اخبار الكويت
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
تسعى مجموعة (B57+) إلى تحويل التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية من حوار إلى شراكة إنتاجية قابلة للقياس
لم يعد التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية فكرةً مؤجلة أو شعاراً مكرراً، بل تحوّل اليوم إلى مشروع مؤسسي قابل للقياس والتنفيذ، ففي إسطنبول أعلن عبد الله صالح كامل، رئيس مجلس إدارة الغرفة الإسلامية للتجارة والتنمية (ICCD)، عن إطلاق مجموعة (B57+) خلال قمة قادة الأعمال 2025.
تمثل المجموعة الجديدة، وفق مؤسسيها، نقطة تحول في مسار الاقتصاد الإسلامي العالمي، إذ تفتح الباب أمام تنسيق غير مسبوق بين مؤسسات التمويل والبنوك وصناديق الاستثمار في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، ويُنتظر أن تُسهم المبادرة في رفع مستوى الشراكات العابرة للحدود، وتعزيز الدور الفعلي للقطاع الخاص في قيادة النمو.
ويعكس إطلاق المجموعة في هذا التوقيت رغبةً واضحة في بناء جبهة اقتصادية موحدة قادرة على مواجهة التحديات العالمية، خاصةً في ظل التحولات الجيوسياسية وتباطؤ النمو في الأسواق الناشئة.
وتعد 'B57+' محاولةً عملية ستتصدرها دول الخليج، لترجمة مفهوم 'التكامل الإسلامي' إلى واقع ملموس يقوم على تبادل المصالح وتوزيع الفرص الاستثمارية، لا على الخطاب الرمزي أو التضامن السياسي التقليدي.
أهداف المجموعة
تسعى مجموعة 'B57+' إلى تحويل التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية من حوار إلى شراكة إنتاجية قابلة للقياس، وفق ما أعلنه كامل، حيث يشير الهدف الرئيسي إلى بناء شبكة اقتصادية إسلامية موحدة تقود مرحلةً جديدة من الازدهار المشترك، عبر تفعيل التعاون بين القطاعين العام والخاص وتسهيل انتقال رؤوس الأموال والمشروعات.
ويرمز 'البلس +' في اسم المبادرة إلى الانفتاح على الدول غير الأعضاء التي تضم مجتمعاتٍ إسلامية كبيرة، بما يجعلها منصةً عالميةً متكاملة تربط الاقتصاد الإسلامي بالاقتصاد الدولي.
وتهدف الغرفة الإسلامية للتجارة والتنمية من خلال المجموعة إلى زيادة التجارة البينية بين الدول الأعضاء، وتحفيز استثمارات مشتركة في مجالات الطاقة والتقنية والمياه والبنية التحتية، إلى جانب تطوير مبادراتٍ لتمكين رواد الأعمال الشباب وتسهيل دخولهم إلى أسواق التمويل الإسلامي.
ويؤكد القائمون على المبادرة أن قياس نجاحها سيكون بمدى قدرتها على خلق مشروعاتٍ واستثماراتٍ مشتركة على أرض الواقع، وعدد الصفقات والشراكات التي يمكن توقيعها بين الدول الأعضاء.
كما ستُقاس النتائج بمدى تأثير المجموعة على السياسات الاقتصادية في الدول الإسلامية، عبر تحويل التنسيق بين الغرف التجارية والمؤسسات التمويلية إلى منظومة عمل اقتصادية موحدة.
الدور القيادي الخليجي
ويشكّل الدور الخليجي الركيزة الأهم في هذه المنظومة الاقتصادية الجديدة، فدول مجلس التعاون تمتلك اليوم ما يفوق 2.8 تريليون دولار من أصول صناديقها السيادية، وتمثل القوة المالية والاستثمارية الأبرز داخل العالم الإسلامي.
وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن نصف المشروعات التي سيتم الإعلان عنها ضمن خطة عمل المجموعة خلال السنوات الثلاث المقبلة ستكون بتمويلٍ خليجي مباشر أو من خلال شراكاتٍ مع مؤسساتٍ إقليمية مقرها الرياض وأبوظبي والدوحة والكويت.
ويُتوقع أن تقود السعودية المبادرات التمويلية والتنظيمية، في حين تركز الإمارات وقطر على قطاعي التكنولوجيا والاستثمار الأخضر، بينما تسهم الكويت والبحرين في مجالات التمويل الإسلامي والمصارف الرقمية.
كما أن التجارب الخليجية السابقة في بناء مناطق اقتصادية متخصصة وصناديق استثمارية مشتركة، مثل 'الاستثمار في الأمن الغذائي العربي' و'التحالف الأخضر'، ستمنح المجموعة بنيةً جاهزة لتكرار النماذج الناجحة وتوسيعها في فضاء العالم الإسلامي.
ويُنتظر أن يكون للقطاع الخاص الخليجي دورٌ مباشر في قيادة التحول من مرحلة التنسيق إلى التنفيذ العملي، عبر استثماراتٍ في الموانئ والخدمات اللوجستية والمجمعات الصناعية والتقنية.
تحول عميق
توضح المحللة الاقتصادية حنين ياسين أن إطلاق مجموعة 'B57+' يمثل 'تحولاً عميقاً في فلسفة التعاون الاقتصادي الإسلامي'، إذ يعيد رسم خريطة العلاقات التجارية بين أكثر من 57 دولة، ويمنح القطاع الخاص الإسلامي للمرة الأولى منصةً تنفيذية تربط رأس المال بالفرص الفعلية في الأسواق الناشئة.
