اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١ تموز ٢٠٢٥
تقدم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بمقترح قانون جديد يروم تجريم الإثراء غير المشروع بالمغرب، عبر صياغة شاملة تتجاوز المقاربة العقابية المحدودة إلى بناء منظومة قانونية قائمة على الشفافية والوقاية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك في خطوة تعيد ملف الفساد إلى الواجهة التشريعية، وتطرح تساؤلات جدية حول مصير ثروات غير مفسرة تبرز على بعض المسؤولين في دواليب الدولة.
المقترح، الذي تتوفر جريدة 'العمق' على نسخة منه، يعالج ثغرة تشريعية وصفها أصحاب المبادرة بـ'القاتلة'، تتمثل في غياب قانون متكامل لتجريم الإثراء غير المشروع، مما يسمح لعدد من المسؤولين بالاغتناء الفاحش في غياب مسطرة قضائية فعالة أو إمكانية تتبع أصول الأموال.
ويشمل النص فصولا مفصلة تضع تعريفا دقيقا للجريمة، وتشمل عقوبات سالبة للحرية ومصادرة الأموال المشبوهة، كما يُعزز دور المؤسسات الرقابية وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات.
ويعرف المقترح الإثراء غير المشروع بكونه كل زيادة كبيرة وغير مبررة في الذمة المالية، سواء كانت ممتلكات أو أرصدة مالية أو هدايا وامتيازات، لا تتناسب مع دخل الشخص المُلزم بالتصريح بالممتلكات، بما في ذلك أزواجه وأولاده القاصرين، بل ويذهب أبعد من ذلك ليجعل حتى الامتناع عن التصريح أو تقديم تصريح مغلوط قرينة قانونية لفتح تحقيق رسمي.
ويُدرج النص أيضا ما أسماها بمحاولات إخفاء مظاهر الثراء، ويعتبرها جريمة قائمة بذاتها، يُعاقب عليها بالحبس والغرامة، تشمل تقديم معلومات خاطئة أو التلاعب في الوثائق أو حتى توظيف وسائل الدولة لتحقيق منافع خاصة.
ويُطبق القانون على شريحة واسعة من الأشخاص، تتجاوز المسؤولين العموميين المنتخبين أو المعينين، لتشمل رؤساء وأمناء المال في الأحزاب والجمعيات والنقابات والهيئات غير الحكومية في ما يتعلق بالدعم العمومي، إضافة إلى كل من يتصرف في المال العام أو له سلطة تدبيره أو التأثير في صرفه.
ويمنح المقترح للمجلس الأعلى للحسابات، إلى جانب المجالس الجهوية التابعة له، صلاحيات واسعة في البحث والتدقيق، عبر قضاة مختصين قضوا عشر سنوات على الأقل في مهام الرقابة والتدقيق، على أن تكون لهم الأهلية والاستقلالية الكاملة.
كما يُخول للنيابة العامة صلاحية استصدار أوامر بالحجز الاحتياطي على الأموال غير المبررة، ومنع الأشخاص المشتبه فيهم من مغادرة التراب الوطني، وحماية الأموال المشكوك فيها من التبديد أو البيع.
ولا يكتفي المقترح بتحديد الجريمة والعقوبات، بل يطرح إجراءات استباقية للوقاية، من خلال إلزام المعنيين بتقديم تصريحات دورية بممتلكاتهم داخل آجال محددة، وتحديد وضعية تضارب المصالح، واعتبار السكوت عنه مخالفة يُعاقب عليها، كما ينص على عدم سقوط المتابعة بالتقادم أو بانتهاء المهام، ويفرض مصادرة الأموال غير المبررة حتى بعد وفاة المعني بالأمر.
وفي ما يتعلق بالعقوبات، ينص القانون على عقوبة حبسية تتراوح بين سنة وخمس سنوات، وغرامة تساوي ضعف قيمة الأموال غير المشروعة، مع إمكانية الحكم بعدم الأهلية لممارسة الوظائف العمومية.
أما محاولة الإخفاء، فتُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، بينما يعاقب السكوت عن تضارب المصالح بغرامات تصل إلى 500 ألف درهم، وفي حال كان الشخص المعني هيئة معنوية، مثل شركة أو جمعية، يمكن الحكم بحلها أو منعها من ولوج الصفقات العمومية لمدة قد تصل إلى عشر سنوات.
ويسمح القانون، لأول مرة، للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بأن تنتصب طرفا مدنيا في القضايا المتعلقة بالإثراء غير المشروع، وهو ما من شأنه أن يُعزز ثقافة تخليق الحياة العامة ويمنح مؤسسات الرقابة أدوارا قضائية فعلية.
ويأتي هذا المقترح في وقت يعرف فيه المغرب دينامية مؤسساتية لمحاربة الفساد، لكنه يواجه انتقادات واسعة تتعلق بضعف تفعيل الآليات الزجرية، واستمرار مناخ الإفلات من العقاب في قضايا تتعلق بتضخم الثروات واستغلال النفوذ.
وسبق للحكومة أن سحبت في وقت سابق مشروع قانون رقم 10.16 الذي كان يُجرم الإثراء غير المشروع في فصل واحد فقط، ما أثار استياء عدد من الفاعلين، باعتباره دليلا على غياب الإرادة السياسية الكافية لمواجهة الفساد.
وأوضح الفريق الاشتراكي أنه يسعى، من خلال هذا المقترح، إلى نقل المعركة ضد الفساد من الشعارات والمواقف السياسية إلى حلبة التشريع الجاد، معتبرا أن 'تنزيل دولة القانون لا يتحقق دون تشريعات واضحة ومُلزمة تربط الوظيفة العمومية بالشفافية وتمنع استغلالها للإثراء الذاتي'.