اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ٢٥ أيار ٢٠٢٥
تضم منظمة شنغهاي للتعاون دولاً تشكِّل مُجتمعة نحو نصف سكان العالم، مما يمنحها ثِقلاً ديموغرافياً واقتصادياً كبيراً. وانطلاقاً من هذا المُعطى، يُنتظر أن تشكِّل قمتها المرتقبة في خريف هذا العام بمدينة تيانجين الصينية محطة مؤثرة في التفاعلات الجيوسياسية، لا سيما على صعيد منطقة الخليج، في ظل انضمام الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي - باستثناء سلطنة عمان - إلى المنظمة بصفة «شركاء حوار»، ووصول المنظمة إلى سواحل الخليج، بعد انضمام إيران إلى عضويتها.وتكتسب أهمية القمة زخماً إضافياً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الصين تُعد الشريك التجاري الأول لدول المجلس، فيما تحتل الهند المرتبة الثانية، وهما من أهم الدول في المنظمة.من هنا يعكس الانخراط الخليجي المتزايد في المنظمة اهتماماً استراتيجياً بتعزيز الشراكة مع القوى الآسيوية الصاعدة، لا سيما الصين ودول آسيا الوسطى، التي تشكِّل عملياً طريقاً إجبارياً من الصين إلى الخليج، علماً أن العلاقات الخليجية مع جميع الدول الأعضاء في المنظمة تتم عبر قنوات مختلفة ومتعددة. وفي هذا السياق، شاركت «الجريدة» الأسبوع قبل الماضي في منتدى التعاون الإعلامي لدول منظمة شنغهاي للتعاون 2025، الذي عُقد بمدينة أورومتشي، عاصمة منطقة شينجيانغ- شمال غرب الصين.ونظَّمت صحيفة «الشعب اليومية» الصينية هذا المنتدى بالتعاون مع حكومة إقليم شينجيانغ الإيغوري ذاتي الحُكم، ضمن الفعاليات التي تحتضنها الصين بصفتها الرئيس الدوري لمنظمة شنغهاي، التي تشمل سلسلة من القِمم والمنتديات، من بينها قمة قادة الدول الأعضاء والدول المراقبة والشريكة المتوقع انعقادها في سبتمبر المقبل في تيانجين، العاصمة القديمة للصين.ولبَّت «الجريدة» الدعوة للمشاركة في هذا الحدث، الذي جمع وفوداً إعلامية من الدول الأعضاء والمراقبين وشركاء الحوار، تضم نحو 300 إعلامي وخبير، مع مشاركة الكويت (التي انضمت إلى المنظمة عام 2023) في هذا المنتدى الذي ينعقد بدورته الأولى.وخلال المنتدى، شاركت «الجريدة» في اجتماعات رسمية مع مسؤولين حكوميين وممثلي مؤسسات إعلامية من الدول الأعضاء، كما انخرطت في ندوات وجلسات نقاش متخصصة تناولت سُبل تطوير آليات التعاون الإعلامي في عصر الإعلام الرقمي.رؤية دولية للتحولات
تضم منظمة شنغهاي للتعاون دولاً تشكِّل مُجتمعة نحو نصف سكان العالم، مما يمنحها ثِقلاً ديموغرافياً واقتصادياً كبيراً. وانطلاقاً من هذا المُعطى، يُنتظر أن تشكِّل قمتها المرتقبة في خريف هذا العام بمدينة تيانجين الصينية محطة مؤثرة في التفاعلات الجيوسياسية، لا سيما على صعيد منطقة الخليج، في ظل انضمام الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي - باستثناء سلطنة عمان - إلى المنظمة بصفة «شركاء حوار»، ووصول المنظمة إلى سواحل الخليج، بعد انضمام إيران إلى عضويتها.
وتكتسب أهمية القمة زخماً إضافياً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الصين تُعد الشريك التجاري الأول لدول المجلس، فيما تحتل الهند المرتبة الثانية، وهما من أهم الدول في المنظمة.
من هنا يعكس الانخراط الخليجي المتزايد في المنظمة اهتماماً استراتيجياً بتعزيز الشراكة مع القوى الآسيوية الصاعدة، لا سيما الصين ودول آسيا الوسطى، التي تشكِّل عملياً طريقاً إجبارياً من الصين إلى الخليج، علماً أن العلاقات الخليجية مع جميع الدول الأعضاء في المنظمة تتم عبر قنوات مختلفة ومتعددة.
