اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
المال والسلطة بدل الفكر والرؤية: تفكيك أزمة حزب الميثاق الوطني (١-٣)
المحرر السياسي - في لحظةٍ كان يُنتظر فيها أن تنبثق من مشروع التحديث السياسي أحزابٌ قادرة على إحياء الثقة بالعمل العام، برز 'حزب الميثاق الوطني' كأحد أكثر المشاريع الحزبية طموحًا وضجيجًا، حاملاً وعدًا بولادة 'حزب دولة' حديث، يوازن بين الفكر والمؤسسية، ويقدّم نموذجًا ناضجًا في الأداء والتنظيم والمضمون، ويُعوَّل عليه في إعادة تعريف السياسة بوصفها فعلًا وطنيًا راشدًا، لا زينةً ديمقراطية شكلية.
لكن سرعان ما بدّد الواقع ذلك البريق، فالحزب الذي أُريد له أن يكون مظلة وطنية جامعة، انتهى إلى كيانٍ رمادي مترهّل، بلا لونٍ ولا نكهةٍ سياسيةٍ واضحة، يتحدث بلغةٍ عامةٍ لا تُمسك بخيط رؤية، ولا تعبّر عن تيار فكري محدّد، فلا برنامج اقتصادي متماسك، ولا مشروع اجتماعي مؤثر، ولا حضور حقيقي في الشارع ولا في الملفات السياسية الداخلية والاقليمية والدولية!!
الأدهى أن جزءًا من الحاضنة الأولى للحزب تشكّل من 'المؤلَّفة قلوبهم على السلطة لا على الفكرة'، ممن رأوا في الحزب وسيلةً لتحقيق مصالح شخصية، أو أداةً لإيصال أسماء بعينها إلى مواقع قيادية، ومع مرور الوقت، تراجعت حرارة المشروع، وانكشفت هشاشة البنية التنظيمية والفكرية، ونحن هنا نؤشر على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة .
وإذا كانت أزمة الحزب فكرية وتنظيمية في ظاهرها، فإن الباطن يكشف عن 'تأثير المال السياسي' الذي لعب دورًا حاسمًا في تشكيل ملامح الحزب وتوجيه بوصلته، فقد تحوّل رأس المال إلى اللاعب الخفي الذي يرسم خرائط النفوذ الداخلي، ويحدّد أسماء القيادات والمرشحين، ويسيطر على القرار الحزبي من خلف الكواليس، وباتت 'القدرة المالية' معيارًا للتأثير، لا الكفاءة الفكرية أو الشعبية أو التجربة السياسية، ما أفقد الحزب توازنه الداخلي، وكرّس منطق 'الاستثمار في السياسة' بدل 'الإيمان بالمشروع'، وهو ما انعكس على تماسكه وقدرته على استقطاب المؤمنين بالعمل العام، لا الطامحين بالمناصب!
اليوم يعيش حزب الميثاق الوطني أزمة هويةٍ قبل أن يعيش أزمة جماهيرية، فهو لم يحسم موقعه على الطيف السياسي، ولم يبلور خطابًا جاذبًا للشباب، ولا أدوات فاعلة لإقناع الرأي العام بجدواه، وحتى محاولاته في الظهور الإعلامي أو المشاركة السياسية بدت أقرب إلى 'التكليف الرسمي' منها إلى الحراك الحيوي الذي يولد من رحم الشارع.
لقد أضاع الحزب فرصةً نادرة لقيادة المشهد الحزبي الجديد في الأردن، فبينما كانت الأنظار تتجه إليه بوصفه 'الرهان الأكبر' على نجاح تجربة التحديث السياسي، تحوّل سريعًا إلى عنوانٍ للخيبة وضعف الأداء، وفي الوقت الذي كانت فيه البلاد بحاجة إلى حزبٍ يقود لا يتبع، ويفكّر لا يصفّق، ويفتح الأفق أمام الشباب بدل أن يعيد تدوير الوجوه ذاتها، اختار 'الميثاق' طريق الارتخاء التنظيمي والارتباك الفكري، مكتفيًا بمظاهر الشكل دون عمق الفعل.
هكذا تحوّل المشروع من أملٍ سياسي إلى خيبة امل وطنية اخرى ، ومن عنوانٍ للتجديد إلى نموذجٍ على العجز المؤسسي في بناء تجربة حزبية حديثة، فلم يُقدّم حتى اللحظة رؤيةً استراتيجية واضحة، ولا خطةً قابلة للقياس في أي من الملفات الكبرى، فلا مشروع اقتصادي متكامل، ولا سياسة اجتماعية واعية، ولا تصور إصلاحي يستحق النقاش.
إن ضعف 'الميثاق' لا يُقاس بما لم ينجزه فحسب، بل أيضًا بما كان مأمولًا منه، فحين تُعلّق الآمال الكبيرة على كيانٍ سياسي يُفترض أنه ابن مرحلة جديدة، ثم يأتي أداؤه باهتًا ومرتبكًا وموسميًا، تكون الخسارة مضاعفة، ويكون الأثر عميقًا في وجدان الشارع الذي بدأ يفقد ثقته بفكرة العمل الحزبي من أساسها.
لقد آن لحزب الميثاق الوطني، إن أراد البقاء، أن يُعيد تعريف نفسه، ويتحرر من وهم الوجاهة السياسية إلى واقع الفعل الحزبي الحقيقي، وإلا فإن مصيره سيكون التآكل البطيء حتى الاضمحلال، شأنه شأن كثير من الأحزاب التي وُلدت كبيرةً في الكلام، وماتت صغيرةً في الوعي والإنجاز.
على 'الميثاقيين' أن يدركوا ويتداركوا أنه لا يوجد 'حزب دولة' بلا فكر، ولا يوجد فكر بلا قاعدة، ولا يوجد قاعدة بلا رؤية!












































