طفرة استثمارية في المشاريع الناشئة بدول الخليج

وليد منصور -

تواصل اقتصادات دول الخليج مسيرتها التحولية، مسترشدة برؤاها الوطنية وإستراتيجياتها الطويلة المدى لتنويع مصادر الدخل، إذ تسير خطى ثابتة نحو تقليص الاعتماد على النفط والغاز، لمصلحة نمو مستدام قائم على الابتكار. وفي هذا الإطار، لم يعد الانفتاح على الابتكار خياراً إضافياً، بل ضرورة إستراتيجية.

وقال تقرير حديث على شركة برايس ووترهاوس كوبرز الاستشارية PWC، إن رأس المال الاستثماري المؤسسي CVC يشهد تطوراً متسارعاً كأداة محورية لتعزيز الابتكار ودفع عجلة النمو في منطقة الخليج.

وأعاد التقرير تسليط الضوء على الأهمية المتزايدة لاستثمارات الشركات في المشاريع الناشئة – سواء عبر ضخ رؤوس أموال مباشرة أو من خلال التعاون – كوسيلة للوصول إلى ابتكارات تتجاوز حدود البحث والتطوير الداخلي. وعند تنفيذ هذا النهج بشكل احترافي، فإنه لا يُسرّع فقط من تحول الشركات، بل يدعم أيضاً الاقتصاد الابتكاري المتنامي في المنطقة.

صعود ومتانة

وأوضح التقرير أنه على الرغم من التباطؤ العالمي في أسواق رأس المال المغامر، نمت منظومة رأس المال الجريء في دول الخليج بمعدل نمو سنوي مركب بلغ %19 خلال الفترة من 2020 إلى 2024، لتصل إلى 1.7 مليار دولار من رؤوس الأموال المستثمرة.

وأضاف: «رغم تراجع حجم التمويل في 2024 مقارنة بعام 2023، فإن الاستثمارات في المراحل المبكرة ما تزال قوية وتشهد تسارعاً ملحوظاً، حيث سجل عدد الصفقات مستوى قياسياً في 2024، مما يشير إلى تحول في الاتجاه نحو نمو مستدام وإستراتيجية أكثر تنوعاً. وبدأ المستثمرون بتوزيع رؤوس أموالهم على عدد أكبر من الشركات الناشئة بدلًا من التركيز على المراحل المتأخرة».

المشهد الاستثماري

وذكر التقرير أن الشركات الناشئة في السعودية والإمارات تواصل سيطرتها على المشهد الاستثماري في المنطقة، مستحوذة على أكثر من %90 من إجمالي عدد الصفقات. إلا أن عام 2024 شهد توسعاً في حجم التمويل وتدفق الصفقات في أسواق، مثل قطر وعُمان والكويت، مما يعكس اتساع قاعدة الابتكار في تلك الدول.

وتابع: «قد شكّل رأس المال الاستثماري المؤسسي %13 من إجمالي التمويل الجريء في عام 2024، والأهم من ذلك أن %28 من المستثمرين النشطين في العام ذاته كانوا من الجهات المؤسسية، مما يعكس توجّهًا متزايداً نحو المشاركة الاستراتيجية في المراحل المبكرة، بدلاً من الاكتفاء بالمراحل المتقدمة».

محركات النمو

ولفت التقرير إلى أنه في بيئة تتسم بسرعة التغير، لم يعد الابتكار خياراً، بل هو شرط للبقاء والتميّز. فبالنسبة للشركات، تمثل الشراكة مع الشركات الناشئة طريقاً فعّالاً لتعزيز التميز التنافسي على المدى الطويل. أما بالنسبة للشركات الناشئة، فإن الشراكة مع مؤسسات خليجية لا توفر التمويل فقط، بل تمتد لتشمل البنية التحتية، وشبكات العلاقات، والوصول إلى الأسواق الإقليمية.

ومع نضج مشهد الابتكار في الخليج، أصبح رأس المال الاستثماري المؤسسي حجر الزاوية في أجندات النمو الوطني. ومن المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة مزيداً من الدمج بين وحدات رأس المال الاستثماري المؤسسي والاقتصادات الخليجية، ليس فقط كمستثمرين، بل كمهندسين لبيئات الابتكار.

عامل حاسم

وقال رئيس قسم استشارات رأس المال الاستثماري المؤسسي، د. تيم بلوم: ««عندما يتم تنفيذ استراتيجية رأس المال الاستثماري المؤسسي بشكل محترف وبهيكل واضح، فإنها تمكّن الشركات من تحقيق أقصى عائد مالي وإستراتيجي، من خلال الاستثمار أو التعاون مع الشركات الناشئة. وإلى جانب عملية تقييم واستثمار مهنية، فإن وجود نموذج تعاوني مخصص بين الشركات الناشئة ووحدات الأعمال الداخلية يعد عاملاً حاسماً للنجاح».

ركائز النجاح

عدَّد تقرير شركة برايس ووترهاوس كوبرز الاستشارية أبرز الركائز لبناء رأس المال الاستثماري المؤسسي الناجح كالتالي:

- الإستراتيجية.

- الهيكل التنظيمي.

- العمليات.

وبيَّن التقرير أن هذه الركائز تلعب دوراً حاسماً في تحقيق عوائد مالية من جهة، وتوافق إستراتيجي مع الأهداف المؤسسية من جهة أخرى.

تطوير اقتصادات الخليج

يلعب رأس المال الاستثماري المؤسسي دوراً متزايد الأهمية في تطوير اقتصادات الخليج، ويمكن تلخيص العلاقة باختصار في النقاط التالية:

1 - دعم التنويع الاقتصادي

تستثمر الحكومات الخليجية في الشركات الناشئة عبر رأس المال الاستثماري المؤسسي، لتحقيق التحول من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد قائم على الابتكار والمعرفة.

2 - تسريع الابتكار المحلي

يتيح رأس المال الاستثماري المؤسسي للشركات الكبرى الوصول إلى تقنيات جديدة وأفكار ريادية، من خلال التعاون مع أو تمويل الشركات الناشئة.

3 - تعزيز بيئة ريادة الأعمال

يسهم في نمو منظومة الشركات الناشئة، من خلال توفير التمويل، الخبرات، والدعم الفني، مما يخلق وظائف جديدة ويحفز الاقتصاد.

4 - جذب الاستثمارات العالمية

من خلال نشاط رأس المال الاستثماري المؤسسي، تبرز دول الخليج كمراكز إقليمية للابتكار، مما يزيد من جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية.