اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١٠ تموز ٢٠٢٥
في منتصف شهر يونيو الماضي، تداولت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي خبر حصول بنك الكويت الوطني على المركز الأول في أعلى قيمة محفظة قروض، التي بلغت ما يزيد على 24 مليار دينار، ومن ثم تلاها بيت التمويل الكويتي بمحفظة قيمتها 19 مليار دينار، ومن ثم بنك بوبيان بقيمة 7 مليارات دينار. ومن هنا بدا مهماً تبسيط فكرة محفظة القروض، وانعكاس هذه المحفظة على البنك والوضع المصرفي المحلي، وكذلك على العميل؛ وما يصاحب هذه المحفظة من تنظيم تشريعي.
محفظة القروض بشكل مبسط هي الوعاء، الذي يحتوي على جميع القروض، التي منحتها البنوك لعملائها أو للغير (رغم ندرة ذلك). وهذا الوعاء غير محدد في نوع معيّن من القروض، بل يشمل القروض الاستهلاكية والقروض التجارية أو التمويلية، والقروض القصيرة الأجل وكذا الطويلة الأجل، وغيرها من أشكال القروض، التي تتغير بتغيّر نوع البنك ونوع العميل.
فبالرغم من بساطة هذه الفكرة، فإنها تشكل معياراً أساسياً لقياس استقرار ونجاح المؤسسة المالية من عدمه. فحجم محفظة القروض ونسبة التعثر في هذه القروض هو مقياس نجاح المؤسسة المالية. لذا، كلما زاد حجم محفظة القروض، عكس ذلك ملاءة وكفاءة البنك المالية على توفير الدعم المالي للمتعاملين معه، وكلما كشف ذلك سيولة البنك المالية، فإنه لا يؤخذ في معيار منح القروض على حدة، بل يقترن هذا القياس بمعيار عدم التعثر في عملية الاقتراض هذه، ويعني ذلك عدم تعثر العميل عن سداد قيمة القرض الممنوحة، كي لا يكون البنك قد منح قروضاً لمن ليست لديه ملاءة مالية، وبالتالي يكون البنك سيئاً في تقديره المصرفي. ولكن أيضاً يعني عدم تعثر البنك عن القيام بالتزاماته من سداد الفوائد مثلاً أو تقديم القيمة النقدية لهذا القرض. لذا كلما زادت قيمة محفظة القروض، وقلّت نسبة التعثر في هذه القروض، عكس ذلك متانة المؤسسة المالية من خلال زيادة الأرباح وتقليل المخاطر.
لهذه المحفظة تأثير مباشر على البنك، وعلى المتعامل معه، وذلك من خلال بيان نسبة المخاطر، ونسبة الفوائد على هذا البنك، الذي ينعكس على إقبال الجمهور على هذه المؤسسة؛ خصوصاً أن الاقتراض والإقراض هما العمل الأساسي، الذي ترتكز عليه البنوك في عوائدها. إلا أن المحفظة لها أيضاً تأثير غير مباشر، يتمثل في سعر السهم لهذا البنك، كون لا يجوز تأسيس بنك إلا بشكل شركة المساهمة العامة وفقاً لقانون الشركات، الذي ينقسم رأس مالها إلى أسهم يجوز تداولها، ومن ثم كلما زادت الملاءة المالية المستشفة من حجم هذه المحفظة، استقر أو زاد سعر أسهم البنك، وفي هذا الاستقرار أو الزيادة أثر على سوق الأوراق المالية، ومن ثم على الوضع المالي المحلي.
وفي ذلك، نجد أن بنك الكويت المركزي مهتم بدراسة حجم هذه المحافظ. ففي تقرير الصادر عن سنة 2023، حدد «نمو محفظة القروض لدى البنوك المحلية بنحو 816 مليون دينار بنسبة %1.7، لتصل إلى 47.7 مليار دينار في نهاية عام 2023»، وقد وجدت هذه النسب ضمن أسباب «التطورات النقدية في نهاية عام 2023»، التي يرى البنك أنها سبب من أسباب حفاظ سعر صرف الدينار على استقراره النسبي.
بعد الأزمة الاقتصادية، التي مر بها العالم في عام 2008، نجد أن الاتفاقات الدولية والقوانين المحلية أصبحت تؤكد أهمية بناء ملاءة مصرفية متينة، لكي لا يهتز هذا البناء عند مواجهة أي أزمة. ومن هنا أتت معايير Basel III الصادرة عن بنك التسويات الدولية مثلاً، التي تفرض على البنوك حداً أدنى من رأس المال لا يجوز انخفاضه، لضمان قدرة البنك على الثبات أمام المحن المالية المستقبلية، التي تبناها «المركزي».
إلا أن ما يثير التساؤل هو عدم وجود معايير مفروضة على حجم محفظة القروض. فبالرغم من وجود معايير، مثل معايير Basel، تحدد مثلاً حجم ومتطلبات رأس المال في البنك مقابل القروض، فإنه لا يوجد ما يمنع البنك من منح القروض، ولو عرّضه ذلك إلى مخاطر مصرفية تنعكس سلباً أولاً على ائتمان البنك، ومن ثم على ثقة العامة بهذه المؤسسة، التي قد تولد انهياراً مالياً مؤسسياً، كما شاهد العالم في أزمة 2008.
ورغم وجود تعاميم من «المركزي» تحدّد متطلبات السيولة، ومتطلبات رأس المال والقيود الإقراضية على البنوك، فإنه لا يوجد ما يفرض على البنوك في الكويت قيمة دنيا لمحفظة البنوك، رغم أنها تعد لب مقياس نجاح وأمان البنك.
ورغم هذه الثغرة المتبناة في معظم دول العالم، باستثناء دول قليلة جداً، مثل الصين والبرازيل، فإن «المركزي» يواكب في تشريعه معظم المتطلبات العالمية المالية الحديثة، مثل تحديد نسبة القرض من قيمة العقار، أو الحدود المفروضة على المقترض الفرد الواحد، التي لا يجوز أن تتعدى %15 من رأس مال البنك، وعدم جواز تجاوز نسبة %40 من صافي راتب الموظف في القسط الشهري لسداد القروض الاستهلاكية، ونأمل المزيد من التطور التشريعي الدولي في هذا المجال.
فادية الرفاعي