اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
الذهب عند قمة 3800 دولار: قراءة اقتصادية في زمن القلق العالمي
د. عدلي قندح
مع نهاية أيلول/سبتمبر 2025، شهدت أسواق المعادن النفيسة حدثاً غير مسبوق حين ارتفع سعر أونصة الذهب إلى حدود 3800 دولار، وهو رقم قياسي يتجاوز التوقعات التقليدية ويكشف عن تداخل عميق بين المتغيرات النقدية والمالية والجيوسياسية التي تحكم الاقتصاد العالمي اليوم. هذه القفزة ليست مجرد موجة مضاربية عابرة، بل تعكس ديناميكيات معقدة في الطلب العالمي على الذهب كأصل للتحوط وكمخزن للقيمة في مواجهة حالة من الضبابية الاقتصادية والسياسية.
التحليل الاقتصادي لهذا التطور لا يمكن أن يظل أسير النظرة السطحية التي تضع الذهب في خانة 'الملاذ الآمن” فقط، بل يجب أن يقرأ ضمن نظريات أعمق تتعلق بسلوك المستثمرين تحت ظروف عدم اليقين. فوفقاً لمدرسة الاقتصاد الكينزي، يلعب 'تفضيل السيولة” دوراً رئيسياً في دفع الطلب على الذهب، حيث يهرب المستثمرون من الأصول الخطرة عندما تتصاعد توقعات الأزمات أو مخاطر السياسات النقدية. بينما من زاوية المدرسة النقدية، يمكن اعتبار صعود الذهب انعكاساً لفقدان الثقة النسبية في العملات الورقية وعلى رأسها الدولار الأميركي، خاصة في ظل الحديث عن احتمالات خفض أسعار الفائدة الأميركية خلال النصف الثاني من 2025، مما يضعف العائد الحقيقي على الأصول الدولارية ويزيد جاذبية الذهب.
لكن القراءة خارج الصندوق تكشف أن ما يحدث ليس مجرد تحرك مالي تقليدي، بل هو أيضاً تعبير عن تحول هيكلي في النظام النقدي العالمي. البنوك المركزية، وعلى رأسها في الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند وتركيا، زادت من مشترياتها للذهب في إطار تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار. ووفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي، ارتفعت مشتريات البنوك المركزية بما يقارب 12% في الأشهر التسعة الأولى من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وهو مؤشر على أن الذهب لم يعد مجرد أداة استثمار فردية بل أصبح جزءاً من استراتيجية الدول للتحوط ضد صدمات النظام المالي الدولي.
أما من حيث الانعكاس المحلي، فاقتصاد مثل الأردن يتأثر بشكل مزدوج: إيجابياً عبر ارتفاع قيمة حيازات الذهب التقليدية لدى الأفراد، وسلبياً عبر تقلص القدرة الشرائية عند المستهلكين الذين يواجهون أسعاراً مرتفعة للمشغولات الذهبية. ومع أن البنك المركزي الأردني يتمتع باحتياطيات أجنبية مريحة تغطي أكثر من 7 أشهر من المستوردات، إلا أن استمرار صعود الذهب إذا ارتبط بضعف الدولار قد يحمل معه ضغوطاً على فاتورة الواردات ويعزز الحاجة إلى سياسات نقدية أكثر مرونة.
المخاطر تكمن في أن بلوغ الذهب مستويات 3800 دولار قد لا يكون نهاية المطاف، بل قد نشهد تقلبات حادة تعيدنا إلى مستويات أقل في حال تراجعت المخاوف الجيوسياسية أو صححت الأسواق نفسها. هذه المخاطر تجعل من الذهب أداة تحوط نسبية وليست ضمانة مطلقة، وهو ما يفرض على المستثمرين المحليين والدوليين مبدأ التنويع بدلاً من وضع كامل المدخرات في أصل واحد مهما كان بريقه.
المستقبل القريب، أي الربع الثالث من هذا العام، مرشح لمزيد من الزخم. بعض التقديرات الدولية تتحدث عن نطاق تداول يتراوح بين 3600 و3900 دولار للأونصة اعتماداً على مسار قرارات الاحتياطي الفيدرالي ومستجدات المشهد الجيوسياسي، خاصة في الشرق الأوسط وشرق آسيا. وهذا يعني أن الذهب سيظل في بؤرة الاهتمام العالمي، لا فقط كسلعة مالية بل كمرآة تعكس هشاشة النظام الاقتصادي الدولي وحجم القلق الذي يعيشه المستثمرون والدول على حد سواء.