اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
أعلن البيت الأبيض أن رئيس الولايات المتحدة لن يحضر قمة مجموعة العشرين المقرر انعقادها في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا في وقت لاحق من شهر نوفمبر الجاري.
وجاء هذا الإعلان على خلفية مزاعم مثيرة للجدل حول ما وصفه الرئيس دونالد ترامب بـ'اضطهاد البيض' في جنوب أفريقيا، وهي المزاعم التي اعتُبرت على نطاق واسع غير دقيقة ومفتقرة لأي أدلة موثوقة، بحسب الحكومة الجنوب أفريقية والأوساط القانونية في البلاد، وفقًا لتغطية هيئة الإذاعة البريطانية.
ووصف ترامب قرار استضافة جنوب أفريقيا للقمة بأنه 'فضيحة كاملة'، مشيرًا إلى أن مجموعة العشرين تضم أكبر اقتصادات العالم، وأن انعقادها في بلد يزعم أنه يضطهد الأقلية البيضاء أمر غير مقبول، على حد قوله.
وفي منشور له على منصته الاجتماعية تروث سوشيال، كتب ترامب: 'الأفارقة من أصل هولندي وألمان وفرنسيين يُقتلون، وأراضيهم ومزارعهم تُصادر بشكل غير قانوني. لن يحضر أي مسؤول أمريكي القمة طالما استمر هذا الوضع.'
رد فعل جنوب أفريقيا والتأكيد على الوقائع
وصفت وزارة الخارجية الجنوب أفريقية هذا القرار بأنه 'مؤسف'، مؤكدين أن نجاح القمة لن يعتمد على حضور دولة عضو واحدة فقط.
وفي مقابلة مع برنامج Newshour التابع لهيئة الإذاعة البريطانية، صرحت المتحدثة باسم الوزارة، كريسبين فيري، بأن ترامب 'يختلق أزمة وهمية مستفيدًا من التاريخ الاستعماري المؤلم لجنوب أفريقيا'، مؤكدًا أن لا توجد أدلة على اضطهاد البيض في البلاد، وأن 'مشكلة الجريمة تؤثر على الجميع بغض النظر عن العرق'.
وأضافت فيري أن المزاعم المتعلقة بما يُسمى 'الإبادة العرقية للبيض' تم رفضها قضائيًا منذ فبراير، وأن أي محاولة لإضفاء صبغة سياسية على هذه المزاعم تُعد خيالية تمامًا. وأكد أن الحكومة الجنوب أفريقية مستعدة لمواصلة القمة بدون مشاركة الولايات المتحدة.
البعد الداخلي الأمريكي والتحليل السياسي
يرى المحللون أن قرار ترامب بعدم حضور القمة لا يقتصر على أسباب دبلوماسية فحسب، بل يرتبط أيضًا بالسياسات الداخلية والاعتبارات الانتخابية:
1. تعزيز الصورة الانتخابية: غياب ترامب يسمح له بالتركيز على القضايا الوطنية والبرامج الانتخابية لحزبه قبيل انتخابات التجديد النصفي، بعيدًا عن النقاشات المعقدة مع زعماء العالم التي قد تُعرضه لانتقادات داخلية.
2. إرسال رسالة سياسية واضحة: عبر التمسك بموقفه، يعزز ترامب صورة الرئيس الذي يحمي مصالح مجموعات محددة ويستخدم منصبه لإعادة رسم أجندة حقوقية وفق رؤيته، في هذا السياق أفاد البيت الأبيض بأنه تم منح الأفارقة من أصل هولندي (الأفاركانرز) وضع اللاجئين على أساس المزاعم المثيرة للجدل، وهو قرار يُنظر إليه على أنه سياسي أكثر من كونه إنساني.
البعد الدولي والدبلوماسي
غياب الولايات المتحدة عن القمة يترك أثرًا ملموسًا على ديناميكيات مجموعة العشرين:
إعادة توزيع النفوذ: يتيح غياب ترامب للدول الأخرى، مثل الصين والهند والبرازيل، مساحة أكبر للتأثير على القرارات المتعلقة بالاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، وربما على مواقف المجموعة تجاه القضايا المناخية والاستثمار في البنية التحتية.
الإشارة إلى توتر العلاقات الثنائية: اللقاءات الثنائية التي عادة ما يعقدها الرئيس الأمريكي مع زعماء العالم ستكون غائبة، ما قد يبطئ التوافق على السياسات المشتركة أو يغير صياغة المبادرات الاقتصادية.
ردود الفعل القانونية والدبلوماسية: أثارت المزاعم المتعلقة بـ'اضطهاد البيض' انتقادات واسعة من المجتمع الدولي، حيث وصفها مسؤولون جنوب أفريقيون بأنها 'غير قائمة على الواقع التاريخي'، مؤكدين أن القضايا الاقتصادية والتنموية لا يمكن أن تُعالج عبر مزاعم وهمية.
أبعاد تاريخية واستراتيجية
تجدر الإشارة إلى أن مجموعة العشرين تأسست عام 1999 بعد الأزمة المالية الآسيوية بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي العالمي، وتشمل الدول الأعضاء ما يزيد على 85% من ثروة العالم.
ومنذ تأسيسها، أصبح حضور الرئيس الأمريكي عادةً مركزية في تحديد أجندة القمة وتوجيه السياسات الاقتصادية الكبرى، ما يجعل غياب ترامب استثناءً لافتًا يثير التساؤلات حول دور واشنطن المستقبلي في قيادة الاقتصاد العالمي.
ولم يتخذ البيت الأبيض قراره بغياب ترامب عن قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرج كقرار بروتوكولي، بل كموقف يحمل رسائل سياسية ودبلوماسية قوية. فهو يعكس سياسة خارجية تعتمد على النفوذ غير المباشر، ويرسخ صورة إدارة أمريكية ترى أن مصالحها يمكن حمايتها عبر استراتيجيات انتقائية في الحضور الدولي.
وفي الوقت نفسه، يسلط القرار الضوء على تحديات القيادة الأمريكية في إطار مجموعة العشرين، ويفتح المجال لدول أخرى لتعزيز حضورها والنفوذ في ميدان القرارات الاقتصادية العالمية.


































