اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٤ كانون الأول ٢٠٢٥
يدخل سوق النفط عام 2026 وسط قدر من الوضوح في اتجاهات المعروض، يقابله غموض أكبر في مسار الطلب. وبينما تبدو الأسعار مستقرة نسبيا، تتشكل تحت السطح تحولات هيكلية عميقة ستحدد ملامح السنوات الثلاث المقبلة. وفي ظل هذه البيئة، يصبح مستقبل الاقتصادات المعتمدة على النفط ـ وفي مقدمتها الكويت ـ أكثر ارتباطا بقدرتها على بناء اقتصاد منتج، لا بقدرتها على قراءة الأسعار فقط.
الطلب العالمي استقرار نسبي بلا زخم حقيقي
الاقتصاد العالمي يدخل 2026 بحالة من الهدوء النسبي.
الولايات المتحدة تتجه نحو دورة خفض تدريجي للفائدة مع تراجع التضخم، ما يبعث ارتياحا في الأسواق. الصين بدورها ضخت حوافز مالية محدودة أعادت بعض التوازن لواردات الخام وهوامش البتروكيماويات، بينما تجاوزت أوروبا أسوأ مراحل الانكماش الصناعي.
هذه العوامل مجتمعة تدعم نموا يتراوح بين 1.4 و1.6 مليون برميل يوميا في الطلب العالمي، لكنه نمو «معقول» أكثر منه «محركا» للسوق، ولا يملك القوة لامتصاص موجة الإمدادات الجديدة التي تستعد لدخول السوق.
فائض العرض الموجة القادمة هي الحدث الأهم
بين 2026 و2027، سيشهد السوق تدفقا كبيرا في المعروض من مشاريع طويلة الدورة في البرازيل وغيانا والنرويج وكندا وخليج المكسيك. هذه المشاريع ـ التي ستضيف بين 1.5 و2.5 مليون برميل يوميا ـ اتخذت قراراتها الاستثمارية قبل سنوات، وبالتالي فهي غير حساسة للأسعار، وقادرة على الاستمرار مهما كانت تقلبات السوق.
وفي الخلفية، ترتفع الطاقة التكريرية عالميا، خصوصا في آسيا والشرق الأوسط، بما قد يخفض الطلب على الخام بنحو 600 ـ 800 ألف برميل يوميا مقارنة بالتوقعات السابقة. كما يواجه قطاع البتروكيماويات ضغوطا متصاعدة نتيجة تخمة الإيثيلين والبوليمرات، وتباطؤ الشحن البحري، وتشريعات أكثر صرامة تجاه البلاستيك والهيدروكربونات الخفيفة.
وإلى جانب ذلك، بدأت المركبات الكهربائية ـ التي تجاوزت مبيعاتها 35% من السوق الصينية ـ في دفع منحنى الطلب على البنزين نحو مرحلة تسطيح هيكلي قد يبدأ بعد 2027.
«أوپيك+» والنفط الصخري ومعادلة التوازن الصعبة
رغم ضغوط المعروض، حافظت «أوپيك+» على قدر من التماسك عبر التزام قوي من دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، بخيارات الإنتاج الطوعية. هذا النهج «القائم على البيانات» حد من فرص الهبوط السريع في الأسعار.
أما النفط الصخري الأميركي، الذي شكل لعقد كامل صمام التوازن للسوق، فيدخل اليوم مرحلة نضج واضحة: تباطؤ في مكاسب الإنتاجية، اقتراب مناطق البرميان والباكين من ذروتها، وارتفاع أولوية توزيع الأرباح على حساب النمو السريع. النمو مستمر لكنه أبطأ وأكثر حذرا، وفي ظل ضبابية تنظيمية تسبق انتخابات 2026.
أسعار النفط توازن هش حتى 2028
عند جمع جميع العوامل، تتضح الصورة التالية:
٭ 2026: نطاق 55 - 60 دولارا ـ فائض أولي واستقرار هش.
٭ 2027: فائض أعمق يبقي الأسعار بين 50 - 60 دولارا مع احتمالات هبوط مؤقت.
٭ 2028: تراجع الإمدادات خارج «أوپيك+» قد يخلق شدا في السوق يرفع الأسعار إلى 70 - 85 دولارا بنهاية العام.
لكن هذه التوقعات، مهما بلغت دقتها، لا تمثل إلا نصف القصة بالنسبة للكويت.
لم يعد السؤال: كيف نتعامل مع تقلبات أسعار النفط؟
بل أصبح: كيف نحمي اقتصادنا المحلي عندما يفقد النفط تدريجيا قدرته التاريخية على تمويل الدولة؟
جوهر التحدي بناء قاعدة إنتاجية
تجاوزت الكويت اليوم مرحلة الاكتفاء بإدارة الدورة النفطية، وأصبحت أمام مهمة أصعب: إعادة بناء البنية الإنتاجية للاقتصاد.
ويتطلب ذلك تحولا استراتيجيا يقوم على:
٭ تطوير الصناعات التحويلية المعتمدة على سلاسل القيمة البتروكيماوية.
٭ استثمار الفوائض في الإنتاج لا في الاستهلاك.
٭ خلق سوق عمل قائم على المهارات والمعرفة.
٭ توجيه الاستثمار نحو قطاعات عالية القيمة والتنافسية.
٭ تبني إدارة مالية أكثر انضباطا واستباقية.
٭ وبناء اقتصاد أقل هشاشة أمام تقلبات الطاقة العالمية.
فالسنوات الثلاث المقبلة ليست مجرد مرحلة مراقبة للأسعار، بل مرحلة تأسيس لاقتصاد كويتي قادر على الصمود والنمو في عالم يتحرك بثبات نحو طاقة أقل كربونا، ونحو منافسة صناعية أكثر شراسة.


































