اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ٥ تموز ٢٠٢٥
تحتل الطبقة المتوسطة موقعا محوريا في أي اقتصاد مستقر ومجتمع متوازن، فهي تمثّل قاعدة الاستهلاك المحلية، وعمود الاستقرار الاجتماعي، ومنبع الطلب على السلع والخدمات الذي يحرّك عجلة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.غير أن هذه الطبقة اليوم تواجه ضغوطا غير مسبوقة في ظل قرارات مالية وإدارية متلاحقة، افتقد كثير منها الشفافية والشرح والتبرير الكافي، مما ولّد حالة من عدم اليقين والخوف بين الأسر الكويتية.وقد شهدت الأشهر الماضية إقرار ومناقشة حزمة من السياسات والقرارات التي طالت حياة المواطنين بشكل مباشر. وهذه السياسات، بغضّ النظر عن نواياها في ضبط الإنفاق العام، عانت غياب الرؤية الواضحة والدراسة الكافية، وعدم وجود تواصل شفاف يشرح أبعادها وخططها، وهو ما خلق أثرًا اقتصاديًا واجتماعيًا بالغًا، وحين يغيب الوضوح، يتولد الخوف، وحين يسود الخوف، تنكمش قدرة المواطنين على الصرف والإنفاق، فيدخل الاقتصاد في حلقة انكماش يصعب كسرها.تؤكد بيانات بنك الكويت المركزي لشهر مايو 2025 هذا التحول في سلوك المستهلك، إذ انخفض الإنفاق الاستهلاكي وفق قيمة المعاملات عبر البطاقات البنكية بنسبة 5.3 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وتراجعت المعاملات عبر المواقع الإلكترونية بنسبة 13.1 بالمئة، في حين انخفضت عمليات السحب النقدي بنسبة 7.3 بالمئة، ليشكل الانخفاض في المعاملات نحو 1.25 مليار دينار، ويمثّل هذا الانخفاض ما بين 5.4 و6 بالمئة تقريبًا من الناتج المحلي غير النفطي السنوي، إذا استمر بنفس الوتيرة طوال السنة.هذه المؤشرات توضح بجلاء أن حالة عدم اليقين بدأت تدفع المستهلك الكويتي إلى الحذر وتقليص الإنفاق حتى قبل دخول بعض القرارات حيّز التنفيذ.يقدَّر متوسط دخل الموظف الكويتي في القطاعين الحكومي والخاص بنحو 1.571 دينارًا شهريًا للفرد، وفقًا لتقرير «الشال» لعام 2024. أما على مستوى الأسرة، فتشير بيانات الإدارة المركزية للإحصاء إلى أن متوسط الدخل الشهري للأسرة الكويتية يبلغ نحو 3.995 دينارًا، أي أن يقع عدد كبيرمن المواطنين ضمن شريحة الموظفين الذين تتراوح دخولهم بين 1000 و2000 دينار شهريًا، وهي الشريحة التي تُعدّ المحرك الرئيسي للطلب على التعليم والصحة والسكن والخدمات اليومية. وأي تراجع في قدرتها الشرائية ينعكس مباشرةً على حركة رأس المال المحلي وإيرادات الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، ويقود إلى تباطؤ عام في الدورة الاقتصادية.ويزيد من خطورة هذا الوضع أن معظم المواطنين يعملون في القطاع الحكومي (نحو 84 بالمئة من إجمالي العمالة الوطنية)، وهو القطاع الذي ستتأثر شرائحه بشدة من أي تخفيض أو إعادة هيكلة للامتيازات أو المكافآت وغيرها من القرارات الحكومية التي تم تداولها.وقد أشار تقرير «الشال» إلى أن متوسط الرواتب للعاملين في القطاع العام يبلغ نحو 1.945 دينارًا للذكور و1.388 للإناث. ورغم الغلاء المعيشي والتضخم الذي بلغ 2.25 بالمئة بنهاية أبريل الماضي، لم تشهد رواتب الموظفين الحكوميين زيادات منذ عام 2008. إذا أخذنا معدل التضخم التراكمي (compounded inflation) منذ 2008 حتى 2025 (بافتراض متوسط ~3 بالمئة سنويًا)، فهذا يعني أن القوة الشرائية للراتب تقلصت بحدود 40 - 45 بالمئة تقريبًا على مدى 17 سنة، في ظل عدم تعديل الراتب الأساسي بشكل دوري. ومع محدودية الدخل، تجد الطبقة المتوسطة نفسها بين فكّي الغلاء والقرارات المالية المفاجئة التي تقلص من دخلها. googletag.cmd.push(function() { googletag.display(div-gpt-ad-1664279162182-0); });
تحتل الطبقة المتوسطة موقعا محوريا في أي اقتصاد مستقر ومجتمع متوازن، فهي تمثّل قاعدة الاستهلاك المحلية، وعمود الاستقرار الاجتماعي، ومنبع الطلب على السلع والخدمات الذي يحرّك عجلة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
غير أن هذه الطبقة اليوم تواجه ضغوطا غير مسبوقة في ظل قرارات مالية وإدارية متلاحقة، افتقد كثير منها الشفافية والشرح والتبرير الكافي، مما ولّد حالة من عدم اليقين والخوف بين الأسر الكويتية.