وفي هذا السياق، شاركت «الجريدة» الأسبوع قبل الماضي في منتدى التعاون الإعلامي لدول منظمة شنغهاي للتعاون 2025، الذي عُقد بمدينة أورومتشي، عاصمة منطقة شينجيانغ- شمال غرب الصين.
ونظَّمت صحيفة «الشعب اليومية» الصينية هذا المنتدى بالتعاون مع حكومة إقليم شينجيانغ الإيغوري ذاتي الحُكم، ضمن الفعاليات التي تحتضنها الصين بصفتها الرئيس الدوري لمنظمة شنغهاي، التي تشمل سلسلة من القِمم والمنتديات، من بينها قمة قادة الدول الأعضاء والدول المراقبة والشريكة المتوقع انعقادها في سبتمبر المقبل في تيانجين، العاصمة القديمة للصين.
ولبَّت «الجريدة» الدعوة للمشاركة في هذا الحدث، الذي جمع وفوداً إعلامية من الدول الأعضاء والمراقبين وشركاء الحوار، تضم نحو 300 إعلامي وخبير، مع مشاركة الكويت (التي انضمت إلى المنظمة عام 2023) في هذا المنتدى الذي ينعقد بدورته الأولى.
وخلال المنتدى، شاركت «الجريدة» في اجتماعات رسمية مع مسؤولين حكوميين وممثلي مؤسسات إعلامية من الدول الأعضاء، كما انخرطت في ندوات وجلسات نقاش متخصصة تناولت سُبل تطوير آليات التعاون الإعلامي في عصر الإعلام الرقمي.
رؤية دولية للتحولات
وناقشت الجلسات سُبل تعزيز التعاون الإعلامي بين دول المنظمة، لتعكس «روح شنغهاي»، التي تأسست كمنظمة إقليمية لاحتواء زلزال سقوط الاتحاد السوفياتي، وإيجاد نقطة توازن مع الولايات المتحدة، التي كانت تعيش ذروة ما أُطلق عليه «لحظة الأحادية القطبية»، حيث تمتعت بهيمنة مُطلقة على النظام الدولي لا يهددها أحد.
وكتبت صحيفة الشعب اليومية، في تقرير، أن المشاركين في المنتدى أكدوا ضرورة قياس وسائل الإعلام بدول منظمة شنغهاي نبض التحوُّل في صناعة الإعلام برؤية عالمية، وأن تفك شفرة فرص التنمية المتكاملة بالتفكير المتطور.
وتبادل ممثلو الدول الأعضاء في المنظمة الأفكار والمقترحات لتعزيز الشراكات الإعلامية، ومن بينها إنشاء مراكز بيانات مشتركة، والعمل على إعداد وتدريب إعلاميين بكفاءة عالية، للارتقاء بمستوى العمل الإعلامي.
كذلك بحث المؤتمر الفرص والتحديات التي تواجه وسائل الإعلام، في ظل التحوُّلات الرقمية المُتسارعة، لاسيما مع تنامي دور وتأثير الذكاء الاصطناعي، والقدرة المتزايدة على إنتاج محتوى إعلامي بأدوات بسيطة، ووقت أقصر، وكُلفة أقل.
مسار أكثر عدالة وعقلانية
وركَّزت كلمات المسؤولين السياسيين والإعلاميين الصينيين الذين تحدَّثوا أمام المنتدى، وبينهم: سكرتير لجنة الحزب الشيوعي لمنطقة شينجيانغ ما شينغروي، ورئيس صحيفة الشعب اليومية يو شاوليانغ، ونائبة رئيس وكالة شينخوا شي يانشون، ونائب رئيس مجموعة الصين للإعلام تشي تشوشوان، وغيرهم، على إيجاد صوت إعلامي خاص فعَّال ومؤثر لدول منظمة شنغهاي بمواجهة السردية الغربية المهيمنة، ونشر رواية دول المنظمة حول الأحداث والإنجازات، لرسم صورة مختلفة عن تلك التي يقدِّمها الإعلام الغربي في قضايا، مثل قضية إقليم شينجيانغ المتعدد القوميات، والذي تسكنه أغلبية من قومية الإيغور المسلمين.
وفي كلمته، قال رئيس صحيفة الشعب اليومية، يو ليشاولينغ، إن المنتدى يسعى إلى دفع الحوكمة العالمية نحو مسار أكثر عدالة وعقلانية، مؤكداً أهمية الإعلام في الاستفادة من حِكمة الثقافات المتنوعة لبناء التنمية.
