اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ٢٦ كانون الثاني ٢٠٢٥
لا شك أن تونس لم تعد اليوم قبلة للمستثمرين حيث لم يعد يتحدث عنها الآخرون إلا لنقد ما يحدث فيها من محاكمات سياسية و من انسداد أفق الحوار و رفض كل الدعوات الصادقة لفتح صفحة آمنة يتلاقى فيها أبناء الوطن الخيّرين من كل الاتجاهات السياسية و الفكرية ما عدى حركة الإسلام السياسي بأصلها المتمثل في حركة النهضة.
خاب ظن الكثيرين أمس من هؤلاء الذين انتظروا صدور حكم بعدم سماع الدعوى و الإفراج عن المحامية و الإعلامية سنية الدهماني المنسوب إليها بعض التهم المركبة مثل استعمال شبكات و أنظمة معلومات و اتصال لإنتاج و ترويج و نشر و إرسال و إعداد إشاعات كاذبة على خلفية تصريح إعلامي أدلت به بخصوص ملف المهاجرين الأفارقة بتونس و تفاجأ المتابعون بأن المحكمة قد اكتفت بتخفيض العقوبة من سنتين إلى سنة و ستة أشهر نافذة .
بطبيعة الحال المشكلة ليست في الإيقاف و لا في الحكم النافذ و لا فيما تخلل عملية الإيقاف من هرج و مرج إعلامي متعلق بما سمي بانتهاك حرية التعبير و لقانون المحاماة في علاقة بكيفية الإيقاف و الإحالة. بل أنه من الظاهر أن هناك أزمة ثقة قد بدأت تتصاعد و تتضاعف سواء بين المواطن و القضاء أو بين المواطن و السلطة أو بين القضاء و المحاماة أو بينه و بين المجتمع المدني بما فيه الإعلام. بل لنقل بمنتهى الصراحة أن جميع من انتظروا الإفراج كانوا يعلمون في داخلهم أنه لن يحدث و أن المطالب العديدة التي تنادى بالإفراج لتنقية الأجواء السياسية الملبدة _ حتي تلك الصادرة من ذاخل ما سمي بمنظومة 25 جويلية التي يمثلها الرئيس قيس سعيد – لن يقع الغستجابة لها .
الأمور لا تسير في الاتجاه المأمول
في الحقيقة هناك مناخ اجتماعي و سياسي و اقتصادي محير و هناك شبه إجماع على أن الأمور لا تذهب في الطريق المأمول و أن هناك تحركات غامضة من بعض الأطراف المنتسبة للإسلام السياسي بالذات قد بدأت تثير كثيرا من علامات الاستفهام خاصة أن هذا التيار الملتبس قد رأى في رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم و صعود التيار الديني المتشدد لقيادة سوريا بتأييد الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها الأوروبيين و الخليجيين الفرصة الذهبية المواتية لمحاولة استعادة الأمور و الصعود للحكم من جديد و لو باستعمال الإرهاب و بث الفوضى و قلب الحكم .
من الواضح أن الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح لأن السلطة القائمة قد استعدت أهم القوى الحيّة في البلاد تحت ذريعة أنها قد صعدت للحكم لتطهير المناخ السياسي من كل من تراه معاديا و لو بالفكر معتبرة الأغلبية من قوى الردة و شياطين السياسة و معارضي الثلاث ورقات كما أنه من الواضح أن الحكومة واقفة في نفس المكان بدليل صعود أصوات من بين حلفاء الرئيس تنادى بتغيير الأشخاص أملا في تغيير السياسات و تحريك المياه الراكدة.
