اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٧ تموز ٢٠٢٥
رم - جلسنا في نفس الحديقة، الطاولة والفنجان ذاتهما، لكن الهموم هذه المرة أكبر من فنجان قهوة.
فتحت الدفتر على صفحة قديمة، مكتوب فيها بخط طالب متعب: 'بدي أنجح، مش أنقهر'
لم أكن أطلب الكثير، فقط حديثاً صادقاً عن التعليم، عن التوجيهي الذي أصبح لعبة أعصاب، لا امتحاناً للمعرفة.
نظام يتغيّر كل عام، وكأن الطالب حقل تجارب، سنة فيها أربع مسارات، وسنة فيها خمس خيارات، وسنة مش معروف شو بعدها.
والأهل؟ نصفهم لا يفهم النظام، والنصف الآخر لا يفهم ابنه، ويتزاحمون أمام بوابات المدارس، ويتهافتون على الدروس الخصوصية وبطاقات التعليم 'اون لاين'.
نحن لا نريد معجزة، ولا نحلم بتعليم فنلندي، نريد فقط نظاماً يفهم الطالب لا يخنقه، أن يُسأل عمّا تعلّم، لا كيف حافظ، وأن يحلم دون أن يصبح حلمه علامة حمراء في دفتر الامتحانات.
ثم جاء حديث التأنيث في الصفوف الأساسية من الأول حتى السادس، غابت صورة المعلم الرجل.
كل الصفوف تحت إدارة نسوية خالصة، في القرى والبوادي كما في المدن، لا اعتراض على المعلمة، لكن ما مصير التوازن؟ كيف سينشأ الطالب الذكر في بيئة خالية من نموذج ذكوري تربوي؟ وماذا عن آلاف الشباب المعلمين الذين أُخرجوا من الحسابات؟
ليست المسألة 'جندرية'، بل مجتمعية.
المجتمع يحتاج للوجهين، والمشهد لا يكتمل بنصف واحد، والمدرسة ليست غرفة تدريس فقط، بل مسرحاً للتنشئة أيضاً.
ثم جاء الخبر الآخر، تخفيض حصص التربية الإسلامية، لم نُفاجأ كثيراً، لماذا نبحث عن فتح الأبواق تجاهنا، لماذا نعطي البعض فرصة ومبررات للهجوم.
السؤال الذي يفرض نفسه يقول، هل كانت المشكلة في عدد الحصص، أم في طريقة عرضها؟ وهل يعقل أن نواجه عصر التشويش والمغالطات الدينية بتقليص الجذور، بدل تثبيتها وتحصينها؟ في وقت يملأ فيه التيه عقول الأطفال، يحتاج الطالب لحصة تشرح له لا تُلقّنه، تفهمه الدين كما هو: نوراً لا خوفاً، فهماً لا تكراراً.
ومع كل هذا، لا يمكن إنكار الضوء في نهاية النفق، رأينا دعماً حقيقياً للمعلم، تخصيص أراضٍ، إسكانات، وإعادة اعتبار لمكانته.
خطوة تذكر فتشكر، فالمعلم يا دولة الرئيس، لا يُكافأ بالورود في يومه، بل بالثقة كل يوم.
قبل أن أغادر، حدّقت في الفنجان مرة أخيرة.
القهوة أصبحت باردة... تمامًا مثل أحلام طلابنا في الشتاء القارص.
قلت في سري:
نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد تعليمًا لا 'يعلّق' عند أول امتحان، ولا يتعطّل كلما تغيّر الوزير، نريد من المدرسة أن تكون بيتاً ثانياً، لا قاعة انتظار.
نريد من التوجيهي أن يكون بوابة، لا باباً من حديد مغلقاً برقمين على الشهادة، نريد من طفل القرية أن يقرأ كتاباً ليس أن يقضي واجباً، وأن يكون على يقين أن الدنيا أوسع من جدران الصف.
أما المعلم دولة الرئيس، فبلا كرامته... لن تقوم للأمة قائمة، حتى لو أعدنا طلاء المدارس كل عام.
التعليم، يا سيدي، ليس سؤالًا في اجتماع... بل علامة فارقة في مصير وطن.