ولم يبتعد ممثلو الدول الأعضاء الآخرون في المنظمة عن هذا الخط العام، حيث تحدَّث أوميد باباخنوف، مؤسس ورئيس تحرير مجموعة «آسيا بلاس» في طاجيكستان، عن ضرورة تجاوز المرجعية الغربية في الإعلام على الساحة الدولية. كذلك، حذَّر مدربك شيرميتالييف، مدير وكالة «خبر» من قرغيزستان، من الدعاية الغربية المضللة.
تحولات تقنية ومتغيِّرات جيوسياسية
وجاء انعقاد المنتدى ليس فقط في وقت يشهد الإعلام العالمي تحوُّلات تقنية، بل أيضاً وسط متغيِّرات جيوسياسية مُتسارعة.
من الناحية الفنية، بات واضحاً أن التقنيات الرقمية وتطورات الذكاء الاصطناعي تُعيد رسم مشهد الإعلام الدولي، وتطرح تحديات على صعيد إنتاج المحتوى وتوزيعه ومصداقيته.
ولم تعد السيطرة على المعلومة حِكراً على مراكز القوة التقليدية، بل باتت الدول التي تمتلك البنية التحتية الرقمية والقدرة على الاستثمار في التقنيات الحديثة، مثل الصين، أكثر قدرة على التأثير في الرأي العام العالمي. وعلى سبيل المثال، ظهر ذلك بوضوح في قدرة الصين على قيادة الرأي العام الدولي بمواجهة رسوم ترامب الجمركية وسياساته الحمائية. وانتشرت على مستوى دولي محتويات إعلامية صينية دعائية مضادة لترامب، يُظهر أحدها الرئيس الأميركي ومسؤولين أميركيين آخرين في خط إنتاج بمعمل لهواتف أبل أو لأحذية نايكي، رداً على دعوات ترامب للشركات إلى إغلاق مصانعها في الصين، وفتحها بالولايات المتحدة. وأظهرت تلك المواجهة قدرة الإعلام الصيني المتعدد الأشكال والمستويات على التأثير في الرأي العام العالمي وتأطيره.
فرقة موسيقية متعددة القوميات
وعلى المستوى الجيوسياسي، يشهد العالم تراجعاً ملموساً في الحضور الدبلوماسي والاقتصادي للولايات المتحدة على الساحة الدولية. وقد قوَّضت سياسات ترامب بشكل خاص ثقة الحلفاء والشركاء في بلاده، الأمر الذي حفَّز بشكل كبير سعي الصين ودول أخرى، مثل: روسيا، والبرازيل، إلى تأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب.
قمة تيانجين وقدرة الصين على القيادة
وعلى ضوء هذه التطورات الفنية والجيوسياسية، يبدو أن الصين ستسعى في ظل رئاستها الدورية لمنظمة شنغهاي واستضافتها قمة المنظمة في تيانجين بالخريف المقبل، إلى الدفع باتجاه نظام إعلامي دولي جديد أكثر توازناً يكسر احتكار المنظومات الغربية، التي لطالما سيطرت على تدفق المعلومات وتأطير السرديات حول العالم. وقد برز هذا التوجه بوضوح في أعمال المنتدى، حيث بدا من كلمات ممثلي وسائل الإعلام الصينية الحكومية أن ثقتهم عالية بقدرتهم على أداء هذا الدور الإعلامي القيادي، مرتكزين على الدمج الواسع للتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي بالعمل الإعلامي، وما حققته الصين من إنجازات في هذا المجال، خصوصاً فيما يتعلق بنماذج اللغة الكبيرة، مثل ديبسيك وغيرها. وقد اكتسب الإعلام الصيني خبرة لا تُضاهى في التعامل مع البيانات الكبيرة، نظراً للحجم الهائل للسوق الإعلامي الصيني. على سبيل المثال، هناك 200 مليون مُستخدم لتطبيق صحيفة الشعب اليومية، وهذا الرقم ليس فقط بعيداً جداً عن طموحات كُبريات وسائل الإعلام الغربية التي لا يتعدَّى مستخدموها بضعة ملايين في أحسن الأحوال، بل يُظهر نمواً كبيراً في السوق الإعلامي الصيني، مقابل أزمة متمادية في السوق الإعلامي الغربي، حيث تعيش المؤسسات الإعلامية الخاصة أزمات مالية، وتغلق المؤسسات الإعلامية الحكومية، بذريعة ترشيد الإنفاق.
ومن هنا لا يمكن إغفال أن الصين، بما تمتلكه من قُدرات مالية وتجارية، تُعد الطرف الأوفر حظاً لقيادة التحوُّل نحو نظام إعلامي دولي أكثر توازناً.
