اخبار ليبيا
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٢٠ نيسان ٢٠٢٥
حذر 'المجلس الأطلسي' من مسار انهيار اقتصادي تتجه إليه ليبيا بسبب حجم الفساد المسيطر على المؤسسات الوطنية، والنفوذ الضخم الذي تملكه التشكيلات المسلحة في الهياكل النقدية والمالية.
وأكد الباحث في برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي عماد الدين بادي في مقاله، أن إنهاء هذا المسار يتطلب أكثر من مجرد إرادة سياسية.
وأشار عماد الدين بادي إلى أن قرار المصرف المركزي بتعديل سعر الصرف الرسمي حل مؤقت لوقف الانهيار الاقتصادي، لافتا إلى أن قفزة سعر الصرف في السوق الموازية دليل على فقدان ثقة المواطن الليبي بالمؤسسات المالية للدولة.
وشدد المقال على ضرورة حماية المؤسسات الوطنية وضمان وجود آليات المحاسبة والإشراف العام، والكشف الإلزامي عن أوجه النفقات والعائدات، كخطوة أولى لوقف الفوضى السائدة في المؤسسات النقدية والمالية، معتبرا أن توحيد الحكومة دون إصلاح الهيكل النقدي سيؤدي إلى مركزية الفساد تحت مظلة إدارة موحدة.
وتحدث المقال عن 'إيقاع مستمر منذ سنوات يكشف كارثة الانهيار الاقتصادي في ليبيا، حيث انتقلت البلاد من حالة الاختلال الوظيفي نحو الانهيار الكامل، فما بدا أنه مستنقع هش متماسك بفعل عائدات النفط، وميزان هش من النقد الأجنبي، بات في حالة ماسة إلى الإصلاح، موضحا أنه 'لا يمكن إنكار البيانات النقدية بعد الآن'.
ولقد حذر اقتصاديون ومحللون لأشهر طويلة من هذا المسار، ولم تعتمد تلك التحذيرات على نماذج مجردة بل على ملاحظات يومية، أبرزها التضحم المرتفع، وعجز الموازنة الآخذ في الاتساع، والاختفاء التدريجي للإشراف العام.
وقد انضم المصرف المركزي إلى قائمة المحذرين من الوضع الراهن، وجاءت تحذيراته 'النادرة' واضحة وصارخة وتتعلق بالإنفاق غير المنضبط، حيث كشف عن إنفاق حكومة الوحدة الوطنية 109 مليارات دينار في العام 2024، بينما راكمت الحكومة المكلفة من مجلس النواب في الشرق 49 مليار دولار من التزامات الإنفاق.
وقال الكاتب: 'تعكس تلك الأرقام إما الجهل أو عدم الاكتراث بتداعيات الإنفاق غير المنضبط، وتكشف حجم الاستيلاء على الدولة والفوضى النقدية'. إلى جانب تلك التحذيرات، عدل المصرف المركزي سعر الصرف الرسمي، ورفعه إلى 5.48 دينار للدولار الواحد.
وفي حين اعتبر مراقبون قرار المركزي تعديل سعر الصرف الرسمي خطوة لاحتواء الأزمة، عده مقال المجلس الأطلسي 'حلا مؤقتا، في مسعى لاستيعاب التجاوزات السياسية بفضاء نقدي آخذ في التقلص'.
وقال الكاتب: 'تبرز تلك الخطوة حقيقة أكثر عمقا لم تعد المؤسسات المالية في ليبيا هي من يقود دفة الاقتصاد بل تستعد للتفكك.. ظاهريا لايزال النفط يتدفق وتستمر الرواتب في الوصول إلى موظفي القطاع العام لكن عمليا الاقتصاد في حالة تفكك'.
فقد قفز سعر الصرف في السوق الموازية إلى 7.8 دينار للدولار خلال 48 ساعة فقط من قرار المصرف المركزي، وهو ما اعتبره المقال 'تصويتا بسحب الثقة من القائمين على المؤسسات المالية والنقدية في البلاد'.
