اخبار الاردن
موقع كل يوم -سواليف
نشر بتاريخ: ٨ تموز ٢٠٢٥
#سواليف
#انهيار #المبنى في #إربد… #جرس_إنذار يتطلب #وقفة_وطنية ومهنية جادة…
كتب .. أ.د. #أنيس_الشطناوي
أستاذ هندسة الإنشاءات والزلازل – #الجامعة_الأردنية
خبير ورئيس اختصاص تقييم وسلامة المنشآت القائمة وإعادة تأهيلها
فجر هذا اليوم، انهار المبنى السكني في مدينة إربد، بعد أن تم إخلائه بساعات قليلة نتيجة لتدخل عاجل وموفق من الجهات الرسمية والفنية، بمشاركة اللجنة الإنشائية الفنية العليا/مجلس البناء الوطني الأردني، وبمتابعة حثيثة من معالي وزير الأشغال العامة والإسكان ومديرية أشغال اربد، وكان على رأس المشاركين بجهود حثيثة وجبارة عطوفة محافظة إربد وكوادر المحافظة، ولجنة السلامة العامة، ورئيس وكوادر بلدية إربد الكبرى، إضافة إلى جهود وخبرة نقابة المهندسين الأردنيين ونقابة المقاولين الاردنيين، وبالطبع ترفع القبعات والراية البيضاء لكوادر الدفاع المدني والأمن العام على ادائهم المهني العالي وجهودهم في الميدان منذ اللحظة الاولى لتأمين كافة اجراءات السلامة العامة والمحافظة على ارواح وسلامة المواطنين بانجع الوسائل والطرق.
وبما انني كنت حاضرا منذ اللحظات الاولى بصفتي عضوا في اللجنة الانشائية العليا وخبير في تقييم وسلامة المباني والمنشآت القائمة، وشاركت ميدانيًا مع اللجان الفنية المختصة في الكشف على المبنى وتقييم حالته الإنشائية قبل ساعات من الانهيار فيمكنني ان اقدم ملخصا للحدث وماهية الدروس المستفادة منه.
من المؤسف أن المؤشرات التي رصدناها خلال الكشف الفني كانت واضحة في دلالاتها، حيث ظهرت أعراض #هبوط و #تشققات مقلقة في عناصر إنشائية رئيسية، ترافقت مع ميل في هيكل المبنى وظهور علامات ضعف في بعض الأعمدة والجدران وأصوات متكررة لتكسر وتشظي للعناصر الخرسانية الرئيسية. وقد تبين من خلال المعاينة الحسية أن المبنى قد خضع سابقًا لأعمال توسعة وإضافة طوابق جديدة على طوابق قائمة منذ 40 عام، وعلى ما يبدو تم ذلك دون دراسة إنشائية دقيقة ومتكاملة أو تقييم حقيقي لقدرة الأساسات والعناصر الإنشائية على تحمل الأحمال الجديدة. وهذا بحد ذاته يمثل خرقًا لأبسط قواعد التصميم الهندسي ومعايير السلامة الانشائية.
كما كشفت المعاينة عن تدنٍ ملحوظ في جودة التنفيذ والمصنعية والمواد، وغياب واضح للتنفيذ من المقاول المؤهل حسب الاصول الهندسية وضعف او غياب للدور الفعلي للإشراف الهندسي الحقيقي، وهو أمر للأسف يتكرر في كثير من المشاريع، حيث تتحول الاجراءات والمتطلبات الهندسية إلى إجراءات شكلية لا تعكس معناها الحقيقي في ضمان الجودة والمطابقة للمخططات والكودات والمواصفات الفنية. وكما لاحظنا وجود تهالك وتلف في شبكات الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار حول المبنى، ما تسبب في تسربات مائية مستمرة إلى الاساسات و القواعد في الجهة الشرقية منه مع منطقة تمتاز بضعف التربة وطبيعتها الطينية، وهو عامل ساهم بمرور الوقت في إضعافها وهبوطها وحركتها غير المحسوبة وأدى الى تصدع العناصر الخرسانية مع تآكل حديد التسليح وانخفاض كفاءتها الإنشائية وزيادة في الأحمال دون حسبان.
العبرة أن هذا الحادث لا يمكن التعامل معه كواقعة فردية أو خلل معزول او حادث عرضي، بل هو نتاج لتراكمات طويلة يشوبها قصور في ضبط منظومة البناء في الأردن، بدءًا من ضعف في انظمة الرقابة على مراحل التنفيذ، مرورًا بالتتفيذ من قبل المتعهدبن الطارئين وغير المؤهلين، ووصولًا إلى تساهل في التدقيق على الدراسات التصميمية والتقارير الجيوتقنية ودقة الفحوصات المخبرية، والاشراف الهندسي الصارم اثناء التنفيذ وأخيرا فوضى في معايير التنفيذ الانشائي من قبل اشخاص او مجموعات طارئة على المهنة هدفها التكسب المالي السريع دون اي اعتبار للسلامة الانشالية والسلامة العامة.
ما حدث اليوم يؤكد – بشكل لا يقبل الشك – أن الوقت يلاحقنا دون انتظار لإعادة النظر جذريًا في منظومة التفتيش الهندسي وآليات الرقابة على الإعمار والى المزيد من التشدد في تطبيق معاييرها. نحن بحاجة إلى رقابة حقيقية على أرض الواقع، لا تقتصر على مراجعة الأوراق والمخططات فقط، بل تمتد إلى متابعة مراحل التنفيذ ميدانيًا، وتدقيق إجراءات الإشراف، والتحقق من أهلية المنفذين وتراخيصهم، وإخضاعهم لتراخيص فنية ملزمة تُجدد دوريًا بناء على تقييم الأداء.
كما أن من الضروري فرض إجراء دراسات تقييم إنشائي لأي مبنى قائم مهما كان حجمه و قبل إجراء أي تعديل أو إضافة عليه، خاصةً إن كان قد بُني في حقب سابقة وفق كودات قديمة أو بأساليب تنفيذ بدائية. ويجب أن تكون تلك الدراسات إلزامية دون اي تهاون، ومصدّقة من جهات فنية مختصة، وتُرفق بتقرير فني يوضح نتائج الفحوص الإنشائية والسلامة الهيكلية وخطة العمل المنهجية.
لقد جنبنا الله اليوم مأساة إنسانية بفضل يقظة وجهود الجهات المعنية، التي تعاملت مع الحادثة بمهنية عالية وسرعة استجابة مشكورة، لكن الإنذار قائم، والرسالة واضحة: لا بد من تغيير حقيقي في ثقافة البناء والتطوير العمراني في الأردن. فسلامة الإنسان، ومتانة المنشآت، لا تُؤمَّن بالنيّات الحسنة، بل بمنظومة هندسية ورقابية متكاملة، تضع السلامة العامة فوق أي اعتبارات أخرى.
إنني، من موقعي كأكاديمي ومهني في هذا القطاع، أهيب بجميع الجهات المختصة أن تأخذ هذه الحادثة دون انتظار كنقطة تحول تُترجم إلى تشريعات عملية وإجراءات ميدانية صارمة، تمنع تكرار مثل هذه الانهيارات في المستقبل، وتحافظ على أرواح المواطنين، وتحمي الممتلكات الخاصة والعامة، وتدعم الاقتصاد الوطني وتحافظ عليه والذي يتكئ في جوهره على بيئة عمرانية آمنة ومستقرة.
والحمد لله على لطفه ورعايته لهذا البلد المحمي بفضل الله وبجهود قائد البلد والمسيرة حفظه الله وجهود ابنائه الحريصين على الوطن آمنا مطمئنا باذن الله.