وقد شهدت الأشهر الماضية إقرار ومناقشة حزمة من السياسات والقرارات التي طالت حياة المواطنين بشكل مباشر.
وهذه السياسات، بغضّ النظر عن نواياها في ضبط الإنفاق العام، عانت غياب الرؤية الواضحة والدراسة الكافية، وعدم وجود تواصل شفاف يشرح أبعادها وخططها، وهو ما خلق أثرًا اقتصاديًا واجتماعيًا بالغًا، وحين يغيب الوضوح، يتولد الخوف، وحين يسود الخوف، تنكمش قدرة المواطنين على الصرف والإنفاق، فيدخل الاقتصاد في حلقة انكماش يصعب كسرها.
تؤكد بيانات بنك الكويت المركزي لشهر مايو 2025 هذا التحول في سلوك المستهلك، إذ انخفض الإنفاق الاستهلاكي وفق قيمة المعاملات عبر البطاقات البنكية بنسبة 5.3 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وتراجعت المعاملات عبر المواقع الإلكترونية بنسبة 13.1 بالمئة، في حين انخفضت عمليات السحب النقدي بنسبة 7.3 بالمئة، ليشكل الانخفاض في المعاملات نحو 1.25 مليار دينار، ويمثّل هذا الانخفاض ما بين 5.4 و6 بالمئة تقريبًا من الناتج المحلي غير النفطي السنوي، إذا استمر بنفس الوتيرة طوال السنة.
هذه المؤشرات توضح بجلاء أن حالة عدم اليقين بدأت تدفع المستهلك الكويتي إلى الحذر وتقليص الإنفاق حتى قبل دخول بعض القرارات حيّز التنفيذ.
يقدَّر متوسط دخل الموظف الكويتي في القطاعين الحكومي والخاص بنحو 1.571 دينارًا شهريًا للفرد، وفقًا لتقرير «الشال» لعام 2024. أما على مستوى الأسرة، فتشير بيانات الإدارة المركزية للإحصاء إلى أن متوسط الدخل الشهري للأسرة الكويتية يبلغ نحو 3.995 دينارًا، أي أن يقع عدد كبيرمن المواطنين ضمن شريحة الموظفين الذين تتراوح دخولهم بين 1000 و2000 دينار شهريًا، وهي الشريحة التي تُعدّ المحرك الرئيسي للطلب على التعليم والصحة والسكن والخدمات اليومية. وأي تراجع في قدرتها الشرائية ينعكس مباشرةً على حركة رأس المال المحلي وإيرادات الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، ويقود إلى تباطؤ عام في الدورة الاقتصادية.
ويزيد من خطورة هذا الوضع أن معظم المواطنين يعملون في القطاع الحكومي (نحو 84 بالمئة من إجمالي العمالة الوطنية)، وهو القطاع الذي ستتأثر شرائحه بشدة من أي تخفيض أو إعادة هيكلة للامتيازات أو المكافآت وغيرها من القرارات الحكومية التي تم تداولها.
