لماذا تتكرر الزلازل في مصر؟

متابعات- نبض السودان

شهدت محافظات مصرية عدة خلال الأسابيع الماضية هزات أرضية مفاجئة، تفاوتت في قوتها وتوقيت حدوثها، لا سيما أنها وقعت في أوقات متأخرة من الليل، ما تسبب في حالة من القلق بين المواطنين الذين تساءلوا عن طبيعة هذه الزلازل وأسباب تكرارها في فترة قصيرة

رغم أن هذه الزلازل لم تُسجل أضرارًا بشرية أو مادية جسيمة، فإن أثرها النفسي كان واضحًا، وأعادت إلى الأذهان كارثة زلزال أكتوبر 1992، الذي أوقع مئات القتلى وآلاف الجرحى، تاركًا صدمة نفسية لا تزال عالقة في وجدان المصريين

مركز الزلازل خارج الحدود المصرية

أحدث تلك الزلازل التي شعر بها سكان القاهرة الكبرى كانت في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 3 يونيو، وتبين أن مركزها يقع في تركيا، حيث سجلت محطات الشبكة القومية لرصد الزلازل هزة على بعد 593 كيلومترًا شمال مطروح، بحسب المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية

وبحسب بيانات المركز الأوروبي المتوسطي لرصد الزلازل، فقد ضرب زلزال بقوة 6.2 درجة جزر دوديكانيسا اليونانية، وكان مركزه على عمق 68 كيلومترًا، مما يفسر امتداد تأثيره إلى مصر، خاصة في المناطق الشمالية

بداية السلسلة: هزة جزيرة كريت

بداية هذا النشاط الزلزالي المتكرر تعود إلى 14 مايو 2025، عندما سُجلت هزة على بعد 421 كيلومترًا شمال مرسى مطروح، ناجمة عن نشاط في جنوب جزيرة كريت. وأوضح الدكتور شريف الهادي، رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي، أن المسافة بين مركز الزلزال وأقرب مدينة مصرية 'آمنة' ولا تدعو للقلق، وأنه لم يتم تسجيل أي أضرار في الأرواح أو الممتلكات

توابع زلزال كريت مستمرة

في 22 مايو، رُصد زلزال جديد بقوة 6.24 درجة في نفس المنطقة، على بعد 499 كيلومترًا شمال مرسى مطروح. ووفق بيان المعهد، تبع الزلزال نحو 15 هزة ارتدادية أقل من 3.5 درجة على مقياس ريختر، وهي توابع لم يشعر بها أحد لكنها ذات دلالة علمية مهمة

هذه التوابع الزلزالية تمثل مرحلة تفريغ الطاقة المتبقية في القشرة الأرضية، وتُعد مؤشرا طبيعيا بعد الزلازل الكبرى، وتساعد المختصين على فهم طبيعة الفوالق الجيولوجية وتقييم المخاطر المستقبلية

لماذا تحدث هذه الزلازل الآن؟

رغم أن الزلزالين الأساسيين المسجلين في مايو وقعا في نفس النطاق الجغرافي، فإن الخبراء يؤكدون أنهما حدثان منفصلان ضمن القوس الهيليني النشط، وهو منطقة جيولوجية تمتد من جنوب اليونان حتى جنوب غرب تركيا، وتشهد حركة تكتونية نشطة حيث تنزلق الصفيحة الإفريقية تحت الصفيحة الأوروبية

ويشير العلماء إلى أنه لا يمكن حتى الآن التنبؤ بموعد حدوث زلازل مستقبلية بدقة، إلا أن متابعة البيانات الزلزالية بشكل مستمر يساهم في رفع الجاهزية والتقليل من المخاطر المحتملة

هل مصر في خطر زلزالي؟

رغم شعور المصريين بالهزات الأخيرة، إلا أن مصر ما زالت خارج 'حزام الزلازل' وفق تصنيف المعهد القومي للبحوث الفلكية، والذي أكد في بيانه يوم 3 يونيو أن 'الزلازل التي تُسجَّل مركزها خارج الأراضي المصرية، وغالبًا ما تكون في دول نشطة جيولوجيًا مثل تركيا أو اليونان'

تقع مصر في نطاق يُعرف بالهدوء النسبي زلزاليًا، لكن قربها من مناطق نشطة في شرق البحر المتوسط يجعلها تتأثر بهزات قوية تحدث هناك، خاصة في المناطق الشمالية والساحلية

منطقة شرق المتوسط.. بؤرة زلزالية نشطة

منطقة شرق البحر المتوسط تُعد من أكثر المناطق نشاطًا زلزاليًا في العالم، بسبب التقاء الصفائح التكتونية الإفريقية والأوروبية، ما يسبب ضغطًا جيولوجيًا ينتج عنه زلازل متوسطة إلى قوية، بعضها يُشعر به في مصر دون أن يسبب أضرارًا فعلية

وتكمن خطورة هذه المنطقة في احتمالية وقوع زلازل قوية بالقرب من مناطق سكنية، ما يجعل مراقبة النشاط الزلزالي فيها أمرًا ضروريًا لدول الجوار مثل مصر

زلزال 1992 في ذاكرة المصريين

الهزات الأخيرة أعادت للأذهان زلزال 12 أكتوبر 1992، والذي ضرب القاهرة بقوة 5.8 درجة، وكان مركزه جنوب غرب العاصمة في منطقة دهشور. رغم أن قوته لم تكن مرتفعة عالميا، فإن قربه من الكتل السكانية وضعف الأبنية في ذلك الوقت ساهما في وقوع كارثة إنسانية

أسفر الزلزال عن وفاة 545 شخصًا وإصابة أكثر من 6500 آخرين، كما تسبب في تدمير آلاف المنازل، خصوصًا في المناطق الشعبية والعشوائية. وقد شكّل هذا الحدث صدمة نفسية واجتماعية لا تزال تؤثر في تعامل المصريين مع الزلازل حتى اليوم

المتخصصون يطمئنون: لا خطر حقيقي

يرى الخبراء أن ما يحدث الآن يُعد نشاطًا طبيعيًا مرتبطًا بموقع مصر الجغرافي وليس مؤشرا على تحول جذري في النشاط الزلزالي، ولا توجد أي إشارات على دخول البلاد مرحلة خطيرة من الزلازل

ورغم ذلك، فإن الاستمرار في مراقبة النشاط الزلزالي أمر بالغ الأهمية، كما أن التوعية العامة والتأهيل الهندسي الجيد للمباني يمثلان خط الدفاع الأول في حال وقوع أي هزات مستقبلية

هل يجب القلق؟

الزلازل التي تُسجّل حاليا وإن كانت مثيرة للقلق النفسي، فإنها بحسب المعايير العلمية لا تُعد تهديدًا مباشرًا على الأمن القومي أو حياة المواطنين، خاصة أن مراكزها تقع على بعد مئات الكيلومترات من الأراضي المصرية

لكنّ القلق المشروع ينبغي أن يُترجم إلى وعي مجتمعي واستعدادات احترازية على مستوى الدولة، تشمل مراجعة أكواد البناء، وتعزيز نظم الإنذار المبكر، وتحسين جاهزية الطوارئ، بما يضمن مواجهة أي طارئ مستقبلي بأقل قدر من الخسائر