اخبار السودان
موقع كل يوم -أثير نيوز
نشر بتاريخ: ١ أيلول ٢٠٢٥
_*
___________________________
▪️تتسم الأوضاع داخل المليشيا بحالة من التفكك والانهيار المتسارع ، حيث تحوّلت المكونات القبلية التي شكّلت بنيتها إلى ساحة اقتتال دموي وصراعات ثأرية اتخذت أبعادًا عنصرية واضحة. هذا التفكك، وإن بدا للبعض نتيجة طبيعية لخلفيات الانتماء القبلي وتضارب المصالح، إلا أن تسارعه وانتظامه في إطار مدروس للفعل وردة الفعل يشير إلى ما هو أبعد من مجرد انفجار داخلي عفوي، مما يفتح المجال للتمعّن والتحليل المعمق للكشف عن ديناميكيات الانهيار وتسلسل ردود الأفعال بين المكونات المختلفة للمليشيا.
_*الفرضيـة الأولـى: الـدور الإمـاراتــي*_
▪️أحد أكثر التفسيرات قوة هو أن الإمارات تقف وراء هذا السيناريو. فالمليشيا، بعد فشلها في تحقيق الأهداف المرسومة لها، تحولت من أداة إلى عبء. ولعل فشلها في إسقاط مدينة الفاشر تحديدًا، شكّل نقطة تحول خطيرة؛ إذ كانت الفاشر تمثل بالنسبة للإمارات الأولوية الإستراتيجية القصوى، باعتبارها:
*1* . _طوق نجاة سياسي:_ السيطرة على الفاشر كان سيُكسب المليشيا ورعاتها ورقة قوة على طاولة التفاوض الإقليمي والدولي.
*2* . _مكسب ميداني حاسم:_ الفاشر هي العقدة المركزية التي تربط إقليم دارفور بشماله وشرقه، وسقوطها يعني تغيير ميزان الحرب.
*3* . _وسيلة لتخفيف الضغوط على الإمارات_ : فشل المليشيا في هذه المهمة جعل الانتقادات واللوم يتصاعدان، ليس فقط على آل دقلو والمهرية، بل أيضًا على الإمارات كراعٍ رئيسي.
▪️هذا الفشل أظهر للإمارات أن المليشيا لم تعد قادرة على تحقيق المكاسب المطلوبة، وأن استمرارها بهذا الشكل لن يجلب سوى المزيد من الإحراج والتورط. من هنا، يصبح تفجيرها من الداخل عبر تغذية الاقتتال القبلي وسيلة للتخلص من عبء ثقيل بأقل تكلفة سياسية ممكنة.، إلى جانب ذلك، فإن تفكيك المليشيا عبر الصراع الداخلي يحقق جملة أهداف إضافية:
*1* . _التخلص من الحمل الثقيل:_ إذ أثبتت المكونات القبلية للمليشيا أنها أكثر ضررًا من نفعًا للمخطط الإماراتي.
*2* . _امتصاص النقد المتوقع:_ مع تصاعد نبرة اللوم على القيادة الميدانية، وعلى رأسها آل دقلو وقبيلة الماهرية، فإن الإمارات تسعى لتفادي تحميلها المسؤولية المباشرة.
*3* . _التصفية الصامتة للقيادات الخطرة_ : كثير من القيادات الميدانية تملك معلومات دامغة عن تورط الإمارات ميدانيًا ولوجستيًا، ما يجعل التخلص منهم خيارًا استباقيًا.
*_الفرضية الثانية: اختـراق للجيـش_*
▪️هناك من يذهب إلى أن الجيش هو من اخترق المليشيا وأشعل فتيل الصراع بين مكوناتها. هذا الاحتمال له ما يبرره، فالجيش يمتلك تاريخًا طويلًا وخبرة واسعة في العمل الاستخباري، وسبق له أن نجح في ضرب خصومه عبر الاختراق. لكن في المقابل، حجم العنف، واتساع دائرة التصفيات، وارتباطها بنتائج استراتيجية تصب في مصلحة طرف خارجي، تجعل من الصعب حصر الأمر في مجرد عملية اختراق عسكرية داخلية.
*_الفرضيةالثالثة:أمر طبيعي ومتوقع_*
▪️وجهة نظر أخرى ترى أن ما يحدث طبيعي تمامًا، فالمليشيا قامت أساسًا على خليط قبلي متوتر، والنزعة العنصرية كانت كامنة أصلًا. ومع المكاسب التي نالتها بعض القبائل على حساب أخرى، تجدد الصراع بصورة حادة وطبيعية. هذه الفرضية تحمل قدرًا من الصحة، لكنها لا تفسر التسارع اللافت للأحداث، ولا اصطفافها في اتجاهات تخدم هدف إضعاف المليشيا وتصفية قيادات حساسة.
_*توظيـــف الـــزخـــم*_
▪️الزخم الناتج عن الانقسامات الداخلية للمليشيا لا ينبغي أن يقتصر على ملاحظته وتحليله، بل يمكن استثماره كأداة استراتيجية متكاملة. فحالة الانهيار الداخلي، مع الاقتتال الدموي والتصدعات القبلية، تمنح فرصة فريدة لتوجيه هذه المليشيا نحو حافة الاستنزاف الذاتي، مع تعزيز قدرة الدولة على استعادة المبادرة.
*1* _على المستوى الإعلامي:_ إبراز أن ما يجري ليس مجرد صراع قبلي، بل انعكاس مباشر لرعاية خارجية إماراتية أدارت المليشيا ثم تخلت عنها، بما يفضح الإمارات ويظهرها كعامل تفكيك وزعزعة استقرار.
*2* _على المستوى السياسي الداخلي_ : توظيف الانقسامات لتقوية صورة الجيش كقوة النظام والاستقرار، وتعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة الدعاية المضللة.
*3* _على المستوى الدبلوماسي الخارجي_ : تصوير الإمارات باعتبارها الراعي الذي يتنصل من تبعات أفعاله، وفتح الباب أمام مخاطبة المجتمع الدولي لتحميلها المسؤولية، ومنع إعادة إنتاج دورها التخريبي تحت غطاء الوساطة أو الشراكة الإقليمية.
▪️بهذا، يتحول الانهيار الداخلي للمليشيا من مجرد ظاهرة ميدانية إلى ورقة ضغط متعددة الأبعاد تعرّي الإمارات وتضعها أمام مسؤولياتها، وتقطع الطريق أمام محاولات الإفلات أو إعادة التموضع.
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
▪️الراجح أن ما يجري داخل المليشيا نتاج تفاعل عاملين ، عامل النزعات القبلية العميقة، وما ولدته من حساسيات وصراعات على النفوذ والغنائم.، والعامل الموضوعي فى توظيف هذه النزعات من قبل الإمارات، وتحويلها إلى أداة لتفكيك المليشيا من الداخل، بما يحقق أهدافها في التخلص من حليف أصبح عبئًا ثقيلًا.
▪️وبين هذا وذاك، تبدو المليشيا اليوم أمام مشهد انهيار متسارع، لا تملك فيه زمام المبادرة، بل تتحرك وفق سيناريوهات مرسومة مسبقًا، تخدم أطرافًا خارجية أكثر مما تعبر عن صراع داخلي صرف.