اخبار الكويت
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٨ تموز ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
لماذا تستثمر دول الخليج في مراكز بيانات أمريكية؟
لضمان النفاذ إلى قدرات الذكاء الاصطناعي والتحكم في البنية الرقمية المستقبلية.
كم عدد مراكز البيانات في دول الخليج؟
106مراكز قائمة، و77 مركزاً قيد الإنشاء.
يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة تدفقاً متزايداً لرؤوس الأموال الخليجية، إذ تدرك دول مجلس التعاون أهمية الاستثمار في البنية التحتية الرقمية لتأمين موطئ قدم في سباق عالمي يعتمد على مراكز بيانات عملاقة تشغل تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
في السنوات الأخيرة، تحركت الكويت وقطر والسعودية والإمارات بقوة من خلال استثمارات وتحالفات استراتيجية بمليارات الدولارات، بهدف ضمان النفاذ إلى القدرات الحوسبية وتوسيع الشراكات مع عمالقة التقنية في الولايات المتحدة.
الكويت.. تحالف عالمي
تسعى الكويت، عبر الهيئة العامة للاستثمار، إلى ترسيخ مكانتها ضمن اللاعبين الكبار في مشهد الذكاء الاصطناعي، حيث أعلنت، في 5 يوليو 2025، عن دخولها في تحالف ضخم يضم شركات رائدة مثل (xAI) التابعة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك، وإنفيديا، ومايكروسوفت، وبلاك روك، وصندوق الثروة السيادي السنغافوري.
يلتزم هذا التحالف باستثمار 30 مليار دولار لتطوير مراكز بيانات متقدمة بالولايات المتحدة، في خطوة تهدف إلى مواكبة الطلب العالمي المتزايد على البنية التحتية الحاسوبية اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي فائقة القدرة.
وتقوم رؤية هذا التحالف على امتلاك زمام واحدة من أسرع فئات الأصول نمواً في القرن الحادي والعشرين: البنية التحتية المتخصصة وعالية القدرة للذكاء الاصطناعي، التي تُعد أساسية لتدريب وتشغيل نماذج متقدمة مثل (GPT-4).
وليس الاستثمار الحالي البالغ 30 مليار دولار سوى خطوة أولى ضمن خطة أوسع للوصول إلى استثمارات قد تصل إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، في مؤشر على أن السيطرة على القدرة الحاسوبية باتت تماثل في الأهمية الاستراتيجية التحكم في حقول النفط خلال القرن الماضي.
وتشير صحيفة 'الراي' الكويتية، بتقرير نشرته في 5 يوليو الجاري، إلى أن مشاركة الهيئة العامة للاستثمار تعكس تحولاً جيوسياسياً بارزاً، يعزز موقع الشرق الأوسط كقوة مؤثرة في مشهد البنية التحتية الرقمية.
ويُبرز انضمام الصندوق الكويتي إلى هذا التحالف نهجاً طويل الأجل يركز على المرونة الوطنية والتأثير الجيوسياسي والأمن الاقتصادي، متجاوزاً هدف العوائد الفورية.
قطر.. توسع استراتيجي
تخطط قطر لتعزيز نفوذها الاقتصادي في السوق الأمريكية عبر مضاعفة استثماراتها في قطاعات المستقبل.
وكشف رئيس 'جهاز قطر للاستثمار'، محمد السويدي، في 15 مايو 2025، عن خطة لضخ 500 مليار دولار إضافية خلال العقد المقبل، يخصص جزء كبير منها لمشاريع مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية.
يشكل هذا الاستثمار نصف حزمة تعهدات قطرية بلغت 1.2 تريليون دولار خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للدوحة في مايو الماضي، في تأكيد على رغبة الدوحة بتوسيع انكشافها على الاقتصاد الأمريكي واستغلال البيئة السياسية الملائمة لرؤوس الأموال طويلة الأجل.
السعودية.. بنية تحتية طموحة
وتواصل السعودية خطواتها السريعة لتقليل الاعتماد على عائدات النفط عبر الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة.
وفي إطار ذلك أعلنت شركة 'داتا فولت' السعودية، في 13 مايو 2025، عن خطط لاستثمار 20 مليار دولار في إنشاء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة، بدعم من البيت الأبيض.
وتزامن ذلك مع إطلاق شركة 'هيوماين' المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، التي دخلت في شراكة استراتيجية مع 'إنفيديا'.
كما توسع المملكة نطاق تعاونها مع شركات أمريكية كبرى مثل 'أمازون ويب سيرفيسز'، و'مايكروسوفت'، و'غوغل كلاود'، و'أوراكل'، بهدف بناء شبكة مراكز بيانات وحلول سحابية تعزز مكانتها كمحور إقليمي للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في الشرق الأوسط.
الإمارات.. بنية متسارعة
تُعد الإمارات من الدول الخليجية السباقة في الاستثمار بمراكز البيانات إقليمياً ودولياً، وتسعى إلى مد هذا النشاط إلى أمريكا.
ففي 7 يناير 2025، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن مشروع شركة 'داماك' العقارية الإماراتية التي يملكها الملياردير حسين سجواني بقيمة 20 مليار دولار لإنشاء مراكز بيانات في أنحاء الولايات المتحدة، مستفيداً من تخفيف القيود الأمريكية على استيراد الرقاقات المتقدمة.
وتدعم هذه الخطوة التوسع الإماراتي الذي يشمل حالياً 35 مركز بيانات عاملاً في الدولة و81 مركزاً إضافياً قيد الإنشاء والتخطيط، منها مشروع عملاق لمركز بيانات (G42) الأمريكي الإماراتي بتكلفة 40 مليار دولار.
