×



klyoum.com
egypt
مصر  ٢٨ نيسان ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
egypt
مصر  ٢٨ نيسان ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار مصر

»سياسة» بوابة الأهرام»

أسباب حماسة دول شرق أوروبا للتحالف مع أمريكا.. الرهانات المحدودة

بوابة الأهرام
times

نشر بتاريخ:  الثلاثاء ٩ أيار ٢٠٢٣ - ٢١:٤٦

أسباب حماسة دول شرق أوروبا للتحالف مع أمريكا.. الرهانات المحدودة

أسباب حماسة دول شرق أوروبا للتحالف مع أمريكا.. الرهانات المحدودة

اخبار مصر

موقع كل يوم -

بوابة الأهرام


نشر بتاريخ:  ٩ أيار ٢٠٢٣ 

منذ بداية الحرب فى أوكرانيا فى 24 فبراير 2022، تميز موقف بلدان دول شرق أوروبا، بقيادة بولندا، بدعم عسكرى واقتصادى وإنسانى، غير محدود أو مشروط لأوكرنيا، ودعوات متكررة لبقية دول الناتو، لزيادة مساعداتها إلى كييف فى مواجهة التدخل الروسي، وتعد هذه الدول هى الأكثر تشددًا ضد روسيا فى حلف الناتو، بل وبوتيرة تتجاوز الموقف العام لدول الحلف، لاسيما بولندا التى تلعب الآن دور «رأس الحربة» فى التحريض على روسيا والرغبة فى هزيمتها وإذلالها، وهو ما يطرح التساؤلات حول ماهية الأسباب والبواعث المحركة لهذا الموقف، وهل يقتصر الأمر على تاريخ العداء بين هذه الدول وروسيا أم أن الأمر له أبعاد أخرى تتعلق بمخاوفها من احتمالات عودة «عسكرة ألمانيا»؟ ورهانات هذه الدول على الولايات المتحدة كـ»اختيار ثالث» يضمن أمنها فى مواجهة احتمالات الصدام أو التعاون بين روسيا وألمانيا، وماهية فرص وحدود هذا الرهان على المدى الطويل؟

بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين فى 9 نوفمبر 1989، وانهيار الكتلة الشيوعية وذراعها العسكرية، ممثلاً فى حلف وارسو السابق فى 25 فبراير عام 1991، ثم تفكك الاتحاد السوفيتى السابق فى ديسمبر من العام نفسه، ثار جدل كبير حول جدوى بقاء حلف الناتو، كمنظمة عسكرية، بعد أن فقد مهمته التى كانت تتمثل أساساً فى مواجهة إمكانية غزو سوفيتى لغرب أوروبا.

هذا الجدل انتهى إلى ضرورة الإبقاء على هذا الحلف، كعلامة على التضامن بين ضفتى الأطلسى (غرب أوروبا وشمال أمريكا)، واحتمال مواجهة أخطار جديدة، لاسيما بعد اندلاع الحرب فى جمهوريات يوغسلافيا السابقة أوائل التسعينيات الماضية، فضلاً عن اعتبار البعض، أن هذا الحلف يمثل ' الذراع العسكرية ' للحضارة الغربية على ضوء نظرية ' صراع الحضارات' التى راجت خلال التسعينيات الماضية.

لكن الجدل الكبير بشأن حلف الناتو، والذى لا يزال قائماً حتى الآن، هو عملية 'توسيع' الحلف نحو الشرق وضم دول وسط وشرق أوروبا، بل بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، إلى عضويته، برغم معارضة روسيا الشديدة لهذا التوسع، وعدم حماسة بعض الدول الأوروبية الكبيرة، لاسيما ألمانيا وفرنسا.

