اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٣١ تموز ٢٠٢٥
كامل جميل - الخليج أونلاين
الباحث الاجتماعي د. واثق عباس:
الأكاديمية حجر أساس لنهضة مجتمعية تبدأ من الداخل، من وجدان الطفل وروحه، وتمتد إلى مستقبل وطن بأكمله.
للفنون والثقافة أهمية كبيرة في تنشئة الأجيال إذا ما كانت أساساً في التعليم.
وعي الإنسان لا يُبنى فقط بالمعلومة، بل بالتذوق والتأمل، والحوار، وكلها أدوات تُمنح عبر الفنون والثقافة.
خطوة يمكن وصفها بالتحول غير المسبوق الذي سيؤتي أكله في قادم السنوات، خطتها السعودية بتدشينها أكاديمية متخصصة في الفنون والثقافة هي الأولى من نوعها بالمملكة، ستكون بوابة لاكتشاف المواهب وتنميتها في سن مبكرة.
الأكاديمية، التي أُطلقت بالشراكة بين وزارتي الثقافة والتعليم، تحمل اسم 'أكاديمية الفنون والثقافة'، وستبدأ استقبال طلبتها في العام الدراسي القادم (2025–2026).
البداية ستنطلق عبر موقعين اثنين: الأول للبنين في مدينة الرياض، والثاني للبنات في مدينة جدة، على أن تشمل لاحقاً مختلف المراحل الدراسية ومناطق أخرى بالمملكة بحسب ما ذكرت وكالة 'واس'، يوم الثلاثاء (22 يوليو 2025).
جرى تصميم برنامج الأكاديمية على نحو يدمج بين التعليم الأكاديمي المعتمد وبرامج فنية متخصصة تشمل: الرسم، التمثيل والمسرح، العزف، والغناء.
ويتوزع اليوم الدراسي فيها إلى فترتين؛ صباحية مخصصة للمواد الأساسية، ومسائية مخصصة للفنون والأنشطة الثقافية، في تجربة متكاملة تعزز التوازن بين العقل والروح.
تكوين الشخصية
الفنون اليوم لم تعد مجرد نشاط ترفيهي يُمارس على هامش الجدول الدراسي، بل أصبحت -في نظر السياسات التعليمية الحديثة- جزءاً من تكوين الشخصية، وتعزيز القدرات الذهنية والاجتماعية والنفسية.
من هذا المنطلق تأتي هذه المبادرة لتكون تحولاً نوعياً يعكس قناعة متنامية بأن مستقبل المجتمعات لا يُبنى بالمعرفة وحدها، بل أيضاً بالحس الإبداعي.
بحسب ما تذكر تقارير متخصصة، تعد السنوات العمرية المبكرة الحاضنة الأهم للمواهب، إذ يظهر خلالها كثير من الميول والقدرات التي غالباً ما تُهمل أو تُقابل بالإهمال في البيئة المدرسية التقليدية.
وفي هذا السياق فإن استهداف الأكاديمية لطلبة الصف الرابع الابتدائي والأول المتوسط في مرحلتها الأولى يشكل قراراً مدروساً يعكس وعياً علمياً وتربوياً بأهمية 'اللحظة الذهبية' لاكتشاف الطفل المبدع.
بيئة محفزة
ما يلفت الانتباه في المشروع ليس فقط طموحه في بناء جيل جديد من الفنانين، بل الرغبة الواضحة في نزع الفنون من الهامش، ودمجها داخل البنية التربوية الوطنية بشكل مؤسسي.
وهذا بدوره يعكس روح 'استراتيجية تنمية القدرات الثقافية' التي أعلنتها الوزارتان في وقت سابق، والتي تهدف إلى ترسيخ الثقافة والفنون في مناهج التعليم العام، وتحقيق الاستدامة في القطاع الثقافي وزارة الثقافة السعودية.
ويبدو واضحاً أن الرهان ليس على المدرسة وحدها، بل على ما بعدها؛ فالأكاديمية تهدف ضمنياً إلى سد الفجوة بين التعليم وسوق العمل الثقافي، من خلال خلق بيئة تعليمية تُخرج جيلاً يمتلك مهارات فنية تؤهله لدخول مجالات إبداعية متنامية، سواء في الإنتاج الفني أو الصناعات الثقافية.
وتتسق هذه المبادرة مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى تمكين الشباب، وتنويع الاقتصاد، وتعزيز القطاع غير النفطي، عبر تفعيل قطاعات الثقافة والفنون والترفيه كمسارات مهنية جاذبة وواعدة.
