اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ٥ أيار ٢٠٢٥
ليس من السهل أن تكتب عن الذهب في زمن تتقلب الحقائق مثل أسعار الأسهم. فها هو المعدن الأصفر، الذي اعتاد أن يكون ملاذاً في العواصف، يدخل اليوم مرحلة من الترقب، وتبدأ الأسئلة تتزاحم: هل فقد الذهب بريقه؟ هل انتهى زمن التحوُّط؟ أم أن ما نراه مجرَّد سكون يسبق العاصفة؟في مطلع هذا العام، انطلق الذهب كمن يهرب من كل شيء: التضخم، الدولار، اضطراب الأسواق، وتخبُّط السياسات النقدية. قفز إلى مستوى تاريخي بلغ 3,294 دولاراً للأونصة في أواخر أبريل، مُسجلاً مكاسب بلغت 8.86 في المئة منذ بداية 2025، مدعوماً بتدفقات استثمارية ضخمة من مؤسسات وصناديق كبرى، إلى جانب الطلب المتصاعد من البنوك المركزية.ثم جاء شهر مايو، وبدأت الأسعار تتراجع نسبياً، لتخسر نحو 1.4 في المئة من قيمتها، بالتزامن مع ارتفاع مؤشر الدولار إلى أعلى مستوياته في أربعة أشهر، وتلميحات الاحتياطي الفدرالي بشأن تباطؤ مُحتمل في خفض أسعار الفائدة. هنا بدأت التكهنات: هل انتهت الموجة الصاعدة؟ لكن مَنْ يقرأ الأسواق بعيون ناقدة، يعرف أن الذهب لا ينهار فجأة، بل يتنفس. وما يحدث الآن ليس أكثر من شهيق، قد يتبعه زفير صاعد. ما يغيب عن بعض التحليلات أن الذهب لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بالثقة، وهذه الثقة لا تزال قوية، ليس فقط بين المستثمرين، بل في دهاليز البنوك المركزية. ما الذي يدفع هذه المؤسسات لشراء 244 طناً من الذهب خلال الربع الأول من العام، وفق مجلس الذهب العالمي؟ ولماذا تخطط أكثر من 40 في المئة من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة لتعزيز حيازاتها منه، كما أشار صندوق النقد الدولي؟ إنها لغة الاقتصاد حين يهمس: الذهب لا يزال حاضراً.حتى توقعات المؤسسات المالية الكبرى تترجم هذا التوجه، رغم اختلاف زوايا النظر. غولدمان ساكس، مثلاً، يتوقع أن يصل الذهب إلى 3,700 دولار بنهاية 2025، بل ربما إلى 4,000 دولار في 2026، إذا استمر زخم التضخم والطلب المؤسسي.
ليس من السهل أن تكتب عن الذهب في زمن تتقلب الحقائق مثل أسعار الأسهم. فها هو المعدن الأصفر، الذي اعتاد أن يكون ملاذاً في العواصف، يدخل اليوم مرحلة من الترقب، وتبدأ الأسئلة تتزاحم: هل فقد الذهب بريقه؟ هل انتهى زمن التحوُّط؟ أم أن ما نراه مجرَّد سكون يسبق العاصفة؟
في مطلع هذا العام، انطلق الذهب كمن يهرب من كل شيء: التضخم، الدولار، اضطراب الأسواق، وتخبُّط السياسات النقدية. قفز إلى مستوى تاريخي بلغ 3,294 دولاراً للأونصة في أواخر أبريل، مُسجلاً مكاسب بلغت 8.86 في المئة منذ بداية 2025، مدعوماً بتدفقات استثمارية ضخمة من مؤسسات وصناديق كبرى، إلى جانب الطلب المتصاعد من البنوك المركزية.
ثم جاء شهر مايو، وبدأت الأسعار تتراجع نسبياً، لتخسر نحو 1.4 في المئة من قيمتها، بالتزامن مع ارتفاع مؤشر الدولار إلى أعلى مستوياته في أربعة أشهر، وتلميحات الاحتياطي الفدرالي بشأن تباطؤ مُحتمل في خفض أسعار الفائدة. هنا بدأت التكهنات: هل انتهت الموجة الصاعدة؟ لكن مَنْ يقرأ الأسواق بعيون ناقدة، يعرف أن الذهب لا ينهار فجأة، بل يتنفس. وما يحدث الآن ليس أكثر من شهيق، قد يتبعه زفير صاعد.
ما يغيب عن بعض التحليلات أن الذهب لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بالثقة، وهذه الثقة لا تزال قوية، ليس فقط بين المستثمرين، بل في دهاليز البنوك المركزية. ما الذي يدفع هذه المؤسسات لشراء 244 طناً من الذهب خلال الربع الأول من العام، وفق مجلس الذهب العالمي؟ ولماذا تخطط أكثر من 40 في المئة من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة لتعزيز حيازاتها منه، كما أشار صندوق النقد الدولي؟ إنها لغة الاقتصاد حين يهمس: الذهب لا يزال حاضراً.
حتى توقعات المؤسسات المالية الكبرى تترجم هذا التوجه، رغم اختلاف زوايا النظر. غولدمان ساكس، مثلاً، يتوقع أن يصل الذهب إلى 3,700 دولار بنهاية 2025، بل ربما إلى 4,000 دولار في 2026، إذا استمر زخم التضخم والطلب المؤسسي.
في المقابل، يبدو أن بنك UBS أكثر تحفظاً، مشيراً إلى نطاق أقرب لـ 2,900 دولار بنهاية الربع الثالث، مدفوعاً بتخفيضات الفائدة المتوقعة. أما البنك الدولي، فيقدم سيناريو أوسع بين 2,100 و2,700 دولار، بناءً على تطورات الاقتصاد الكُلي.
ومَنْ يظن أن هذه التفاوتات دليل ضعف، يُخطئ التقدير، فالذهب لا يصعد في خطٍ مستقيم. هو أشبه بنبض القلب: يرتفع وينخفض، لكنه لا يتوقف. وإذا كسر دعماً فنياً هنا أو هناك – مثل مستوى 3,260 دولاراً للأونصة – فقد يتراجع مؤقتاً إلى مستويات أقرب إلى 3,170 دولاراً، لكنه في النهاية سيبقى مرشحاً لاختراق مستويات مقاومة، مثل 3,350 و3,400 دولار، وربما ما هو أبعد.
ومن ناحية التطورات الجيوسياسة، فإن الهدوء النسبي في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، الذي بدأ بإعلان تعليق جزئي لبعض الرسوم في أبريل الماضي، لا يبدو دائماً. فكما حذَّر الخبير الاقتصادي المعروف محمد العريان، فإن الخلافات البنيوية حول التكنولوجيا وسلاسل التوريد لا تزال قائمة. وأي تصعيد جديد سيعيد الذهب سريعاً إلى الواجهة، لا كخيار مالي فقط، بل كدرع نفسية للمستثمرين.
في رأيي، لم يفقد الذهب بريقه، بل يستعد لجولة جديدة. وربما ما نحتاجه الآن ليس قراءة الأسعار، بل قراءة المزاج العالمي. فكلما زادت المخاوف من المستقبل، عاد الذهب إلى الواجهة. وكلما اهتزت الثقة في النظام النقدي العالمي، عاد المعدن إلى بريقه الحقيقي.
نحن في لحظة مفصلية، حيث يُعيد الذهب تعريف موقعه: ليس فقط كأصل مالي، بل كمرآة للعالم المضطرب. ومَنْ يملك الصبر، قد يربح ليس فقط من السعر، بل من الحكمة.
* باحث اقتصادي