وقد أشار تقرير «الشال» إلى أن متوسط الرواتب للعاملين في القطاع العام يبلغ نحو 1.945 دينارًا للذكور و1.388 للإناث. ورغم الغلاء المعيشي والتضخم الذي بلغ 2.25 بالمئة بنهاية أبريل الماضي، لم تشهد رواتب الموظفين الحكوميين زيادات منذ عام 2008. إذا أخذنا معدل التضخم التراكمي (compounded inflation) منذ 2008 حتى 2025 (بافتراض متوسط ~3 بالمئة سنويًا)، فهذا يعني أن القوة الشرائية للراتب تقلصت بحدود 40 - 45 بالمئة تقريبًا على مدى 17 سنة، في ظل عدم تعديل الراتب الأساسي بشكل دوري. ومع محدودية الدخل، تجد الطبقة المتوسطة نفسها بين فكّي الغلاء والقرارات المالية المفاجئة التي تقلص من دخلها.
إن تراجع الطبقة المتوسطة أو زوالها لا يعني فقط انكماش الانفاق الاستهلاكي - الذي يمثّل حوالي 60 بالمئة من الناتج المحلي غير النفطي - بل يعني أيضًا زيادة التعثر في سداد القروض الشخصية والاستهلاكية، وتراجع إيرادات الدولة من رسوم الخدمات والضرائب غير المباشرة (كالرسوم الجمركية ورسوم الانتفاع بأملاك الدولة).
حالة التأهب والخوف وانعدام الرؤية لا تقتصر على الأسر، بل تمتد أيضًا إلى القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تعتمد بطبيعتها على التدفقات النقدية اليومية وثقة المستهلك. وعندما يضعف الاستهلاك، ويزداد الحذر، وتشدد البنوك سياسات الإقراض، تواجه هذه المشاريع صعوبات مضاعفة في الاستمرار والنمو. والتجارب العالمية، سواء في أزمة 2008 أو جائحة كورونا، أظهرت أن المشاريع الصغيرة أول من يتضرر وآخر من يتعافى.
وتتعمق هذه التحديات بسبب 3 عوامل مترابطة:
أولًا، غياب الرؤية الواضحة والتواصل المقنع حول دوافع القرارات وخطط التخفيف.
ثانيًا، تسارع اتخاذ الإجراءات دون دراسة وافية لتأثيرها على النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
ثالثًا، غياب حزم الدعم أو برامج التعويض التي تحمي هذه الطبقة من الصدمات المتتالية.
إن أي سياسة مالية جذرية لا يمكن التعامل معها باعتبارها قرارًا إداريًا منفردًا، بل يجب النظر إليها في سياق تأثيرها التراكمي على ثقة المواطن وسلوكه المالي واستقرار السوق المحلي. فلا بُد من إجراء الدراسات اللازمة، والاستناد إلى الأدلة والأرقام لفهم إيجابيات القرارات وسلبياتها قبل إقرارها.
إن مسؤولية صناع القرار لا تقتصر على معالجة العجز المالي أو رفع كفاءة الإنفاق فحسب، بل تمتد أيضًا إلى تحقيق التوازن بين متطلبات الاستدامة المالية ومقتضيات حماية الطبقة المتوسطة والاستقرار الاجتماعي.
فحين يشعر المواطن أن راتبه مهدد، ومكافآته عُرضة للتقليص، ولا يملك تصورًا واضحًا عن مستقبله، تكون النتيجة الطبيعية هي انكماش الإنفاق وتراجع الاستهلاك وتعثّر المشاريع، فتدور عجلة الركود ويضعف نسيج الثقة في المجتمع.
إن الحفاظ على الطبقة المتوسطة ليس ترفًا ولا شعارًا شعبويًا، بل هو ركيزة أساسية لضمان استقرار الاقتصاد الكويتي، والحفاظ على ديناميكية الطلب المحلي، وصون فرص العمل والنمو المستدام. حماية هذه الطبقة تبدأ من الوضوح والشفافية، ومن تقديم تفسير صادق لأي قرار اقتصادي، ووضع سياسات تخفيف تضمن عدم تحميلها وحدها عبء الإصلاح المالي.