إضافة إلى ذلك، يتقاطع الهدف الضمني الذي تطرحه الصين، والمتمثل في كسر احتكار الخطاب الإعلامي الغربي بشكل طبيعي، مع تطلعات العديد من دول الجنوب العالمي، بما فيها الدول الخليجية والعربية، التي لطالما اشتكت من سطوة الإعلام الغربي واستخدامه من قِبل الحكومات كأداة ضغط سياسي.
وبالتالي، فإن هذه الأفكار الصينية الإعلامية تمتلك فرصة حقيقية للنجاح في حال تحوَّلت إلى مبادرات جدية، وهو ما يضع الحكومات العربية ووسائل الإعلام العربية الخاصة أمام فرصة لتكون شريكاً فاعلاً في صياغة إعلام عالمي جديد، وهذا كان أحد دوافع «الجريدة» للمشاركة في هذا المنتدى.
هورغوس... الأفضلية للأجانب
ضمن مشاركتها في منتدى التعاون الإعلامي لمنظمة شنغهاي، زارت «الجريدة» مركز هورغوس الدولي للتعاون الحدودي بين الصين وكازاخستان، الذي يُعد أول منطقة تعاون اقتصادي بين البلدين.
ويقع المركز على الحدود بين البلدين، ويضم جانباً صينياً، وآخر كازاخستانياً، إضافة إلى أماكن لعرض وتخزين ونقل البضائع وفنادق ومطاعم، ومرافق للخدمات التجارية والمالية.
وكان لافتاً أن المنظمين الصينيين الذين رافقونا يحتاجون إلى إجراءات إدارية قبل الدخول للمنطقة، فيما الأجانب وبينهم العرب يمكنهم الدخول من دون تأشيرة.
مسجد شنشي... أحد رموز التنوع في شينجيانغ
على هامش المشاركة في منتدى التعاون الإعلامي لمنظمة دول شنغهاي، زارت «الجريدة» مسجد شنشي بمدينة ييلينغ، أحد أقدم المساجد في شينجيانغ، حيث يعود تاريخ تأسيسه إلى عهد أسرة تشينغ، أي قبل 270 عاماً. ويتميز بأسلوبه المعماري الفريد، الذي يمزج بين العناصر الصينية والإسلامية.
من الخارج، يطغى على مسجد شنشي طابع صيني بديع، فواجهته الرمادية المحفورة بالأشكال التقليدية تنفتح على بوابات مزخرفة تأسر الأنظار بجمالها الرصين. ومن الداخل يكشف السقف الداخلي عن هندسة خشبية دقيقة تتشابك فيها الزخارف الملونة بنقوش نباتية ورسومات تقليدية، مانحة المسجد روحاً صينية خالصة تمتزج فيها الألوان والضوء بتناغم بديع.
وفي عام 1999، صُنف كمحمية ثقافية على مستوى محلي، قبل أن يُرقَّى إلى محمية ثقافية وطنية رئيسية في مايو 2013، اعترافاً بأهميته التاريخية والفنية.
واليوم، يُعد مسجد شنشي رمزاً نابضاً بروح التنوع الديني والثقافي في منطقة شينجيانغ، التي تعتبر نموذجاً مكثفاً للتنوع القومي في الصين، حيث تكاد تكون المنطقة الوحيدة التي تضم تقريباً جميع القوميات الـ 52 الموجودة في الصين.
مفارقة تاريخية في الحديقة الروسية
خلال المشاركة في منتدى التعاون الإعلامي لمنظمة شنغهاي، زارت «الجريدة» الحديقة الروسية في مدينة ييلينغ بمقاطعة إيلي، حيث يشكِّل الوجود الروسي هناك بُعداً تاريخياً وثقافياً ممتداً منذ الحقبة السوفياتية.
في تلك المنطقة، التي تسكنها أغلبية كازاخية، يبرز التأثير الروسي عبر الهندسة المعمارية للحديقة، والنقوش المستوحاة من الطراز الروسي، والموسيقى الشعبية التي تجمع بين الألحان الكازاخية وآلات موسيقية روسية، مثل الأكورديون.
وشكَّل الإرث السوفياتي في كازاخستان المجاورة جسراً حضارياً نقل الثقافة الروسية إلى عُمق إيلي، لتصبح مكوناً طبيعياً في نسيجها القومي.
المفارقة هنا أن المنطقة التي شهدت في ستينيات القرن الماضي مواجهة حدودية حادة بين الصين وروسيا، أصبحت الآن رمزاً لقدرة الصين على إدارة التعددية القومية وصهر مختلف الثقافات في إطار وطني موحد.