وبهذه المشاريع، تسعى الإمارات إلى تعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، وضمان جاهزية البنية التحتية لاستقبال التقنيات الناشئة.
سباق رقمي
ويؤكد الباحث الرقمي نبيل العبيدي أن السباق الخليجي للاستثمار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي العالمية يتجاوز كونه مجرد استثمار مالي، ليصبح سباقاً على موقع حيوي في المستقبل الرقمي العالمي.
ويوضح لـ'الخليج أونلاين' أن الأسباب الجوهرية لهذا التوجه تشمل سعي دول الخليج لتحقيق السيادة التقنية المستقبلية، حيث إن من يملك البنية التحتية، يتحكم في قواعد اللعبة.
كما تهدف هذه الاستثمارات إلى نقل القوة من النفط إلى المعرفة، وتحويل الثروة المالية إلى نفوذ رقمي، بالإضافة إلى ضمان موطئ قدم في المنظومة التقنية العالمية عبر الوصول إلى الذكاء الاصطناعي السيادي.
وأشار العبيدي إلى أن دخول الخليج في مجال مراكز البيانات يُعيد تشكيل التوازن الرقمي العالمي بشكل ملحوظ.
ويضيف أن هذا التحول 'يتم عبر كسر الهيمنة الجغرافية التقليدية في هذا القطاع، والتأثير على سياسات الوصول العالمية، إضافة إلى تحول دول الخليج من مجرد مستهلكين للتقنية إلى صناع ومؤثرين فاعلين في بيئة الذكاء الاصطناعي'.
ويبين العبيدي أن منطقة الخليج تمتلك المقومات اللازمة لتصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، مبرراً ذلك بوجود بيئة مرنة لبناء منظومات رقمية حديثة، وإرادة سياسية واضحة تقود هذا التحول، بالإضافة إلى بناء شراكات استراتيجية قوية مع عمالقة التقنية العالمية.
ولفت إلى أن هناك عوامل حاسمة ستحدد نجاح هذه التوجهات الاستراتيجية لدول الخليج، مشيراً إلى أن من هذه العوامل بناء الكفاءات والعقول المحلية، وتحقيق السيادة على البيانات، والتحكم بالبنية التحتية السيادية، والابتكار في استخدامات الذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى تصدير حلول الذكاء الاصطناعي إلى العالم أجمع.
ويختتم العبيدي بالتأكيد على أن الخليج لا يشتري مقعده في المستقبل، بل يبنيه من خلال شفافية الرؤية، وجرأة القرار، ونضج التحول. ويخلص إلى أن المنطقة التي كانت بالأمس مركزاً للنفط، يمكن أن تكون اليوم منصة الوعي الاصطناعي العالمي إذا اختارت أن تتحول من مستثمر إلى مؤسس للمستقبل.
مراكز البيانات الخليجية
ويشهد قطاع مراكز البيانات في دول الخليج توسعاً متسارعاً، مدفوعاً بالطلب العالمي والإقليمي على قدرات الحوسبة المتقدمة لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وذكرت صحيفة 'ميد' العالمية المتخصصة، في 26 فبراير 2025، أن شركات الاتصالات الخليجية الكبرى مثل 'أوريدو' القطرية، و'الاتصالات السعودية'، و'دو' و'إي آند' من الإمارات، تواصل تعزيز قدراتها في هذا القطاع، في حين توسع شركات متخصصة مثل 'خزنة داتا سنترز' الإماراتية عملياتها محلياً وخارجياً.
ويمثل حجم المشاريع الجديدة المطروحة في السوق خلال الفترة المقبلة نقلة نوعية غير مسبوقة، إذ منحت دول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 2020 و2024 عقود بناء لمراكز بيانات بمتوسط سنوي بلغ 1.2 مليار دولار، وهي قيمة تُعادل تقريباً تكلفة محطة كهرباء حرارية بطاقة إنتاجية تقارب 1 غيغاوات.
ورغم ذلك، شكّلت قيمة عقود مراكز البيانات الخليجية نحو 0.48% فقط من إجمالي العقود الممنوحة في عام 2024، الذي بلغ مستوى قياسياً قدره 264 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يتغير هذا الوزن النسبي مع الإعلان عن مشاريع جديدة أو مخططات تطوير ضخمة لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات السحابية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المنطقة.
وتشير بيانات (MEED Projects) إلى أن قيمة مشاريع مراكز البيانات الخليجية قيد الإنشاء حالياً تصل إلى نحو 7 مليارات دولار، إضافةً إلى نحو 13 مليار دولار لمشاريع في مرحلة ما قبل التنفيذ، ما يعكس حجم الفرص المقبلة في هذا القطاع الحيوي.
وأظهر تقرير حديث صادر عن مركز 'Research and Markets' في يونيو 2025، بعنوان 'محفظة مراكز البيانات الحالية والمستقبلية في دول مجلس التعاون الخليجي'، أن منطقة الخليج تشهد نمواً متسارعاً في القطاع.
ووفقاً للبيانات الواردة، بلغ عدد مراكز البيانات القائمة في دول الخليج الست 106 مراكز قائمة، إلى جانب 77 مركزاً قيد الإنشاء، ويُعد هذا التوسع دليلاً على تصاعد الطلب الإقليمي على البنية التحتية الرقمية والحوسبة السحابية، مدفوعاً بتحولات رقمية واسعة النطاق في مختلف القطاعات الاقتصادية.
من المتوقع أن ينمو سوق مراكز البيانات في دول مجلس التعاون الخليجي من 3.48 مليارات دولار في عام 2024 إلى 9.49 مليارات دولار بحلول عام 2030، مدفوعاً بالحوسبة السحابية، والطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي.