اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
دخلت الولايات المتحدة منذ الأول من أكتوبر 2025 في إغلاق حكومي جديد، بعد فشل الكونغرس في تمرير الموازنة. وإذا كان هذا الحدث قد تكرر إحدى عشرة مرة منذ 1980، إلا أن هذه المرة تأتي في ظرف اقتصادي حساس: تباطؤ النمو، تضخم مقلق، ودين عام قياسي.الشلل في واشنطن لا يبقى داخل حدودها، فاستمرار الإغلاق لأكثر من أسبوعين ينذر باضطرابات حادة في الأسواق العالمية: موجات بيع في الأسهم، خاصة شركات الدفاع والمصدّرين، مقابل اندفاع متزايد نحو الذهب والعملات الآمنة. بعض الصناديق بدأت بالفعل بتقليص حيازتها من السندات الأميركية، ما قد يرفع كلفة الاقتراض عالميا ويضغط على اقتصادات مدينة في أوروبا وآسيا.والملاحظ أنه في كل أزمة سياسية أميركية، يتعرض الدولار لمساءلة جديدة بصفته «عملة العالم». وقد شهد بالفعل تراجعا أمام اليورو والين والفرنك، وهو ما عزّز النقاشات حول تقليص الاعتماد عليه. المفارقة أن ضعف الدولار يمنح الصادرات الأميركية دفعة، لكنه يفتح بابا آخر للقلق في منطقة الخليج. غير أن العملات الخليجية، المرتبطة بالدولار، تهتز معه صعوداً وهبوطاً. وحين يتراجع الدولار عالميا، تتراجع معه هذه العملات أمام اليورو والين والجنيه. والنتيجة أن السلع المستوردة من أوروبا وآسيا تصبح أغلى ثمناً. هنا تتحول الأزمة الأميركية إلى واقع يعيشه المواطن الخليجي: أسعار سيارات ألمانية أعلى، معدات يابانية أغلى، ومواد غذائية مستوردة تثقل فواتير الأسر. ضعف الدولار يمنح النفط الخليجي ميزة سعرية في الأسواق العالمية، لكنه في المقابل يفاقم التضخم في الداخل ويضغط على ميزانيات الدول.وكأن ذلك لا يكفي، فقد تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوى منذ 16 أسبوعاً، مع هبوط برنت إلى نحو 65 دولاراً للبرميل. السبب المباشر هو مخاوف من تباطؤ الطلب الأميركي واحتمال زيادة إنتاج «أوبك+». بالنسبة لدول يعتمد دخلها على النفط بنسبة تصل إلى 90 في المئة، فإن استمرار هذا الاتجاه يعني فجوات أوسع في الموازنات وتباطؤ مشاريع التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربي المعتمدة على النفط.
دخلت الولايات المتحدة منذ الأول من أكتوبر 2025 في إغلاق حكومي جديد، بعد فشل الكونغرس في تمرير الموازنة. وإذا كان هذا الحدث قد تكرر إحدى عشرة مرة منذ 1980، إلا أن هذه المرة تأتي في ظرف اقتصادي حساس: تباطؤ النمو، تضخم مقلق، ودين عام قياسي.
الشلل في واشنطن لا يبقى داخل حدودها، فاستمرار الإغلاق لأكثر من أسبوعين ينذر باضطرابات حادة في الأسواق العالمية: موجات بيع في الأسهم، خاصة شركات الدفاع والمصدّرين، مقابل اندفاع متزايد نحو الذهب والعملات الآمنة. بعض الصناديق بدأت بالفعل بتقليص حيازتها من السندات الأميركية، ما قد يرفع كلفة الاقتراض عالميا ويضغط على اقتصادات مدينة في أوروبا وآسيا.
والملاحظ أنه في كل أزمة سياسية أميركية، يتعرض الدولار لمساءلة جديدة بصفته «عملة العالم». وقد شهد بالفعل تراجعا أمام اليورو والين والفرنك، وهو ما عزّز النقاشات حول تقليص الاعتماد عليه. المفارقة أن ضعف الدولار يمنح الصادرات الأميركية دفعة، لكنه يفتح بابا آخر للقلق في منطقة الخليج.
غير أن العملات الخليجية، المرتبطة بالدولار، تهتز معه صعوداً وهبوطاً. وحين يتراجع الدولار عالميا، تتراجع معه هذه العملات أمام اليورو والين والجنيه. والنتيجة أن السلع المستوردة من أوروبا وآسيا تصبح أغلى ثمناً. هنا تتحول الأزمة الأميركية إلى واقع يعيشه المواطن الخليجي: أسعار سيارات ألمانية أعلى، معدات يابانية أغلى، ومواد غذائية مستوردة تثقل فواتير الأسر. ضعف الدولار يمنح النفط الخليجي ميزة سعرية في الأسواق العالمية، لكنه في المقابل يفاقم التضخم في الداخل ويضغط على ميزانيات الدول.
وكأن ذلك لا يكفي، فقد تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوى منذ 16 أسبوعاً، مع هبوط برنت إلى نحو 65 دولاراً للبرميل. السبب المباشر هو مخاوف من تباطؤ الطلب الأميركي واحتمال زيادة إنتاج «أوبك+». بالنسبة لدول يعتمد دخلها على النفط بنسبة تصل إلى 90 في المئة، فإن استمرار هذا الاتجاه يعني فجوات أوسع في الموازنات وتباطؤ مشاريع التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربي المعتمدة على النفط.
كذلك، فإن الصناديق السيادية الخليجية، التي تملك مئات المليارات في السندات والأسهم الأميركية، تجد نفسها أمام سؤال محرج: هل تبقى على ثقتها بواشنطن؟ إذ إن أي خفض محتمل للتصنيف الائتماني الأميركي سيجعلها تبحث أكثر عن بدائل: ذهب، سندات إقليمية، أو شراكات جديدة. كما أن الأسواق الخليجية أظهرت تذبذباً واضحاً، بعضها صعد بتوقعات خفض الفائدة الأميركية، وبعضها الآخر هبط تحت وطأة أسعار النفط.
بالنسبة للكويت، الصورة أكثر حساسية. فهي تعتمد على النفط لتأمين أكثر من 90% من إيراداتها، ما يجعل أي تراجع في الأسعار خطراً مباشراً على الموازنة. فإذا اتسع عجز الدولة، فقد تضطر الحكومة إلى السحب من صندوقها السيادي أو التفكير في خفض الدعم. كما أن الدينار الكويتي، المرتبط بسلة عملات يغلب عليها الدولار، يعكس تلقائيا ضعف العملة الأميركية، ما يزيد كلفة الواردات من المصادر غير الأميركية، ويرفع التضخم الذي بلغ 3 في المئة هذا العام. ومع توقع نمو الاقتصاد بنسبة 2.5% في 2025، فإن استمرار الإغلاق الأميركي قد يقتطع 0.2 إلى 0.4 نقطة مئوية من هذا النمو.
ولا تقتصر الانعكاسات على أرقام الموازنات أو نسب النمو، ولا تبقى حبيسة التقارير الاقتصادية، بل تمتد مباشرة إلى حياة الناس. فكل ضعف جديد في الدولار يعني ارتفاع أسعار السلع المستوردة من أوروبا وآسيا، من الأدوية إلى المواد الغذائية، مروراً بالسيارات والأجهزة المنزلية. هذه الزيادات قد تبدو تدريجية لكنها تضع عبئاً إضافياً على ميزانيات الأسر، في وقت تتقلّب فيه أسعار الطاقة والدخل الحكومي معاً.
الخلاصة: زمن اللايقين
إذا انتهت الأزمة سريعاً فستبقى آثارها محدودة، وستتنفس الأسواق الصعداء. لكن إذا طال أمدها، فإنها ستترك ندوباً أعمق: تضخم متصاعد، موازنات مثقلة، واستثمارات تبحث عن وجهات بديلة. بالنسبة للكويت والخليج، الرسالة واضحة: الاعتماد المطلق على النفط والدولار يجعلهم أكثر عرضة لأزمات الآخرين، وهو ما يعزز الحاجة الملحّة لتسريع الإصلاحات وتنويع مصادر الدخل.
* كاتب واقتصادي عربي