لمسة إنسانية
ورغم طابعها المؤسسي، فإن أكثر ما يلامس في هذه الخطوة هو بعدها الإنساني؛ فالطفل الذي يُمنح فرصة التعبير عن نفسه على المسرح، أو عبر الرسم أو من خلال العزف على آلة موسيقية، هو طفل يُمنح فرصة حياة مختلفة.
وتراهن مجتمعات كثيرة على أن يكون الفن جزءاً من تكوين مواطنيها، ودائماً ما يُشاهد فيها مستوى مرتفع في الوعي والثقافة، لكونها تصنع المستقبل بألوان متعددة، لا بلون واحد فقط.
أكاديمية الفنون والثقافة ليست مجرد مدرسة جديدة، بل تأتي تأكيداً لتغيير كبير تشهده المملكة، التي قررت أن تصغي لصوت الموهبة، ومنحها ما تستحقه من رعاية واحتضان منذ الطفولة.
الخطوة الأولى التي خطتها السعودية في هذا الاتجاه كانت في يوليو 2022، حين أعلنت إدراج الفنون في المناهج التربوية، وهي بحسب الجهات المسؤولة في المملكة تعتبر جزءاً من رؤية 2030.
بناء الإنسان وصقل الشخصية
الباحث بالشأن الاجتماعي د. واثق عباس، الذي تحدث لـ'الخليج أونلاين'، يقول إنه يقف بإعجاب أمام هذه الخطوة السعودية الجريئة، ويصفها بأنها 'تحوّل في مسار بناء الإنسان'.
ويرى أن تدشين أكاديمية متخصصة في الفنون والثقافة 'ليس مجرد مشروع تعليمي أو مبادرة ثقافية عابرة، بل هو حجر أساس لنهضة مجتمعية تبدأ من الداخل، من وجدان الطفل وروحه، وتمتد إلى مستقبل وطن بأكمله'.
ويضيف مبيناً أهمية هذه الأكاديمية قائلاً:
ستكون بمنزلة 'مسرح حياة'، تُكتشف فيه المواهب الصغيرة، وتُروى فيه أحلام الأطفال وتُغذّى أرواحهم بالفن والجمال والمعرفة.
الأكاديمية تبني مستقبلاً أكثر نضجاً واتزاناً، تصقل فيه الشخصية.
تسهم في بناء جيل قادر على التعبير والتواصل والإبداع والانخراط الإيجابي في مجتمعه والعالم.
تتجاوز أهمية الأكاديمية بناء الشخصية الفنية والإبداعية للطفل إلى بناء وعيه.
تراهن السعودية على الطفولة وعلى الجمال والتعبير وعلى الفن بصفته رافعة مجتمعية تُرمم ما تهدمه صراعات الحياة اليومية.
للفنون والثقافة، وفق ما يذكر د. واثق عباس، أهمية كبيرة في تنشئة الأجيال إذا ما كانت أساساً في التعليم، مشيراً إلى أن 'وعي الإنسان لا يُبنى فقط بالمعلومة، بل بالتذوق والتأمل، والحوار، وكلها أدوات تُمنح عبر الفنون والثقافة'.
ولفت إلى أن أهمية إدراج الثقافة والفنون بالمنهاج الدراسي تتجسد في:
تمكين الإنسان من رؤية العالم من زوايا مختلفة.
تعلم الشخص التفكير النقدي واحترام التنوع وفهم الآخر.
تجعل الشخص يتفاعل مع القضايا الإنسانية بقدرٍ من الرقي والوعي.
وعليه يؤكد عباس أن 'الفن والثقافة ليسا ترفاً، بل جوهر يُشكل الهوية، ويُهذب السلوك، ويمنح الإنسان أدوات فهم الذات والآخر'.
وأوضح أن دمج السعودية هذه القيم في بنية التربية والتعليم تقرب المملكة أكثر من تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة تنبع من الإنسان وتعود إليه'.
وبحسب عباس، فإن الأكاديمية 'خطوة ستؤتي أكلها بلا شك، ليس بعد عام أو عامين، بل حين يكبر هذا الجيل المُبدع، ويقف على خشبات المسارح، وفي صالات العرض، وفي ميادين الفكر، ليقول للعالم: هنا إنسان سعودي جديد، نشأ على ثقافة الحياة لا ثقافة الخوف، وعلى الجمال لا الصمت'.










































