اخبار الاردن
موقع كل يوم -سواليف
نشر بتاريخ: ١٦ أيلول ٢٠٢٥
#سواليف
#القمة_العربية_الإسلامية في #الدوحة: يقظة ما قبل فوات الأوان
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
لم تكن القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في الدوحة مجرد اجتماع عابر في زمن عربي مضطرب، بل جاءت على وقع زلزال استراتيجي هزّ المنطقة بأسرها: الضربة الإسرائيلية الجريئة التي استهدفت قيادات من حركة حماس داخل العاصمة القطرية. هذه العملية لم تكن مجرد رسالة عسكرية، بل صدمة سياسية وأمنية كشفت هشاشة المظلة الأمريكية التي طالما اعتبرتها دول الخليج ضماناً لاستقرارها. إن ما جرى في قلب الدوحة لم يكن مجرد انتهاك لسيادة قطر، بل رسالة مهينة لكل عاصمة خليجية كانت تراهن على التحالفات التقليدية وعلى حماية واشنطن التي أثبتت أنها لا تمنع عدواناً ولا تحترم سيادة.
لقد فجّرت العملية الإسرائيلية شعوراً بالصدمة في الخليج العربي. فبينما عبّرت قطر عن أقصى درجات الغضب واعتبرت ما جرى إهانة لسيادتها، وجدت السعودية والإمارات نفسيهما أمام مأزق استراتيجي، إذ إن رهانهما على مسار التطبيع بات موضع شك عميق. فما جدوى السلام الشكلي إذا كانت إسرائيل تجرؤ على الضرب في قلب الخليج؟ وأي استقرار يمكن أن يوفره اتفاق سياسي بينما الدولة العبرية تواصل غطرستها في غزة وسوريا ولبنان واليمن؟ إن هذه الحادثة وحدها كفيلة بتقويض الأساس الذي بُنيت عليه دعاوى التطبيع.
أكبر الخاسرين من هذه التطورات هي صورة الولايات المتحدة التي طالما قدمت نفسها حارساً لأمن الخليج. فواشنطن، التي وعدت شركاءها بالحماية مقابل الاصطفاف معها سياسياً واقتصادياً، وقفت عاجزة أو متواطئة أمام الضربة الإسرائيلية في الدوحة. لقد أدرك قادة الخليج أن المظلة الأمريكية لم تعد آمنة كما يُروّج لها، وأن الحماية الموعودة ليست سوى وهم مكلف. ولهذا علت الأصوات داخل القمة مطالبةً بإنشاء منظومة أمنية عربية – إسلامية مستقلة، أو البحث عن خيارات بديلة عبر شراكات مع قوى إقليمية كتركيا وإيران.
وفي هذا السياق، برزت مواقف متباينة داخل الخليج. قطر اعتبرت الأمر انتهاكاً صارخاً لسيادتها، فيما بدا أن السعودية والإمارات تعيشان لحظة ارتباك صعبة، بين الرهان على التطبيع ومواجهة الحقائق الجديدة. أما الكويت وعُمان فقد استغلتا القمة لتأكيد تحفظهما التقليدي على مسار التطبيع، مؤكدتين أن إسرائيل لم ولن تكون شريكاً موثوقاً. إن هذا التباين يعكس حقيقة أن الخليج يقف عند مفترق طرق حاسم، يحتاج فيه إلى إعادة صياغة معادلات الأمن بعيداً عن التبعية العمياء.
كما أن القمة كشفت بوضوح أن إيران وتركيا استغلتا اللحظة لتقديم نفسيهما كبدائل محتملة للقيادة الأمريكية المتآكلة. إيران صعّدت خطابها مؤكدة أن التطبيع لم يجلب سوى الوهن والهشاشة، وأن الخيار الوحيد هو المقاومة والدفاع عن القضية الفلسطينية. أما تركيا فقدمت نفسها كحليف قادر على التفاهم مع العرب من خارج دائرة الهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية، وهو خطاب لاقى صدىً لدى عواصم تبحث عن توازن جديد يخفف من وطأة الارتهان لواشنطن.
وهنا يجب التأكيد على أن العرب والمسلمين لا يجوز أن يعوّلوا كثيراً على القانون الدولي أو على ما يسمى بالمجتمع الدولي؛ فهذه المؤسسات أثبتت عجزها وتواطؤها مراراً. إن الرهان على أوهام السلام ما هو إلا انتحار بطيء، وإسرائيل ماضية في مخططاتها التي تستهدف الجميع بلا استثناء. تصريحات نتنياهو التي يكرر فيها تهديد قادة حماس أينما وجدوا تعني أن ما حدث في الدوحة قد يتكرر في أي عاصمة عربية أو إسلامية، في تحدٍّ سافر للقانون الدولي وتهديد مباشر للأمن والسلم الدوليين. الخطر داهم، والغضب الشعبي في العالمين العربي والإسلامي يتصاعد، حيث تشعر الجماهير بالخذلان والمهانة، وتتهم الأنظمة بالخيانة والعمالة إن لم يتم ردع إسرائيل ولجمها بكل الوسائل المتاحة.
إن الرسالة الأعمق التي خرجت من القمة هي أن مصير العرب والمسلمين مشترك، وأن استمرار الغفلة يعني المزيد من التشرذم والخسائر. فالعدوان الإسرائيلي لا يعرف حدوداً، والغطرسة الصهيونية لن تتوقف عند غزة أو لبنان أو سوريا أو اليمن، بل هي سياسة ممنهجة تتغذى على التواطؤ الأمريكي المكشوف، إذ تبدو واشنطن شريكاً كاملاً في كل عدوان، تدعمه بالسلاح والغطاء السياسي. وما لم يستفق العرب سريعاً، فإنهم سيجدون أنفسهم مجرد وقود في صراعات الآخرين، بلا وزن ولا قرار.
رغم أن القمة لم تخرج بقرارات حاسمة، إلا أنها تبقى ذات قيمة استراتيجية، لأنها وضعت الإصبع على الجرح وأظهرت أن الرهان على التحالفات التقليدية لم يعد مضموناً. ربما لم تنه القمة مسار التطبيع، لكنها زلزلت أركانه، وربما لم تسقط المظلة الأمريكية، لكنها كشفت هشاشتها وفضحت تواطؤها. يبقى السؤال الأهم: هل يملك العرب والمسلمون الشجاعة لليقظة قبل فوات الأوان، أم يواصلون السير في درب الغفلة حتى يكتب التاريخ نهايتهم بأيدٍ غير أيديهم؟ إن اللحظة التي نعيشها ليست مجرد محطة سياسية عابرة، بل هي اختبار وجودي لمصير أمة بأكملها.