اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
في وقتٍ ينشغل فيه العالم بأزماته، ويتعامل مع مأساة غزة كنعامةٍ تدفن رأسها في الرمال، ينسى هذا العالم أن جسد النعامة لا يزال مكشوفًا، وأن الحقيقة لا تُخفى بطمر الرأس. هناك، في القطاع المحاصر، يتواصل امتحان الصبر من أجل البقاء، حيث يخلط أهل غزة الماء بالملح ليصمدوا يومًا آخر.
اللجوء إلى 'كلوريد الصوديوم' — ذلك الاسم العلمي للملح — أصبح الحلّ الوحيد أمام أهلٍ تخلّى عنهم الجميع. لم تعد بيانات الشجب والاستنكار تُجدي، ولم تعد الشاحنات المحمّلة بالطحين التي تدخل بصعوبة، ثم تُنثر حمولتها على الأرض وسط العرق والدموع والرصاص، تفي بالغرض. لقد أصبح الملح، رغم ملوحته القاسية، أكثر حنانًا وفعالية من كثيرٍ من الشعارات الجوفاء. فهو، على الأقل، يُبقي القلب نابضًا، والعضلات عاملة، ما يكفي لصراع البقاء.
الماء والملح... ليست مجرد وصفة لعلاج الجروح، أو لتطهير الجسد من السموم. بل هما طوق النجاة الأخير. ذلك الأمل الهش، الرقيق، الذي يتمسّك به الناس في غزة، وهم يُحاصرون جوعًا وقهرًا.
الدنيا ضاقت حتى على مجرد خبر هدنة، أو تصريح بدخول شاحنة، ولو كانت محمّلة بعدسٍ أو حمص أو معلبات أرهقت المعدة من كثرة تكرارها. ومع ذلك، فليتها بقيت. أما الآن، فالمنافس الوحيد على موائد أهل غزة هو الماء والملح.
متى سنضع، كما يُقال، الملح في عيون الأعداء؟ متى يصبح إدخال الطعام إلى جوف جائع فرحةً لا تُضاهى؟ اليوم، لا يبحث أهل غزة عن النصر، بل عن لقمة الخبز، أو حتى حفنة ملح وقطرة ماء. وإن استمر هذا الوضع، فقد لا يجدون حتى ذلك.
وفي النهاية، كل عبارات العجز والتخاذل استنجدت بالملح. الآن فقط، أدركنا معنى أن يكون الملح والماء أعظم من صرخات العالم كله، أعظم من مؤتمرات القمم، ومن كل رسائل التضامن المتأخرة.
إنه زمنٌ غريب، لا يتحرّك فيه الضمير العالمي إلا بعد سقوط شهيد، ثم تُقسم الأرض، وتُنهب، ويحتلها العدو، وتُقدّم للعالم ككعكةٍ تفوح منها رائحة الجثث والدم.
اللهم كن مع غزة وأهلها الجوعى.