وأضاف الباحث في برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي: 'المؤسسات التي عملت في السابق على إرساء الاستقرار في النظام، عبر الإشراف على الموازنة وتدقيق دائرة العائدات والإشراف المركزي، قد تقلصت ولم يتبق سوى اقتصاد يعتمد على الارتجال والصفقات الخفية والموائمة السياسية'.
ووفق المصدر ذاته، فقد سيطرت على مدى السنوات الماضية آليات وصفها المقال بـ'الغامضة والمرتجلة' بشكل ثابت، واستبدلت قنوات العوائد الرسمية، لعل أبرزها الصفقات المشبوهة لمبادلة الخام مقابل النفط.
وقال: 'عُدت تلك الآليات في بادئ الأمر تنازلات ممكنة، وثمنا ضروريا من أجل الحفاظ على الهدوء الهش وتجنب تجدد الصراع، لكن تطور الوضع إلى نظام اقتصادي تغيب فيه المساءلة، وأصبحت صفقات مبادلة الخام مقابل الوقود أنشطة منتظمة تجرى عبر قنوات مشبوهة دون أي إشراف رسمي'.
ويقول الباحث عماد الدين بادي: 'يجري تمرير تلك الصفقات بعيدا عن الموازنة العامة بشكل كامل من خلال وسطاء غير رسميين في إطار شبكات عابرة للحدود.. وعلى الرغم من تعهد المؤسسة الوطنية للنفط بإنهاء تلك الممارسات، فقد طغت عليها ترتيبات أكثر تعقيدا وغموضا، مما يعكس تطور أكبر في نظام الفساد المبتكر في ليبيا'.
وفي تلك الأثناء، تمكنت المجموعات المسلحة من ترسيخ نفسها بشكل أعمق في هيكل اقتصاد الطاقة بليبيا.
ففي شرق وغرب البلاد، رسخت التشكيلات المسلحة نفسها في المؤسسات الحيوية، مثل شركة الكهرباء العامة، حيث تتأثر الاختيارات التشغيلية بمعايير طبقة الفساد التي وصفها المقال بـ'كليبتوقراطية' أكثر من المعايير المؤسسية.
وبين عماد الدين بادي أنه في الفترة بين عامي 2022 – 2024، جرى تهريب 1.12 مليون طن من الديزل بشكل غير مشروع من ميناء بنغازي القديم من خلال طلبات التوريد الصادرة عن شركة الكهرباء، وعرقلة عمليات التدقيق، والتلويح باستخدام العنف.
كما انزلقت المؤسسة الوطنية للنفط أيضا إلى تلك الشبكة بحسب المقال، إذ سمحت صفقات مشبوهة للشركات ذات الصلات السياسية بتأمين عقود مشتريات وامتيازات تشغيلية مما قضى على الخط الفاصل بين إدارة الموارد الوطنية ومواءمة النخبة.
ويتابع الباحث علاء الدين بادي قائلا: 'تسارعت تلك الآليات منذ العام 2022 في أعقاب تعيين فرحات بن قدارة رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط، كان المقصود هو تخفيف التوترات التنفيذية، لكن تلك الخطوة رسخت النفوذ السياسي على عمليات المؤسسة'.
وأوضح بادي أن استقالة بن قدارة المفاجئة بداية العام 2025 لم تسهم في تغيير هذا المسار، بل على النقيض خلفت بصمة دائمة وهي مؤسسة نفط مسيسة، تُستغل بشكل متزايد لتحقيق مكاسب فئوية بدلا من حماية الثروة النفطية.