وتقول في حديثها لـ'الخليج أونلاين' إن ما يميز هذه المبادرة 'أنها تضع أدوات عمل واقعية تربط المؤسسات المالية الكبرى في الخليج، مثل الصناديق السيادية والبنوك التنموية، بشبكات الاستثمار في آسيا وأفريقيا'.
وتؤكد أن المبادرة جاءت 'في توقيتٍ دقيق يشهد فيه الاقتصاد العالمي إعادة تموضع سلاسل الإمداد والتحول نحو شراكات جنوب–جنوب، وهو ما يمنح الاقتصادات الإسلامية فرصةً لفرض حضورها ضمن المعادلة الجديدة'.
وأضافت أن دول الخليج، التي تمثل نحو 45% من إجمالي الناتج المحلي في دول منظمة التعاون الإسلامي (OIC)، تمتلك اليوم القدرة على قيادة هذا التحالف الاقتصادي، موضحةً أن 'الصناديق السيادية الخليجية تدير أصولاً تتجاوز قيمتها 4.5 تريليونات دولار، وهو رقم يفوق الناتج المحلي الإجمالي لدول مثل ألمانيا أو اليابان، ويمكن أن يشكّل القاعدة التمويلية لأي مشروعٍ تنموي إسلامي مشترك'.
وأشارت إلى أن المملكة العربية السعودية وحدها تستحوذ على أكثر من 38% من التجارة البينية بين الدول الإسلامية، ما يجعلها – بحسب قولها – 'المرشح الطبيعي لتكون مركز القيادة الاقتصادية في منظومة B57+'.
وحول الأثر المالي المباشر للمجموعة، أوضحت حنين ياسين أن حجم التجارة البينية بين دول منظمة التعاون الإسلامي لا يتجاوز 20% من إجمالي تجارتها الخارجية، مقارنةً بـ70% داخل الاتحاد الأوروبي، معتبرةً أن 'الهدف الواقعي للمجموعة خلال خمس سنوات يجب أن يكون رفع هذه النسبة إلى 30% على الأقل، وهو ما يعني ضخ ما يقارب 700 مليار دولار إضافية في التبادل التجاري الإسلامي'.
وتوضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب إطلاق صناديق تمويلٍ مشتركة للمشروعات العابرة للحدود، خصوصاً في قطاعات البنية التحتية، والنقل، والطاقة المتجددة، والغذاء.
وأكدت أن دول الخليج ستكون المحرك المالي والعملي لهذه المجموعة، بفضل الفوائض المالية الضخمة، والبنية المؤسسية المتقدمة، والخبرة في تمويل المشاريع العابرة للحدود، مضيفةً: 'السعودية والإمارات وقطر يمكنها أن تقود هذا التحالف لتأسيس مشروعاتٍ استراتيجية في مجالات الطاقة النظيفة، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا المالية، والمشروعات اللوجستية، مما يخلق نموذجاً عملياً لتكاملٍ اقتصادي إسلامي معاصر'.
وتابعت: 'تأثير المبادرة سيتجاوز الدول الإسلامية إلى الأسواق التي تضم جالياتٍ مسلمة كبيرة مثل إندونيسيا وماليزيا والهند وأوروبا، ما يجعلها منصةً عالمية تربط الاقتصاد الإسلامي بالاقتصاد العالمي، وتحوّل التمويل الإسلامي من قطاعٍ متخصص إلى رافعةٍ في التجارة الدولية'.
وذكرت أنه 'إذا تم استثمار هذا الزخم بالشكل الصحيح، فسنشهد نشوء كتلةٍ اقتصاديةٍ إسلاميةٍ جديدة مركزها دول الخليج، تتحدث بلغة المال والاستثمار، وتُعيد التوازن إلى النظام الاقتصادي العالمي الذي طالما تجاهل إمكانات السوق الإسلامية، التي يتجاوز ناتجها الإجمالي 7 تريليونات دولار سنوياً، مع توقعاتٍ ببلوغه 10 تريليونات دولار بحلول 2030، وفق تقارير البنك الإسلامي للتنمية'.
أثرها على الاقتصاد الإسلامي
تمثل مجموعة 'B57+' تطوراً مؤسسياً مهماً في مسار بناء الاقتصاد الإسلامي العالمي الذي تجاوز حجمه 4 تريليونات دولار، وفق تقديرات عام 2024، فالمجموعة الجديدة تهدف إلى الانتقال من التكتلات الوطنية الصغيرة إلى شبكةٍ اقتصاديةٍ واسعة تعمل وفق منهجٍ تكاملي يعزز من مكانة العالم الإسلامي في سلاسل القيمة العالمية ويضاعف فرصه في التجارة العابرة للقارات.
كما أن دور البنك الإسلامي للتنمية وشراكته في القمة يمثلان دعامةً تمويليةً رئيسية لإنجاح المبادرة وتحويلها إلى مظلةٍ حقيقيةٍ لاقتصادٍ إسلامي موحّد.
ويُتوقع أن يسهم تأسيس المجموعة في رفع كفاءة التجارة البينية بين الدول الإسلامية، التي لا تتجاوز حالياً 18% من إجمالي تجارتها العالمية، وهي نسبة تسعى 'B57+' لزيادتها تدريجياً إلى نحو 30% خلال العقد القادم، من خلال تسهيل تدفق البضائع والخدمات والاستثمارات عبر اتفاقيات تنسيقٍ وضماناتٍ ماليةٍ مشتركة.


































