اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ٢٢ أيلول ٢٠٢٥
هناك صور تختصر قرناً من التاريخ والظلم. هذا العلم الفلسطيني، المرفوع بيد من العزم والإصرار، لم يعد مجرّد راية لشعب واحد؛ بل أصبح، عبر العقود، لواء إنسانية تبحث عن كرامتها. من رمز وطني بسيط، تحوّل إلى راية كونية، راية المقاومة للاضطهاد ورمز الأمل الذي لا ينطفئ.
خميس الغربي *
منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً، يناضل الشعب الفلسطيني من أجل حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة. ولم يعد هذا النضال محصوراً في غزّة أو الضفة الغربية أو مخيّمات اللاجئين، بل تجاوز كل الحدود. صار صداه يُسمَع في المظاهرات اليومية في كبريات العواصم، وفي الجامعات، وفي الأوساط الفنية والرياضية، وصولاً إلى تصريحات رجال ونساء الضمير في كل أركان العالم. واليوم، أمام أعيننا، تتحوّل مدن كاملة إلى أنقاض وتُباد عائلات بكاملها حتى بات كثيرون يسمّون ما يحدث إبادةً جماعية؛ وهذه المأساة تضفي على العلم الفلسطيني شحنة رمزية أشمل وأعمق من أي وقت مضى.
إن هذا العلم لم يعد مجرّد دلالة على أرض أو شعب، بل أصبح فكرةً : أنّ الاحتلال ليس أبدياً، وأنّ القمع لا يستطيع إلى الأبد كمَّ الحرية، وأنّ كل جيل من المقاومين يضيف أنفاسه إلى نضالات إنسانية كونية ضد الاستبداد والفصل العنصري والمصادرة.
معاناة تاريخية وتطلّع كوني
ليس غريباً أن تتحوّل رموز وطنية إلى رموز كونية. هكذا كان علم جنوب أفريقيا بعد 'الأبارتهايد'، والقبضة المرفوعة في نضالات العمّال، وصرخة «I have a dream» لمارتن لوثر كينغ… لكن ما يثير الدهشة في العلم الفلسطيني أنه يجمع بين معاناة تاريخية وتطلّع كوني: ذاكرة التهجير والحصار والقصف والدمار الراهن، وفي الوقت نفسه أملٌ في عدالة مشتركة ومساواة حقيقية وكرامة مستعادة.
لقد اكتسبت الألوان الأحمر والأسود والأبيض والأخضر دلالة جديدة: أصبحت لغة مشتركة لكل من يرفض الاستسلام للظلم. وهي تذكّرنا بأن القضية الفلسطينية ليست «قضية أجنبية» بل مرآة لقيمنا وإنسانيتنا وصمتنا.
وهكذا، في كل مظاهرة، وعلى كل جدارية، وفي كل إيماءة فنية أو رياضية ترفع هذا العلم، تتجسّد فكرة المقاومة للفاشية المعاصرة. ليست مقاومةً لنظام بعينه فحسب، بل لكل أشكال القمع: العنصرية المؤسَّسة، الاحتلال العسكري، انتهاك القانون الدولي، وتجارة الحروب.
وحين تخطّت الراية الجدران والقارات، فهي لم تعد ملكاً لأبنائها وحدهم، بل صارت لواء لكل من يرفض الظلم. هذا هو حال العلم الفلسطيني اليوم: علم فلسطين، ولكنه أيضاً — في ضمير العالم — علم كل من يقاوم البربرية والاستبداد والنسيان. إنه يجمع بين الذاكرة والمستقبل.
ويذكّرنا بأن كل قضية عادلة لا تموت ما دام هناك رجال ونساء واقفون يحملونها بكرامة.
* كاتب و مترجم .