اخبار المغرب
موقع كل يوم -الأيام ٢٤
نشر بتاريخ: ٦ كانون الأول ٢٠٢٥
تعيش مسابقة 'أوروفيزيون/ يوروفيجن' واحدة من أعقد أزماتها منذ تأسيسها، بعد أن أثار قرار اتحاد البث الأوربي (EBU) السماح لإسرائيل بالمشاركة في نسخة 2026 موجة غضب واسعة داخل الأوساط الإعلامية والثقافية، أدت إلى انسحاب عدة دول بشكل رسمي وفتحت نقاشا حادا حول حدود الفصل بين الفن والسياسة.
فقد أعلنت كل من إسبانيا وهولندا وإيرلندا وسلوفينيا انسحابها المباشر من المسابقة، معتبرة أن استمرار مشاركة إسرائيل في ظل الحرب الدائرة في غزة وما تسببه من مآس إنسانية أمر يتعارض مع القيم الأخلاقية ومع مبادئ الخدمة العمومية التي تمثلها مؤسسات الإعلام العام في هذه الدول.
وذهب مسؤولون في شركة راديو وتلفزيون إسبانيا (RTVE) الإسبانية إلى القول إن المسابقة لم تعد حدثا فنيا خالصا، بل تحولت إلى ساحة تُدار فيها حسابات جيوسياسية تتجاوز مجال الموسيقى، بينما اعتبرت هولندا أن قرار اتحاد البث الأوربي يعكس تجاهلا صريحا للسياق الإنساني والسياسي الذي تشهده المنطقة.
في المقابل، يدافع اتحاد البث الأوربي عن قراره، مؤكدا أنه يسعى إلى الحفاظ على طابع المسابقة باعتبارها حدثا ثقافيا لا يجب أن يتحول إلى منصة لتصفية المواقف السياسية، رغم أن الضغوط المتصاعدة طالبت بإجراء تصويت داخلي حول مشاركة إسرائيل، وهو ما رفضه الاتحاد مكتفيا بالآليات التنظيمية المعتادة.
وقد فتح هذا الرفض الباب أمام انتقادات واسعة اعتبرت موقف اتحاد البث الأوربي محاولة للتهرب من نقاش أخلاقي أصبح مفروضا بفعل حجم الجدل الدائر حول الحرب في غزة. ومع تصاعد الجدل، ترى تحليلات إعلامية أن 'يوروفيجن' لم تعد قادرة على الانفصال عن التحولات السياسية الكبرى، وأن محاولتها البقاء في منطقة اللاموقف لم تعد مقنعة في نظر الجمهور ولا لدى عدد من الدول المشاركة.
ويأتي ذلك كله بينما تستعد النمسا لاستضافة نسخة 2026 في فيينا، وسط ضغوط مالية وتنظيمية نتيجة انسحاب دول مؤثرة كانت تساهم في تمويل جزء من البنية الإنتاجية للمسابقة. وعلى الرغم من هذه التحديات، تؤكد هيئة الإذاعة النمساوية أن العرض سيستمر وأن المسابقة ستُقام كما هو مقرر، حتى لو اضطر المنظمون إلى تقليص بعض الجوانب اللوجستية. غير أن الأزمة تكشف انقساما أوروبيا حادا حول كيفية التعامل مع إسرائيل في ظل الأوضاع الراهنة، بين من يرى أن المشاركة تمنحها تبييضا ثقافيا لا يتلاءم مع حجم الانتهاكات التي تُسجَّل في غزة، وبين من يتمسكون بضرورة الإبقاء على الحدث الفني بعيدا عن التجاذبات السياسية.
ومع استمرار هذا الجدل وتوسع دائرة النقاش، يجد 'يوروفيجن' نفسه أمام اختبار وجودي يتعلق بقدرته على الحفاظ على هويته الفنية في زمن تتقاطع فيه السياسة مع كل الفضاءات الثقافية. فالمقاطعات الحالية قد تفتح الباب أمام انسحابات أخرى، بينما يعتقد البعض أن الأزمة قد تعيد تشكيل قواعد المسابقة في السنوات المقبلة. وفي كل الأحوال، تبدو نسخة 2026 مرشحة لتكون أكثر النسخ إثارة للجدل في تاريخ المسابقة، بعدما أصبحت الموسيقى نفسها جزءا من معركة سياسية وأخلاقية تتجاوز بكثير حدود المسارح وأضواء العروض.



































