اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
الغيرة والحسد المهني أمراض سامة في بيئة العمل
الأستاذ الدكتور أمجد الفاهوم
في كل مؤسسةٍ، هناك نارٌ خافتة لا يُفصح عنها أحد: نار الغيرة. ليست تلك الغيرة البسيطة التي تزول مع الوقت، بل غيرةٌ تتخفّى وراء شعارات 'الخبرة” و'الوطنية' و 'المهنية' و”الحرص”، فتتسلّل بصمتٍ إلى العلاقات المهنية، وتبدأ بتقويض روح الفريق من الداخل. يدخل موظفٌ جديد او موظف آخر يحمل أفكارًا حديثةً وأدواتٍ متطورة، فيشعر بعض أعضاء الفريق بأن مقاعدهم تهتز، وأن وهجهم قد بدأ يخفت. لا يُعلنون ذلك، لكنّهم يُمارسونه في تفاصيل صغيرة: معلومةٌ تُخفى، أو تعليقٌ يُقلّل من إنجاز، أو همسٌ في الممرّات يزرع المقارنات. وهكذا يولد الحسد المهنيّ في الظلال.
في بيئات العمل العربية، وتحديدًا في مؤسساتنا الأردنية، نادراً ما يُعترف بوجود الغيرة، لكنها تُرى بوضوح في النتائج. فبعض الموظفين يقول في نفسه: 'دع الزمن يعلّمه”، و' على شو شايف حاله' وهكذا عندها تجد الإنسان المبدع يختار الصمت خوفًا من الاصطدام، فينكمش الإبداع، وتخبو روح المبادرة، ويغدو العمل أداءً بلا شغف. ومع مرور الوقت، تتباطأ الإنجازات، وتتعطّل القرارات، ويشعر المستفيد من المؤسسة أن الفريق جسدٌ واحد، لكنه بلا روح. أما المبدعون، فيغادرون بهدوء، بحثًا عن بيئةٍ تتّسع لأفكارهم.
فالغيرة لا تُفسد العلاقات فحسب، بل تقتل الإنتاجية. فهي تُحوّل الحسد والانا إلى سلطةٍ متصلّبة، والحماس إلى تهديد. نسمع حينها عباراتٍ مثل 'هكذا اعتدنا” بدل 'لنجرّب الجديد”، وتتحوّل الاجتماعات من نقاشٍ للنتائج إلى ساحاتٍ للدفاع عن الذات. وعندما يُقاس النجاح بالأكثرية غير المهنية لا بالكفاءة، تسقط الجودة، ويضيع الوقت، ويتراجع الأداء رغم الجهد.
أما العلاج، فليس في الشعارات ولا في المحاضرات عن 'روح الفريق”، بل في السلوك اليومي. على كل فرد من أفراد الفريق أن يدرك أنّ قيمته الحقيقية لا تُقاس بما يحتفظ به من علاقات او خدمات، بل بما يُقدّمه لغيره من رأي مهني او خبرة حقيقية. وعلى الموظف المبادر والمبدع أن يقدّر من زملاءه، وأن يُضيف بعقلٍ متّزن لا بضجيجٍ فارغ. أما المدير، فعليه أن يكون الحارس على نزاهة المناخ المهنيّ: يمنع المقارنات، ويكافئ من يشارك المعرفة، ويغرس ثقافةً تُكرّم النتائج لا الأنا.
الغيرة داخل المؤسسات ليست شعورًا عابرًا؛ إنها داءٌ صامت يأكل من عمر الإنجاز دون أن يُرى. وعندما يصبح الهدف أكبر من الذات، ويُقاس النجاح بما يتحقّق لا بمن يحقّقه، تزدهر بيئة العمل، ويتألّق الجميع دون أن يخفت ضوء أحد.
'الغيرة نارٌ خفية، لا تُرى ألسنتها، لكنها تحرق ثمار الجهد قبل أن تنضج.'












































