة قدرها ثمانية في المئة.
وبلغت واردات تونس من الصين في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 8.3 مليار دينار (2.8 مليار دولار)، مقابل صادرات تونسية لم تزد على 54.5 مليون دينار (18.7 مليون دولار).
في حين استقرت الواردات من بكين عند 6.4 مليار دينار (2.2 مليار دولار) في الفترة نفسها من عام 2024 والصادرات في حدود 56.4 مليون دينار (19.4 مليون دولار).
وسجلت تونس عجزاً تجارياً مع الصين في حدود 9.07 مليار دينار (3.1 مليار دولار) عام 2024، بما يساوي تقريباً نصف العجز التجاري الإجمالي المسجل في كامل العام، وحجمه 18.9 مليار دينار (6.5 مليار دولار).
وتفرض تونس رسوماً جمركية تراوح ما بين 25 و50 في المئة على المنتجات الصينية، وهي متفاوتة وغير موحدة وتختلف بحسب أصناف السلع.
ويخضع غالبها لرسوم في مستوى 25 في المئة، وإن انخفضت لدى سلع أخرى إلى حدود 15 في المئة أو الإعفاء، ويتعلق الأمر باستفادة بعض المنتجات من دعم القطاعات الصناعية والزراعية في البلاد على غرار الآلات الزراعية أو بعض المواد الأولية المستخدمة في صناعات تونسية حيوية.
رأى الاقتصادي جمال بن جميع أن تنويع الشراكات الاقتصادية أمر بالغ الأهمية لتونس، لا سيما في ظل سياق عالمي متغير، إذ يمكن للانفتاح على الصين أن يتيح فرصاً حقيقية، منها الوصول إلى سوق واسعة ونقل التكنولوجيا والترويج لمنتجات ذات هوية راسخة، مثل زيت الزيتون، الذي يحظى بتقدير كبير من المستهلكين الآسيويين.
مع ذلك يدعو بن جميع في حديثه إلى 'اندبندنت عربية' إلى وجوب أن يقترن هذا الانفتاح باليقظة والاستراتيجية، فلا يمكن لتونس أن تصبح مجرد منفذ للفوائض الصناعية الصينية، بل عليها أن تحافظ على قواعدها الإنتاجية بخاصة الصناعية، وأن تتفاوض على اتفاقات متكافئة ومتوازنة، وأن تأخذ في الاعتبار هشاشة ميزانها التجاري، الذي يعاني عجزاً كبيراً مع بكين.
بعبارة أخرى لا يتعلق الأمر برفض التعاون، بل بتطويره على المدى الطويل، على أساس المعاملة بالمثل، مع ضمان أن تخدم كل فرصة خارجية التنمية الوطنية بدلاً من أن تخنقها، وفق قوله. ويتابع قائلاً 'في عام 2024 قدرت واردات تونس من الصين بنحو 9.3 مليار دينار (3.2 مليار دولار)، وإذا كان متوسط الرسوم الجمركية المطبقة على هذه الواردات نحو 40 في المئة فإن هذا يمثل، نظرياً، ما يقارب 3.68 مليار دينار (1.26 مليار دولار) من الإيرادات المحتملة للخزانة'.
وفق بن جميع إذا قبلت تونس بمقترح منطقة تجارة حرة معفاة من الرسوم الجمركية مع بكين، فسيشكل هذا المبلغ عجزاً في الموازنة، ويعادل هذا الرقم أكثر من إجمال الموازنة السنوية لوزارة الزراعة التونسية، ويمثل نحو ثلاثة في المئة من إجمال الإيرادات الضريبية للبلاد.
وسيؤدي خفض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية من معدل 40 في المئة إلى صفر إلى خسارة فادحة في إيرادات الخزانة العامة التونسية، وبحجم ثابت، سيعادل هذا أكثر من 3.7 مليار دينار (1.27 مليار دولار) من الإيرادات المفقودة سنوياً، بحسب ما يضيف.
ويحذر المتخصص الاقتصادي من استنزاف صامت وهائل لموارد الدولة، في وقت تسعى خلاله البلاد إلى تعزيز توازن موازنتها، ولن تكون هذه الخسارة الضريبية هينة، إذ ستضعف القدرة على الاستثمار العام، مع زيادة الاعتماد على الواردات المنخفضة القيمة المضافة، بحسب ما يقول.
في المقابل، يدعو بن جميع إلى ضرورة تفادي إغراق السوق التونسية بمنتجات صينية منخفضة الكلفة، ووضع استراتيجية تقوم على التنمية بطريقة ذاتية، والاستفادة من نقل التكنولوجيا والمعرفة الصناعية والتدريب، ويتطلب التعاون الذكي استراتيجية تونسية واضحة، تحدد القطاعات التي يجب حمايتها، وتلك التي يجب فتحها، وشروط شراكة مربحة للجميع، فمن دون هذه الرؤية، تخاطر تونس بأن تصبح مجرد منفذ للسوق أما معها فيمكنها أن تصبح شريكاً مستفيداً.
من جانبه حذر المتخصص في التجارة الدولية، وليد الكسراوي، من حذف التعريفة الجمركية مع بكين، ودعا إلى دراسة تداعيات هذا القرار على الاقتصاد التونسي، إذ يفاقم العجز التجاري ويتسبب في تراجع مخزون العملات.
وبحكم سيطرة المواد الإلكترونية الصينية على الواردات لن تتمكن الشركات التونسية الكبرى والصغرى على حد السواء من الدخول في منافسة معها، إذ تعجز تونس عن حماية منتجاتها بمقتضى الاتفاقية المفترضة، مما ينتج منه نسف النسيج الصناعي والمؤسساتي التونسي وتفشي البطالة وارتفاع نسب الفقر، وفق قوله. وأضاف 'لا تتجاوز صادرات تونس إلى الصين بعض المواد الزراعية والفوسفات في حين تستورد السيارات والإلكترونيات، أما التهديد الإضافي المرتبط بحذف الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية فهو خطر تحول تونس إلى منصة إقليمية لتهريب السلع الصينية، بسبب ما قد تخلقه من فوارق في التسعيرات الجمركية مع دول الجوار'.

























