اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٥ أب ٢٠٢٥
أحمد مغربي
شهدت الكويت تحولا لافتا في سلوك الإنفاق السياحي خلال الفترة الأخيرة، في مشهد يعكس ملامح تغير عميق في توازنات العرض والطلب على مستوى السوق المحلي، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاطي الاقتصادي مع مفهوم «السياحة الداخلية» لتكتب فصلا جديدا في الاقتصاد الكويتي كمصدر دعم فعلي لنموه، إذ سجلت الكويت خلال الربع الأول من 2025 ارتفاعا ملحوظا في مستويات إنفاق السياح والزائرين القادمين من الخارج، وسط زخم اقتصادي يعكس بداية تحول تدريجي نحو دعم القطاع السياحي كمكون فعال في بنية الاقتصاد المحلي برغبة وجهود حكومية فاعلة.
هذا التحول لم يكن وليد المصادفة، بل نتيجة تلاق متناغم بين عدد من المتغيرات التي هيأت بيئة مثالية لتحفيز حركة الزوار، وإعادة توجيه البوصلة الترفيهية للكويتيين أنفسهم، إذ إذ شكلت الحملات الموسمية والمهرجانات التجارية نقطة جذب قوية، أعادت رسم خريطة الإنفاق المحلي، وأضفت طابعا احتفاليا على تجربة التسوق والاستهلاك، ساعد في إطالة مدة الإقامة وتعزيز القيمة الاقتصادية للزائر والمقيم معا.
وأظهرت أرقام رسمية صادرة عن بنك الكويت المركزي، حصلت عليها «الأنباء»، أن السياحة الداخلية شهدت نموا لافتا في مستويات الإنفاق خلال الربع الأول من 2025، حيث بلغ إجمالي الإنفاق على السياحة داخل البلاد نحو 206.3 ملايين دينار، مقارنة بـ 170.1 مليون دينار في الفترة ذاتها من عام 2024، ما يعكس زيادة على أساس سنوي تقدر بـ 36.2 مليون دينار أي بنسبة نمو تصل إلى 21.3%.
ويشير تحليل مؤشرات الدعم الأولية التي أسهمت في هذا النمو الملحوظ بإنفاق السياح داخل الكويت خلال الربع الأول من العام، إلى وجود 4 عوامل دعم رئيسية حفزت الإنفاق إلى الارتفاع، وهي كالتالي:
1- تحسن الأجواء: إذ ان موسم الشتاء الماضي شكل نقطة ارتكاز في نمو الإنفاق، مدعوما بجاذبية الطقس المعتدل الذي ساهم في تنشيط عدد من الأنشطة الترفيهية الخارجية والفعاليات العائلية، ما عزز من الإقبال على المجمعات التجارية والمطاعم والمرافق الترفيهية خصوصا ان الكويت واحدة من الوجهات التي تجذب السياحة العائلية خصوصا من قبل الخليجيين.
2- تسهيلات التأشيرات: إذ أسهمت عودة العمل بتأشيرات الزيارة بعد فترة من التقييد التنظيمي، في تنشيط السوق الداخلي عبر قدوم أعداد كبيرة من الزوار، سواء من أسر المقيمين أو السياح في تعزيز حركة الإنفاق على مستوى الإقامة، والمشتريات، والخدمات.
3- مهرجان «هلا للتسوق»: إذ إن المهرجان المقام ضمن فعاليات «هلا فبراير» شكل أحد أبرز المحركات التجارية خلال الربع الأول، إذ استقطب المهرجان اهتماما واسعا من الجمهور عبر منظومة من العروض والجوائز الكبرى غير المسبوقة، ما عزز ثقافة التسوق الترفيهي، وأدى إلى رفع متوسط حجم الإنفاق الفردي خلال فترة قصيرة.
4- الحملات الترويجية لقطاع التجزئة: سجلت العديد من المراكز التجارية والفنادق والمطاعم تبنت خططا ترويجية متناغمة مع أهداف المهرجان، ما أسهم في تكامل الجهود بين القطاعين العام والخاص لخلق موسم إنفاق فعلي، قائم على توظيف عناصر الجذب المناخي والجوائز وقوة العرض التسويقي.
وفي سياق متصل، كشفت بيانات «المركزي» عن تراجع ملحوظ في إنفاق الكويتيين على السفر إلى الخارج خلال الربع الأول من عام 2025، حيث بلغ الإنفاق نحو 869.3 مليون دينار، مقارنة بـ 1.16 مليار دينار في الربع الأول من عام 2024، أي بانخفاض سنوي بلغت نسبته نحو 25.1%، ما يمثل فرقا يقدر بحوالي 290.7 مليون دينار.
ويأتي هذا الانخفاض كمؤشر واضح على تراجع شهية المواطنين على السفر خلال تلك الفترة خصوصا أن إنفاق الكويتيين على السفر في الربع الأول من 2024 بلغ نحو 1.161 مليار دينار، مسجلا انخفاضا بنحو 14.6% على أساس سنوي مقارنة بمستوى إنفاق بلغ 1.36 مليار دينار خلال الربع الأول من 2023، وهو ما يشير إلى تغير مستمر في تفضيلات المواطنين.
وبالعودة إلى أداء الربع الأول من 2025، وعلى الرغم مما شهده من تراجع على أساس سنوي، أظهرت البيانات تحسنا فصليا طفيفا في الإنفاق الخارجي على السياحة، إذ ارتفع بمقدار 38.7 مليون دينار، مقارنة بالربع الرابع من عام 2024، والذي سجل حينها 830.6 مليون دينار، ويعكس هذا التباين الموسمي تغيرا في نمط السلوك الاستهلاكي للسياحة الخارجية، والذي يرتبط غالبا بالعوامل المناخية وتوزيع العطل الرسمية.
ويعزى الانخفاض السنوي في إنفاق المواطنين على السفر إلى الخارج لعدة عوامل متداخلة، أبرزها تحسن الطقس خلال فصل الشتاء في الكويت، ما يقلل من دوافع السفر الموسمي إلى الوجهات الدافئة، إضافة إلى الارتفاع المستمر في تكاليف السفر الدولية، خاصة في أسعار تذاكر الطيران والإقامة، الأمر الذي دفع العديد من المواطنين إلى إعادة النظر في خططهم السياحية، سواء من خلال تقليص عدد الرحلات، أو التوجه إلى وجهات إقليمية أقرب وأقل كلفة.
يذكر ان هذا التغير في السلوك لا يشير فقط إلى تبدل ظرفي مرتبط بالموسم، بل إلى إمكانية حقيقية لإعادة تعريف الكويت كوجهة سياحية موسمية، تمتلك من المقومات ما يكفي لتحويل المواسم المناخية إلى فرص اقتصادية، وإذا ما استمرت هذه الديناميكية بالتوسع والتطوير، فإن الكويت ستكون أمام فرصة استراتيجية لبناء قطاع سياحي داخلي فاعل، يعتمد على الجودة والتجربة، لا على الكثافة فقط، ما يشكل رافدا مستداما لدورة الدخل المحلي خلال السنوات المقبلة.