اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢١ تشرين الأول ٢٠٢٥
وداع مؤجل.. غزة تبحث عن مفقوديها بين أكياس سوداء
مع كل فجر جديد يبزغ في غزة المثقلة بالدم والألم، تصل سيارات الإسعاف تباعا إلى ساحة مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، حاملة أجساد شهداء غزة المفقودين الذين أعيدوا من داخل الأراضي المحتلة عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ضمن تفاهمات الهدنة التي دخلت حيّز التنفيذ في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
في الساحة الخارجية للمستشفى، تتعالى أصوات التكبير ممزوجة بالبكاء، فيما تتعالى أعناق الحضور باحثة عن ملامح مألوفة داخل أكياس سوداء تحوي رفات أحبتهم الغائبين منذ الحرب، عيونهم معلقة بالفراغ، تبحث عن وجه أو قطعة قماش تحمل ذكرى، علها تكون الخيط الأخير الذي يربطهم بمن فقدوا.
صور بلا أسماء!
داخل المجمع، خُصصت قاعة صغيرة تحولت إلى ما يشبه محكمة للذاكرة؛ شاشة كبيرة تُعرض عليها صور لجثامين أعيدت دون هوية، فيما يتناوب الأطباء على وصف ما تبقى من ملامح أصحابها:
'شهيد يرتدي بلوزة حمراء... آخر يحمل ساعة يد... ثالث عليه أثر رصاصة في الصدر'.
يخيم الصمت على المكان، وتغرق العيون في تفاصيل الصور، لعل قميصا أو خاتما أو ظل وجه مألوف يُعيد اسما من تحت التراب، وبعد كل عرض، تجهش بعض الأمهات بالبكاء، فيما تبقى أخريات يتلين آيات من القرآن وهنّ يناجين ربّهن أن يهديهنّ إلى إشارة، أو يسمح لهنّ بوداعٍ مؤجل منذ عامين.
أم عبيدة.. انتظار لا ينتهي
في زاوية من القاعة، تجلس أم عبيدة، تحمل صورة قديمة لابنها مصطفى الذي فُقد في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تقول لـ'قدس برس': 'ابني طلع من البيت الساعة سبعة الصبح، كان لابس قميص أبيض وبنطلون جينز، قال لي رايح اشوف شو الي بصير في الحارة، ومن وقتها اختفى، كل ما يطلع أسير بسأله: شفت حدا اسمه مصطفى الأسطل؟ كان لابس زي العرسان كأنه رايح فرح'.
ثم تصمت قليلا، قبل أن تضيف بصوت متقطع: 'كنت بنتظر يرجع حي، بس اليوم بتمنى أشوفه آخر مرة وأودّعه، ابني وجهه كان كله نور، مستحيل أنساه، يمكن قصفوه قبل ما يوصل السلك، بس بدعي الله أشوفه قبل ما يدفنوه في مقبرة المجهولين'.
شهادات تكشف الفظائع
بدورها أعلنت وزارة الصحة في غزة أن معظم الجثامين التي استلمتها فرقها تحمل آثار تعذيب وحرق وإعدامات ميدانية.
فيما أكدت فرق الطب الشرعي وجود آثار تقييد بالأغلال وطلقات في الرأس والصدر من مسافة قريبة، فيما أُعيدت بعض الجثامين وقد نُهشت بأنياب الكلاب العسكرية أو بُترت منها أعضاء بشرية بطريقة دقيقة ومنهجية.
وأوضح أحد الأطباء المشرفين على استلام الجثث في حديث لمراسلنا أن 'نتائج التشريح أثبتت سرقة أعضاء مثل القرنية والكلى والكبد من بعض الشهداء'، مشيرا إلى أن 'هذا النمط من الانتهاكات يوحي بوجود عمليات قتل ممنهجة لأغراض طبية وتجريبية'.
مقابر بلا أسماء
من بين مئات الجثامين التي وصلت إلى غزة، تمكن ذوو ستة شهداء فقط من التعرف عليهم عبر علامات بسيطة أو ملامح جزئية، فيما لا يزال مصير 165 جثمانا مجهولا.
ومنحت وزارة الصحة العائلات عشرة أيام للتعرّف على هوية الشهداء، عبر منصة رقمية خصصت لهذا الغرض، قبل أن يُصار إلى دفنهم في مقابر جماعية تحمل أرقاما بدلا من الأسماء.












