وأردف بالقول: 'أصبح إنشاء النقد الرقمي، وهو ضخ الأموال في الاقتصاد دون إيرادات أو ناتج في المقابل، ذريعة النظام السياسي غير الراغب في تقييد الإنفاق أو فرض الانضباط وكانت النتيجة المتوقعة هي تآكل قيمة الدينار، وزيادة التضخم، وانعدام الثقة في قدرة الدولة على قيادة مستقبلها المالي.
ووصف المقال الوضع الراهن بـ'افتراس هيكلي'، مضيفا: 'أنه نظام مصمم للفشل والاستنزاف في آن واحد نادرا ما يجرى توجيه الثروة العامة إلى خدمات أو تنمية وطنية، بل يجرى الاستيلاء عليها وتوزيعها عبر شبكات فساد وعقود غير قابلة للتتبع وحسابات خارجية'.
ولإصلاح هذا الانهيار الاقتصادي، يرى الباحث أن 'الأمر يتطلب إعادة هيكلة سياسية'، وإعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية كمراكز حوكمة وطنية، وليست أدوات في نظام تمويل فئوي.
كما شدد الباحث على ضرورة حماية المؤسسات التي تدير العائدات النفطية وآليات الصرف والمشتريات، وإصلاحها وإعادة بنائها في كثير من الحالات من خلال قوانين جديدة وآليات حماية وإشراف عام.
ورأى أيضا أن استراتيجية إصلاح ذات مصداقية يجب أن تبدأ من كشف عام إلزامي عن جميع العقود النفطية والإنفاق الحكومي، ومنع أي ترتيبات خارج الموازنة، مع تنظيم المشتريات والإنفاق عبر أنظمة شفافة تنافسية.
وأكد بادي ضرورة أن يكون توزيع العائدات من خلال إشراف عام شفاف وعادل، وليس من خلال الإدارة الخارجية، مع ضمان وصول الأموال العامة إلى القطاعات والمجتمعات المستهدفة عبر آليات مسؤولة وقائمة على أسس قانونية.
ودعا المقال المجتمع الدولي سواء المانحين أو المؤسسات المتعددة الأطراف أو البعثات الدبلوماسية، إلى التوقف عن التعامل مع الانهيار الاقتصادي كناتج ثانوي للانقسام السياسي في ليبيا، مؤكدا أن الاستقرار القائم على الفساد لن يكون استقرارا مستداما.
وفي حين ينصب التركيز على توحيد الحكومة، يؤكد المقال أن تحقيق ذلك دون إصلاح الهيكل النقدي سيؤدي إلى مركزية الفساد تحت مظلة إدارة موحدة لن تسهم في إرساء الاستقرار أو التنمية.
وقال: 'يخاطر هذا بترسيخ الشبكات نفسها التي أدت إلى الخراب الاقتصادي. ليبيا بحاجة إلى موازنة واحدة وسلطة تنفيذية موحدة، خاضعة لضوابط صارمة وقابلة للتنفيذ بشأن كيفية إنفاق المال العام، والإفصاح عنه ومراجعته'.
واختتم بادي مقاله بالقول: 'ليبيا ليست محكومة بالفشل لكن مسارها الراهن غير قابل للاستدامة ليس فقط لانخفاض سعر برميل النفط بل لتبخر الإرادة السياسية للحكم بنزاهة منذ زمن طويل'.
وذكر أن التعافي سيتطلب المواجهة لا التوافق ويجب أن يبدأ باستعادة المؤسسات التي صممت لخدمة الشعب، لا لخدمة المستفيدين من تراجعها.
ويقول إن التلاعب بأدوات تقنية مثل سعر الصرف قد يؤدي إلى كسب الوقت ولكن عندما تستخدم هذه التعديلات لإدامة فساد النخبة بدلا من تصحيح الاختلالات الهيكلية، فإنها لا تسهم في الاستقرار، بل تثير الاستفزازات وإذا استمر هذا الوضع فلن تكون المرحلة التالية من أزمة ليبيا تآكلا هادئا، بل ثورة شعبية.
المصدر: 'المجلس الأطلسي