في عالم السياسة ليس سهلا أن تحكم بدون مشاركة القوى الفاعلة بمختلف اتجاهاتها و مشاربها الفكرية لأن الأصل أن رئيس الجمهورية هو رئيس الجميع و عليه الانصياع إلى رأى الأغلبية خاصة عندما يتعلق الأمر بقيادة بلد على حافة الإفلاس و شبه معزول عن محيطه الدولي بحجة المحافظة على استقلالية القرار السياسي لكن و للأسف فإن ما يحدث منذ فترة هو العكس و هناك شبه جفاء أو فجوة بين النظام وقواه الحية التي لم تنخرط في العنف و الفساد و التخابر مع الخارج. و لعل إحالة كل من يعبر عن رأي أو وجهة نظر مخالفة على القضاء هو تصرف سياسي غير وجيه و لا يخدم ما تزعم الحكومة السعي إليه من تغيير اجتماعي و سياسي. خاصو و أن القضاء نفسه بات جزءا من لعبة سياسية خطيرة توشك أن تسمم المناخ العام الذي تحاول بعض الأصوات النضالية الشريفة المحافظة عليه باعتباره المكسب الوحيد الذي ناضلت أجيال لتحقيقه دون جدوى.
إن المناخ الاجتماعي كما يحتاج بيئة نظيفة آمنة فإنه لا يحتاج إلى أن تكون الخلفية سحابات من الزوابع و الدخان الناتج عن تعرض المعارضة الوطنية بمختلف اتجاهاتها – حتى تلك التي نشك في صدقها – للمساءلة القضائية القاسية و غير المبررة أحيانا.
فتح صفحة آمنة يتلاقى فيها أبناء الوطن من كل الاتجاهات
لا شك أن تونس لم تعد قبلة للمستثمرين و لا شك أنه لم يعد يتحدث عنها الآخرون إلا لنقد ما يحدث فيها من محاكمات سياسية و من انسداد أفق الحوار و رفض كل الدعوات الصادقة لفتح صفحة آمنة يتلاقى فيها أبناء الوطن الخيّرين من كل الاتجاهات السياسية و الفكرية ما عدى حركة الإسلام السياسي بأصلها المتمثل في حركة النهضة و فروعها الأخرى من المتقلبين و الزئبقيين الذين لا يخجلون في كل مناسبة من إعلان كفرهم بالديمقراطية و بالنظام الجمهوري رافعين العلم الأسود.
إن قسم رئيس الدولة على أن يكون رئيسا لكل التونسيين يعنى فيما يعني أن يكون رئيسا قادرا على تجميعهم تحت كلمة و غاية و مستقبل واعد واحد و لعل مقابلة الخطاب المعارض بإلرفض إلى حد المتابعة القضائية هو خذلان لتطلعات أغلبية معبرة و فاعلة يتم تكميم أفواهها بغاية فسح المجال للفكر الواحد رغم أن ذلك الفعل الخاطئ قد أثبت فشله في عديد المرات تاركا حالة من الإحباط و الغضب من شأنها أن تعطل مسار استعادة الوطن من براثن حكم الإخوان السابق.
ما في ذلك شك أن هناك حالة إحباط و غضب مكبوتة سواء بفعل الخوف من المحاكمة أو بفعل رغبة البعض في عدم التصعيد الذي قد سيستغله النظام كما يقولون للقضاء على من بقى طليقا من القيادات السياسية و لكن و بالمقابل فإن النظام لا يزال مصرا على نفس نهج الرفض للحوار غير عابىء أو غير شاعر بانسداد الأفق – وهو أخطر فيروس يصيب العقول و قد يدفعها لارتكاب الأخطاء و الحماقات غير المحسوبة.
الواقع اليوم في تونس يقول أن عجلة التنمية متوقفة و معطبة و تحتاج إلى رؤية صائبة مخالفة و في كل الأحوال فإنه ليس من المنطق السياسي أن يظن من هم قي السلطة أن العربة ستواصل الطريق بعجلات و أضواء معطبة.
إن فتح السجون و إطلاق سراح المعارضين الشرفاء هي أهم خطوة فاعلة و مؤثرة على النظام اتخاذها إذا كان حريصا فعلا على منح الوطن فرصة لتلافى ما فات من خطايا و هفوات.
كاتب و ناشط سياسي.