اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
في خضمّ التحولات الجذرية التي تهزّ النظام الاقتصادي العالمي، بات واضحا أن القواعد التي طالما اعتُبرت مسلّمات اقتصادية، لم تَعُد كافية لتفسير الواقع ولا قادرة على احتواء التقلّبات.لقد تغيّر المشهد العالمي، ليس فقط في مظاهره، بل في جوهر توازناته، إلى حدّ دفع كبار المفكرين وصنّاع السياسات إلى مراجعة الأسس التي بُنيت عليها نظريات التجارة، وأسعار الصرف، وتدفقات رؤوس الأموال، بل ومفهوم «التوازن الاقتصادي» ذاته.في هذا السياق، جاء كتاب «التوازن الاقتصادي الدولي... فهم عالم متغير» International Economic Equilibrium... Understanding a Shifting World ليطرح رؤية متبصّرة وعميقة، تتجاوز النظريات الكلاسيكية لتتأمل في الواقع كما هو: عالم تترنّح فيه الأسواق، وتفقد فيه المعادلات الرياضية قدرتها على التنبؤ، ويختلط فيه الاقتصاد بالجغرافيا السياسية والتكنولوجيا والبيئة. ومن الطريف أن مفهوم التوازن، الذي بدأ كمصطلح رياضي مثالي، استُخدم لتصوير عالم منظم ومستقر، قد تحوّل إلى كابوس حين تمّ تطبيقه بصرامة على واقع معقّد. ولعلّ تجربة «نظام الذهب» مطلع القرن العشرين تعد مثالًا صارخًا، فقد فرض على الدول قواعد صارمة لتثبيت العملات بالذهب، مما حدّ من قدرتها على الاستجابة للأزمات، وأدى في نهاية المطاف إلى انكماش اقتصادي عالمي وموجة من البطالة والسياسات المتطرفة.وإذا انتقلنا إلى عالم اليوم، نجد أن التوازن لم يعد مرادفًا للثبات، بل أصبح أشبه بمشيٍ دائم على حبل مشدود فوق هاوية. أزمة 2008، ثم جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، وارتباك سلاسل الإمداد، وعودة التضخم، كلّها دلائل على هشاشة النظام.لم يعد الخطر في «الخروج عن التوازن»، بل في الاعتقاد الخادع بأننا بلغناه.
في خضمّ التحولات الجذرية التي تهزّ النظام الاقتصادي العالمي، بات واضحا أن القواعد التي طالما اعتُبرت مسلّمات اقتصادية، لم تَعُد كافية لتفسير الواقع ولا قادرة على احتواء التقلّبات.
لقد تغيّر المشهد العالمي، ليس فقط في مظاهره، بل في جوهر توازناته، إلى حدّ دفع كبار المفكرين وصنّاع السياسات إلى مراجعة الأسس التي بُنيت عليها نظريات التجارة، وأسعار الصرف، وتدفقات رؤوس الأموال، بل ومفهوم «التوازن الاقتصادي» ذاته.
في هذا السياق، جاء كتاب «التوازن الاقتصادي الدولي... فهم عالم متغير» International Economic Equilibrium... Understanding a Shifting World ليطرح رؤية متبصّرة وعميقة، تتجاوز النظريات الكلاسيكية لتتأمل في الواقع كما هو: عالم تترنّح فيه الأسواق، وتفقد فيه المعادلات الرياضية قدرتها على التنبؤ، ويختلط فيه الاقتصاد بالجغرافيا السياسية والتكنولوجيا والبيئة.
ومن الطريف أن مفهوم التوازن، الذي بدأ كمصطلح رياضي مثالي، استُخدم لتصوير عالم منظم ومستقر، قد تحوّل إلى كابوس حين تمّ تطبيقه بصرامة على واقع معقّد. ولعلّ تجربة «نظام الذهب» مطلع القرن العشرين تعد مثالًا صارخًا، فقد فرض على الدول قواعد صارمة لتثبيت العملات بالذهب، مما حدّ من قدرتها على الاستجابة للأزمات، وأدى في نهاية المطاف إلى انكماش اقتصادي عالمي وموجة من البطالة والسياسات المتطرفة.
وإذا انتقلنا إلى عالم اليوم، نجد أن التوازن لم يعد مرادفًا للثبات، بل أصبح أشبه بمشيٍ دائم على حبل مشدود فوق هاوية. أزمة 2008، ثم جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، وارتباك سلاسل الإمداد، وعودة التضخم، كلّها دلائل على هشاشة النظام.
لم يعد الخطر في «الخروج عن التوازن»، بل في الاعتقاد الخادع بأننا بلغناه.
الكتاب يستعرض هذه التحولات من خلال فصول ثرية تتناول بجرأة أزمات النظام المالي، وعجز المؤسسات الدولية عن الإصلاح، وصعود قوميات اقتصادية تهدد التعاون الدولي. وهو لا يكتفي بوصف المعضلات، بل يضيء على لحظات تاريخية تمّ فيها تجاوز الأزمة نحو بناء جديد، كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية في مؤتمر بريتون وودز، الذي أعاد رسم خريطة الاستقرار النقدي لعقود.
ولعل التحذير ألأبرز هو من وهم التوازن الظاهري، الذي يتحتم معه ضرورة إعادة تعريف «الاستقرار» ليصبح أكثر عدالة وشمولًا، بما يأخذ في الحسبان ليس فقط الكفاءة الاقتصادية، بل أيضًا العدالة الاجتماعية، وكرامة الإنسان، وحماية البيئة.
أحد محاور الكتاب المثيرة تتعلّق بـ «الميركنتيلية الجديدة»، حيث يُظهر كيف أن دولًا كبرى تعتمد سياسات تصديرية تقوم على التلاعب بأسعار الصرف واحتكار الموارد، مما يعيد للأذهان ممارسات تعود لقرون مضت، ولكن بلغة حديثة وأدوات تكنولوجية متطورة.
ولعل أكثر ما يلفت النظر في الطرح، هو دعوته إلى «تواضع السياسات»، أي الاعتراف بأن النماذج الاقتصادية مهما بلغت من دقة، لا تستطيع الإحاطة بتعقيد المجتمعات البشرية. وأن المطلوب اليوم ليس نموذجًا مثاليًا، بل قدرة على التكيّف، وإرادة للإصلاح، وشجاعة في مواجهة الواقع.
هذا الكتاب ليس موجّهًا للخبراء فقط، بل لكل من يشعر بأن العالم تغيّر بشكل أسرع مما يستطاع فهمه، ولكل مَن يتساءل: إلى أين نمضي؟ ومن يصوغ القواعد الجديدة للعبة الاقتصادية العالمية؟
إنها دعوة للتأمّل، لا للتسليم. وللفهم، لا للانقياد. ولإعادة التفكير في «التوازن»، لا كغاية ثابتة، بل كرحلة مستمرة في عالم لا يهدأ.
* كاتب اقتصادي عربي