اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
في قاعات مجالس الإدارة المزدحمة والميزانيات العمومية للشركات الكويتية، غالبا ما يجد التسويق نفسه في موقف غريب. فكثيرا ما ينظر إليه على أنه شر لا بد منه، بند تحت «المصروفات» يجب تقليصه بدلاً من اعتباره قوة إستراتيجية. بيد أن هذا التصور ليس قديما فحسب، بل إنه يعوق النمو ويقوض التنوع الاقتصادي الذي تسعى إليه الكويت بطموح كبير. لقد حان الوقت لتحول جوهري في الفكر من رؤية التسويق كتكلفة، إلى الاعتراف به مولدا حاسما للإيرادات ومحركا حيويا لمستقبل الكويت الاقتصادي.
إذا زرت العديد من الشركات الكويتية، فغالبا ما ستسمع نقاشات حول تقليل الإنفاق التسويقي أو أن الإعلان هو مجرد نفقات عامة. هذا المنظور النابع من الممارسات المحاسبية التقليدية، يفشل في استيعاب التأثير الديناميكي والقابل للقياس الذي يتركه التسويق الحديث على صافي أرباح الأعمال. إنه يتعامل مع بناء العلامة التجارية، واكتساب العملاء، واختراق السوق كنفقات أشبه بفواتير الخدمات، بدلاً من استثمارات مباشرة في الدخل المستقبلي. يمكن أن يؤدي هذا التقليل من الشأن إلى فرص ضائعة، وحصة سوقية راكدة، وانفصال بين عروض الشركة وعملائها المحتملين.
الخبر السار هو أنه في عالم اليوم القائم على البيانات، انتهت إلى حد كبير أيام الفعالية التسويقية الغامضة. يوفر التسويق الحديث، خاصة التسويق الرقمي قدرات غير مسبوقة لقياس العوائد المالية. بالنسبة للشركات الكويتية، وهذا يعني تجاوز التقييمات الذاتية إلى مقاييس ملموسة.
ومن خلال قنوات، مثل التجارة الإلكترونية، والحملات الرقمية الموجهة، وأنظمة CRM، يمكن للشركات تتبع، بدقة، كيفية تحول الجهود التسويقية إلى مبيعات وعملاء محتملين مؤهلين. ولننظر إلى القطاع المزدهر في الكويت الذي يشهد نموا في المنصات والمتاجر عبر الإنترنت، التي تدفع بشكل متزايد مبيعات كبيرة، ما يظهر رابطا واضحًا بين الوجود التسويقي الرقمي والإيرادات.
لا يقتصر التسويق على جذب عملاء جدد فحسب، بل إنه يرعى العلاقات، ويعزز الولاء، ويزيد القيمة التي يجلبها كل عميل على مدار تعامله بالكامل مع العلامة التجارية. غالبا ما يتم تجاهل هذا التدفق طويل الأجل للإيرادات، الذي يتأثر بشكل مباشر بالتسويق الفعال، عندما ينظر إلى التسويق على أنه تكلفة معاملات بحتة.
اعتراف واسع
على الرغم من صعوبة تحديد قيمتها بالدينار فورا، فإن العلامة التجارية القوية، المبنية من خلال تسويق متسق وإستراتيجي، تفرض أسعارًا أعلى، وتجذب المزيد من العملاء، وتخلق مكانة سوقية يمكن الدفاع عنها.
العديد من العلامات التجارية المحلية المرموقة التي تحظى باعتراف واسع وقيمة سوقية كبيرة، هي أمثلة على كيفية تحول الاستثمار المستمر في العلامة التجارية إلى حضور سوقي وقوة مالية ملموسة، نجاحها ليس مجرد نتيجة للعمليات، بل هو متشابك بعمق مع إستراتيجياتها التسويقية والعلامة التجارية.
تصبح الأهمية الاقتصادية الكبرى للتسويق أكثر وضوحًا عندما ننظر إلى رؤية الكويت 2035، التي تهدف إلى تحويل الأمة إلى مركز مالي وتجاري إقليمي ودولي. يتطلب تحقيق هذا الهدف الطموح نظامًا بيئيا تسويقيا قويا ومتطلعا للمستقبل.
وبينما تتجه الكويت نحو تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط تتطلب القطاعات الجديدة، مثل التكنولوجيا والسياحة والخدمات اللوجستية تسويقا إستراتيجيا لجذب الاستثمار، والمواهب، والعملاء، ومن دون تسويق فعال، ستواجه هذه الصناعات الناشئة صعوبة في تحقيق الزخم، محليا ودوليا.
علامة تجارية وطنية قوية وشركات محلية جيدة التسويق، تجعل الكويت وجهة أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي المباشر.
يعرض التسويق الفرص، والبنية التحتية (مثل المدن الجديدة والموانئ المحسنة المتوقعة في رؤية 2035)، والإمكانات الحيوية للسوق الكويتي.
يُمكِّن التسويق الشركات الكويتية من تجاوز الحدود المحلية، والترويج لمنتجاتها وخدماتها في الأسواق الإقليمية والعالمية. وهذا لا يعزز عائدات التصدير فحسب، بل يرفع أيضا مكانة الكويت الاقتصادية على الساحة العالمية.
التحدي، إذن، لا يقتصر على تخصيص ميزانية أكبر للتسويق، بل يتعلق بتحول جوهري في كيفية نظر قادة الأعمال وصناع السياسات إلى دوره. يتعلق الأمر بالانتقال من عقلية خفض التكاليف التفاعلية إلى إستراتيجية الاستثمار من أجل النمو الاستباقية. ويتضمن هذا التحول ما يلي:
1 - دمج التسويق في الإستراتيجية الأساسية.
2 - التركيز على النتائج القابلة للقياس.
3 - الاستثمار في المواهب والتكنولوجيا.
محمد جاسم يعقوب