اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
ضبط كميات كبيرة منها كانت متجهة إلى ليبيا والجزائر وغالبيتها لأمراض مزمنة كالقلب والسكر وضغط الدم
على رغم أن المنظومة الدوائية في تونس تتحكم فيها الدولة فإن تهريب كميات كبيرة من الدواء بات يقلق السلطات، وبخاصة أن البلاد تعيش أزمة نقص في أدوية كثيرة لأمراض مزمنة.
المتحدث الرسمي باسم الديوانة التونسية العميد شكري الجبري، يقول إنه 'في إطار مكافحة التهريب والتصدي لجميع الجرائم التجارية تمكنت مصالح الديوانة التونسية في مختلف المعابر الحدودية البرية أو الجوية أو البحرية، من خلال تفتيش البضائع والشحنات التجارية، من إحباط عمليات تهريب لكميات مهمة من الأدوية'.
ويفيد الجبري لـ'اندبندنت عربية'، بأنه 'إلى غاية سبتمبر (أيلول) الماضي تمكنت وحدات الحرس الديواني من حجر أكثر من 10 آلاف علبة دواء كانت معدة للتهريب خلال هذا العام'، مضيفاً أن أهم العمليات قامت بها فرق الحرس الديواني بمحافظتي صفاقس وقابس جنوب تونس، وغالبية الكميات المهربة تحجز بالمعابر الحدودية الجنوبية، وهي أساساً موجهة إلى ليبيا، تليها الحدود الشمالية، وبنسبة ضئيلة إلى الجزائر، وغالبية المحجوزات هي لأدوية أمراض مزمنة كأمراض القلب والسكر وضغط الدم'.
في إطار مكافحة تهريب الأدوية بالمعابر الحدودية، تمكنت مصالح الديوانة بالمكتب الحدودي في الذهيبة من إحباط محاولة تهريب كمية من الأدوية الخاصة بأمراض القلب وفقر وضغط الدم والمسكّنات وغيرها، بلغ عددها 1224 علبة دواء مخفية على متن سيارة تحمل ترقيماً أجنبياً، وذلك أثناء القيام بالإجراءات الديوانية لمغادرة السيارات إلى خارج التراب الوطني، وتم تحرير محضر حجز وأذنت النيابة العمومية إثر استشارتها بإحالة الملف إلى المصالح الأمنية المختصة لمواصلة التحريات.
وقال مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية في تطاوين والمتحدث الرسمي باسمها نضال لبيض، إن النيابة العمومية بتطاوين عهدت لفرقة الشرطة العدلية بمباشرة البحث إثر توفر معطيات حول اعتزام أجنبي تهريب كمية كبيرة من الأدوية خارج البلاد، وبتقدم البحث تبين أن الأخير يمتهن تهريب الأدوية منذ فترة ويتعامل في هذا الغرض مع صيدلانية تونسية وأجنبي آخر.
وأضاف المتحدث الرسمي أن النيابة العمومية أذنت بالاحتفاظ بهما، وإدراج الشخص الثالث بالتفتيش مع الإذن بتحرير محضر جبائي وإحالته على إدارة الديوانة لتقديم الطلبات، وتمت إحالة المتهمين إلى قاضي التحقيق الذي أصدر بطاقة إيداع بالسجن في حقهما.
يشار إلى أنه في ظل نقص بعض الأدوية في الجزائر وليبيا، نشأت شبكات تهريب في هذا السياق، وأوردت صحيفة 'الشروق' الجزائرية في يوليو (تموز) 2024، أن فصيلة الأبحاث للدرك الوطني بقسنطينة أحبطت عملية تهريب أكثر من 8000 علبة دواء من تونس نحو الجزائر، تشمل أدوية الحساسية، والعقم، والجرب، وأدوية الأطفال، بقيمة فاقت 1.4 مليار دينار جزائري.
لئن اختلفت أسباب فقدان الأدوية من دواء إلى آخر، فإن مسألة تهريب الأدوية تعد أيضاً من الأسباب الرئيسة للنقص المتكرّر في بعض الأنواع، ومن بينها أدوية مدعّمة، وأطلق عضو الجامعة للصحة وكاتب عام نقابة أعوان الصيدليات الخاصة هشام البوغانمي، صيحة فزع تجاه ظاهرة تهريب الأدوية إلى أقطار مجاوِرَة، ومن بينها أدوية الصرع والغُدَد والالتهابات الرئوية وأمراض الشرايين وتخثّر الدم وقطرات العيون وغيرها، داعياً إلى تشديد الرقابة على مسالك توزيع الأدوية خصوصاً، مع الكشف المتواتر عن محاضر بحث حول ضبط كميات مهمة من الدواء بصدد التهريب إلى الخارج تكون إما خاضعة لدعم الدولة أو مفقودة من الأسواق، وهو ما يشكل خطراً على صحة المرضى.
