اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
بقلم – إبراهيم عدلان
في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد، تزداد الحاجة الملحة للتخطيط الفوري والمدروس لإعادة فتح المجال الجوي السوداني، كجزء حيوي من استعادة سيادة الدولة، وإنعاش الاقتصاد، وتسهيل حركة النقل الإنساني والتجاري. إن فتح المجال الجوي ليس مجرد إجراء تقني، بل عملية معقدة تتطلب جاهزية فنية، وبنية تحتية سليمة، وكوادر بشرية مؤهلة، إضافة إلى إجراءات تنسيق إقليمي ودولي دقيقة.
هذا المقال يستعرض أبرز المتطلبات، التحديات، والفرص المتعلقة بفتح الأجواء السودانية، مع التأكيد على أهمية التحرك الاستباقي – لا الانتظار حتى نهاية الحرب – لضمان الجاهزية بمجرد توفر الحد الأدنى من الاستقرار
أولاً: ضرورة الإسراع في تأهيل أجهزة الملاحة الجوية
من دون بنية تحتية فاعلة لأنظمة الملاحة الجوية، مثل أجهزة VOR، DME، ILS، الرادارات الثانوية والبديلة (ADS-B)، لا يمكن تحقيق عمليات طيران آمنة ومنضبطة. لذلك، من الضروري الإسراع في تقييم الأعطال والأضرار التي لحقت بهذه الأنظمة، والشروع في إصلاحها أو استبدالها فورًا. التأخير في هذه الخطوة سيترتب عليه:
ثانيًا: أهمية تأهيل الكادر الفني والبشري
حتى مع اكتمال البنية التحتية، فإن غياب الكوادر المؤهلة يعني العجز عن تشغيلها. كثير من المراقبين الجويين، مهندسي الرادارات، والفنيين تعرضوا للنزوح أو الانقطاع القسري. عليه، يجب البدء فورًا بـ:
ثالثًا: أهمية تركيب رادارات أولية لتعزيز السيطرة والسيادة
الرادارات الأولية (Primary Surveillance Radars) تمثل عنصرًا أساسيًا في فرض السيطرة الجوية. على عكس الرادارات الثانوية التي تعتمد على استجابة الطائرة، فإن الرادار الأولي يتيح كشف الأجسام الطائرة دون الاعتماد على تعاونها، ما يجعله ضروريًا لـ:
رابعًا: ضرورة توقيع اتفاقات مسبقة مع الشركات المصنعة
من الخطأ الاستراتيجي الانتظار إلى ما بعد الحرب لبدء التفاوض مع الشركات المصنعة لمعدات الملاحة والرادارات. معظم هذه الشركات تعمل وفق سلاسل تصنيع وجداول زمنية طويلة، وأي تأخير في الاتفاق يعني:
لذلك، من الحكمة توقيع مذكرات تفاهم (MoUs) أو خطابات نوايا (LoIs) مع الشركات المتخصصة من الآن، لتأمين الإنتاج المسبق، وتحديد المواصفات المطلوبة، وتحضير البنى الفنية اللازمة للتركيب.
خامسًا: تقييم تجربة الفتح الجزئي شرقي البلاد
الفتح الجزئي الذي تم في الأجواء الشرقية (حول مطار بورتسودان) يمثل تجربة ميدانية مفيدة، لكنها تحتاج إلى تقييم مؤسسي معمق يشمل:
تحليل الإيجابيات (مثل استئناف بعض الرحلات والعبور) مقابل السلبيات (مثل العجز عن مراقبة الطائرات العابرة بدقة كاملة).
وبناءً على هذا التقييم، يجب إعادة النظر في تصميم المجال الجوي السوداني نفسه، فالهيكل الحالي الذي يقسم الأجواء إلى شمال وجنوب لم يعد مناسبًا. من الأجدى اعتماد هيكل ثنائي الارتفاع على النحو التالي:
هذا التصميم أكثر مرونة، ويطابق التوجهات الحديثة في إدارة المجال الجوي، ويسهل التحكم بالتدفق الجوي (Air Traffic Flow Management) في حالات الطوارئ.
سادسًا: الفتح التدريجي للمجال الجوي في إطار خطة وطنية متكاملة
من غير الواقعي توقع فتح المجال الجوي بشكل كامل ومباشر، لذا يجب أن تتم العملية بشكل تدريجي ومنضبط، بدءًا بالممرات الجوية الإنسانية، ثم التجارية، مع التوسع وفق تقييمات السلامة الجارية. ومن المهم هنا:
خاتمة: فرصة لاستعادة السيادة وترميم الثقة الدولية
إن إعادة فتح المجال الجوي ليست فقط ضرورة تشغيلية، بل هي أيضًا رمز لعودة الدولة السودانية إلى الساحة الدولية. ولكي تتم هذه الخطوة بفعالية، يجب أن تنطلق الآن عمليات التحضير الفني، والتخطيط المؤسسي، والتفاوض اللوجستي دون انتظار.
الجاهزية لا تُبنى بعد انتهاء الحرب، بل تُبنى خلال فترات الترقب، لأن من لا يستعد في الوقت الصعب، لن يكون مستعدًا في الوقت المناسب.