اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٣ أيار ٢٠٢٥
سجين سابق من 'النهضة' يدعو للاحتجاج للمطالبة بجبر الضرر ومراقبون يؤكدون أن الملف أصبح من الماضي
أثارت دعوة سجين سياسي سابق من حركة النهضة الإسلامية في تونس، إلى الاحتجاج يوم الـ19 من مايو (أيار) الجاري أمام وزارة العدل للمطالبة بصرف تعويضات وجبر الضرر عن السنوات التي قضاها في السجن، سجالات في شأن مشروعية هذه الخطوة.
دعوة السجين السابق بشير الخليفي، تأتي لتعيد إلى الواجهة واحداً من أهم الملفات التي واجهت تحديات جمة منذ انتفاضة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011، إذ لم تفلح هيئة الحقيقة والكرامة، التي كانت موكلة به، في حسمه مما جعله يميل مع الخلافات السياسية التي عرفتها تونس.
ملف حساس وغامض
أثارت الدعوة تراشقاً بالانتقادات والاتهامات، إذ اعتبرتها النائبة البرلمانية فاطمة المسدي 'وقحة'، موضحة أن 'حركة النهضة لا تزال تراهن على استفزاز الشارع، على رغم أن الشعب لفظ هذا الملف منذ سنوات'.
وأنشأت تونس بعد ثورة الـ14 من يناير هيئة الحقيقة والكرامة، وهي هيئة حكومية تستهدف الإشراف على مسار العدالة الانتقالية والكشف عن الانتهاكات التي عرفتها فترات الحكم السابقة في البلاد، وأيضاً جبر الضرر. لكن مسار العدالة الانتقالية توقف لاحقاً على وقع خلافات سياسية متزايدة ورفض شعبي لمسألة التعويض للمساجين السياسيين السابقين.
الباحث السياسي منذر ثابت، اعتبر أن 'هذا الملف إلى حد اليوم يلفه غموض في علاقة بشخصيات تنتمي إلى حركة النهضة وشخصيات صف أول، إذ إن هناك على سبيل المثال قائمة تم الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي حول المعنيين بالتعويضات، ولا نعرف إذا ما كانت القائمة صحيحة أم لا'.
وعد ثابت في تصريح لـ 'اندبندنت عربية'، أن 'ثمة أسئلة أخرى منها: هل هناك قائمة نهائية حول المعنيين بالتعويضات من الذين تعرضوا للقمع والحرمان بالنسبة إلى المعارضات تحت حكم الراحل الحبيب بورقيبة أو زين العابدين بن علي أو بعد الثورة، لأن هناك تجاوزات طاولت أصنافاً سياسية بعد 14 يناير'.
وأضاف 'المسألة الثانية هي أن تحريك هذا الملف في هذا التوقيت هو ورقة سياسية في سياق التصعيد من المعارضة ومن بينها حركة النهضة، التي تسعى في سياق التزامها بمبادئ التحرك السلمي إلى الضغط'.
وشدد المتحدث على أنه 'من ناحية المبدأ، هذا الملف حساس ويرتبط بمسألة الذاكرة الجماعية في تونس، والمرتبطة بقمع من كانت له أنشطة مشروعة غير عنيفة وبعيدة من شبهة الإرهاب، ومن كان يقوم بنشاط سياسي سلمي لكنه حُرم من استكمال مساره المهني أو العلمي أو غير ذلك، وهؤلاء من حقهم أن يطالبوا المجموعة الوطنية بتعويض معقول'.
ضغط داخل 'النهضة'
وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها هذا الملف جدلاً واسعاً في تونس، إذ كان القيادي بحركة النهضة الإسلامية عبد الكريم الهاروني، طالب عام 2021 بجبر الضرر وصرف هذه التعويضات خلال قيادته احتجاجاً لعدد من المساجين السياسيين السابقين.
وأثارت مطالبته غضباً آنذاك، إذ جاءت في سياق تعرف فيه البلاد تفشياً لوباء كورونا، وكانت تونس تبحث عن مخرج للحصول على اللقاحات، ومنذ ذلك الحين توارى هذا الملف عن الأنظار قبل أن يعود الآن.
وقال ثابت إن 'هناك ضغطاً آخر داخل حركة النهضة نفسها في شأن هذا الملف، فثمة تيار كامل من قواعد النهضة وأنصارها الذين تضرروا، ليس فقط من ملاحقات نظام الرئيس بن علي، بل وأيضاً تهميش القيادة لهم بعد 14 يناير'.
وأكد أن 'حركة النهضة لم تعتبر قضية التعويض لأنصارها وقواعدها أولوية، بالتالي هناك ضغط داخل هياكل الحركة التي لا تزال قائمة قانونياً وتنشط، حتى وإن خفت صوتها'.
وحاولت 'اندبندنت عربية' الحصول على تعليق من حركة النهضة، غير أنها لم تلق رداً. وتقبع معظم قيادات حركة النهضة في السجون، وأغلقت السلطات مقارها المركزية في العاصمة تونس، وسط تحقيقات واسعة بسبب عديد من التُهم، التي تُندد بها الحركة وتعتبرها سياسية.
عفا عليه الزمن
هذه التطورات تأتي في وقت تشهد تونس أزمة سياسية في ظل القطيعة بين السلطة وقوى المعارضة، فيما لم يتضح بعد عدد المعنيين بهذه التعويضات وحجمها، وهو ما يزيد من حال الغموض التي تحيط بها.
يقول الباحث السياسي الجمعي القاسمي، إن 'هذا الملف عفا عليه الزمن وأصبح من الماضي، والتعويضات واجهت رفضاً شعبياً واسعاً في تونس'. مؤكداً 'من السذاجة السياسية العودة إلى طرح هذا الموضوع المثير للجدل في مثل هذه الظروف التي تعيشها تونس وحركة النهضة نفسها، خصوصاً أنها تواجه مأزقاً حقيقياً'.
وفي ظل غياب أي تفاعل من الحكومة التونسية تجاه هذا الملف، فإن من غير الواضح ما إذا كانت ستستجيب إليه، لا سيما في ظل المشكلات المالية والاقتصادية التي ترزح البلاد تحت وطأتها.