في المقابل قال عميد الصيادلة مصطفى العروسي في تصريح خاص، إن ظاهرة التهريب موجودة ومقلقة لكنها لا تؤثر كثيراً في أزمة النواقص، موضحاً 'هناك تهريب داخلي للأدوية أكبر من التهريب الخارجي، حيث تباع الأدوية في كل المنصات الإلكترونية من دون رقابة، مما يعني خلق سوق دوائية موازية وفوضوية لا ضابط قانونياً أو صحّياً لها'.
ونبه العروسي في المقابل إلى نمو ظاهرة التهريب العكسي، أي من خارج تونس، وأكد أن هذه الظاهرة أخطر بكثير لأن الأدوية المهربة من الخارج لا نعرف مصادرها، وأحياناً تكون مقلدة وقد تكون مضرة بصحة الإنسان.
وحذّر المجلس الوطني لهيئة الصيادلة في تونس من تنامي التداول العشوائي للأدوية، لما يمثله من خطر على الصحة العامة، بالتزامن مع تواصل النقص المسجل في الأدوية من خلال المسالك النظامية.
وأصدر المجلس بلاغاً حذّر فيه من تداول أصناف من الأدوية تُباع خارج الصيدليات، في حين تتحوّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات لتبادل مواد كيماوية يحصل عليها المرضى من دون وصفات طبية ولا مراعاة لشروط حفظها.
في سياق متصل، أكد عميد الصيادلة مصطفى العروسي على تطور منظومة الأدوية في تونس، وأكد أيضاً على جودة الأدوية المصنوعة محلياً لأنها مراقبة جيداً من الدولة، داعياً إلى مزيد من الدعم لهذه المنظومة.
وفي تقريرها الأخير الصادر عام 2024 في شأن القطاع الدوائي في تونس، قدمت منظمة الصحة العالمية تونس من بين البلدان الأفريقية القليلة التي تمتلك قاعدة صناعية دوائية متطورة نسبياً، باعتبار أن 70 في المئة من حاجات السوق المحلية تتمّ تغطيتها عبر شركات وطنية، وهذا التقييم يجعل الدواء التونسي مطلوباً، وبخاصة من قبل بلدان مجاورة يتوجه مواطنوها إلى تونس من أجل التداوي.
في هذا السياق تقول منى، وهي مساعدة صيدلانية في تونس قريبة من إحدى المصحات الخاصة التي يتوجه إليها أجانب وبخاصة من ليبيا، إن هؤلاء يحبذون شراء الدواء بكميات كبيرة أحياناً، حتى إن البعض يشتري دواء من دون وصفة الطبيب، وغالباً تكون أدوية مسكنة أو تجميلية أو خاصة بنزلات البرد، وتعتقد هدى أن الأجانب وبخاصة الليبيون والجزائريون والموريتانيون وبعض الأفارقة، يثقون في الدواء التونسي.
وتعاني تونس نقصاً في الأدوية منذ 10 أعوام، وبحسب مسؤولين تغيرت أسواق الدواء بعد جائحة كورونا، مع تأثيرات واضحة للحروب وسلاسل التوريد العالمية، وبخاصة في المواد الأولية.
كما لجأت الصيدلية المركزية، المسؤولة الوحيدة عن توزيغ الدواء في تونس، إلى تقليص استيراد بعض الأدوية المستوردة لتعويضها ببدائل تونسية، في إطار حوكمة رشيدة تهدف إلى توجيه الموارد نحو الأدوية الجديدة والحياتية للأمراض المزمنة والخطرة، كما دعت وزارة الصحة الأطباء، في بلاغ رسمي، إلى ترشيد الوصفات الطبية لضمان استمرارية التزويد وتفادي انقطاعات قد تهدد حياة المرضى.
وتعتبر تونس من البلدان العربية الرائدة في مجال صناعة الأدوية والصناعات الصيدلانية بصورة عامة، إلى جانب الأردن والسعودية والمغرب ومصر، وتتميز الصناعة الدوائية التونسية بتقنياتها المتقدمة وجودة منتوجاتها الدوائية وسلامتها، ووفق تقارير دولية مختصة فإن تونس تغطي نصف حاجاتها الدوائية محلياً مع سوق بقيمة 2.15 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن تنمو الإيرادات بنسبة 12.9 في المئة سنوياً حتى تصل إلى 5.03 مليار دولار بحلول 2030، وفقاً لتقارير دولية.
وتؤكد أرقام الصيدلية المركزية، أن تونس تصنّع أكثر من 70 في المئة من حاجياتها وتستورد في المقابل 30 في المئة، وسبق أن ذكر وزير الصحة مصطفى الفرجاني، أن تصنيع الأدوية محلياً يغطي 75 في المئة من الاستهلاك السنوي، وهو قطاع قادر على تلبية نسبة 100 في المئة منها 'بفضل قدراتنا الذاتية، وكفاءاتنا من صيادلة وأطباء خريجي التعليم الطبي العالي التونسي'.