التقاء المصالح

فى الواقع، جاء توسع حلف الناتو شرقاً نتيجة تلاقى رغبتين: أمريكية وشرق أوروبية. أمريكياً، ووفقاً لرؤية هنرى كيسنجر، فإن منطقة شرق أوروبا كانت ساحة لصراع تاريخى بين روسيا وألمانيا، وإذا لم تبادر الولايات المتحدة بضم دول هذه المنطقة إلى عضوية الناتو، فإن ذلك يعنى أحد أمرين كليهما خطر على المصالح الأمريكية ليس فقط فى تلك المنطقة، بل فى كل قارة أوراسيا:

الأمر الأول: أن يتجدد الصراع والتنافس بين روسيا وألمانيا، على نحو ما حصل فى الحربين العالميتين الأولي (1918-1914) والثانية (1945-1939)، لاسيما أن ألمانيا تعتبر منطقة وسط وشرق أوروبا المجال الحيوي Lebensraum' ' لها فى الشرق.

الأمر الثانى: أن تتحالف الدولتان معاً، ففى أعقاب تحقيق ألمانيا لوحدتها فى أكتوبر 1990، انتابتها بعض الحيرة بشأن مستقبل توجهاتها الإستراتيجية، فهناك من دعا إلى علاقة خاصة مع الولايات المتحدة، وهناك من دعا إلى علاقة خاصة مع فرنسا، باعتبارهما قاطرة الوحدة الأوروبية، وهناك من دعا إلى علاقة خاصة بروسيا، فرغم حساسية هذه المسألة، فإن ألمانيا ترى فى روسيا امتدادها إلى الباسيفيكي، مع ملاحظة أن ' الزمان الألمانى يحلم دائماً بالمكان الروسى'. فى حين ترى روسيا فى ألمانيا امتدادها إلى الأطلسي.

«حصان طروادة»

على هذا النحو رأت واشنطن أن قطع الطريق على هذه الاحتمالات، يتمثل فى توسيع الناتو شرقاً، فهو يضمن لها 'استيعاب' ألمانيا و'تطويق' روسيا فى وقت واحد. وهنا بالتحديد تبدو بولندا، أهم دول شرق أوروبا على الإطلاق بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية فى تلك المنطقة، فهى جغرافيا تمنع الصدام والتحالف بين روسيا وألمانيا، وتاريخيا شكلت بولندا عظمة فى حلق الدولتين، وسياسيا فإن بولندا المتحالفة مع ألمانيا هى تهديد لروسيا، والعكس أيضا صحيح، وهى يمكن أن تمنع الوفاق الروسى - الألمانى أو تحد منه على الأقل، ولابد أن تظل بولندا القوية، بمساعدة الولايات المتحدة، تهديدا لكليهما، فواشنطن لا يمكن أن تدع برلين وموسكو تشعران بقدر كبير من الأمان، وليس لدى واشنطن بديل إستراتيجى لبولندا فى تلك المنطقة لموازنة إمكانية التحالف أو الصدام بين روسيا وألمانيا.

وقد أشار محللون إستراتيجيون أمريكيون إلى أن واشنطن تسعى إلى جعل بولندا أكبر قوة اقتصادية فى أوروبا خلال العقود المقبلة. وتُجمع التقارير الدولية، على أن البنتاجون ينظر إلى بولندا بوصفها حليفاً نموذجياً للولايات المتحدة لأسباب متعددة، لعل من أبرزها الكره البولندى التاريخى لروسيا، وتخوف وارسو المستمر من أن تتحول ألمانيا مستقبلاً إلى أكبر قوة عسكرية فى أوروبا، لذلك، فإن هذه التقارير تتساءل بجدية عمّا إذا كانت بولندا ستكون «حصان طروادة» لأمريكا فى أوروبا.

ويصف الباحث البريطانى دافيد دون العلاقات الأمريكية- البولندية بقوله: إنها علاقات 'خاصة' تضاهى فى قوتها علاقات واشنطن مع بريطانيا ومع إسرائيل، فقد لعبت بولندا، بداية من السنوات الأولى من الألفية الجديدة، دور الحليف المثالى للولايات المتحدة، لاسيما أن وارسو ليست لها سوى ثقة محدودة فى شركائها الأوروبيين وتنظر بكثير من الريبة إلى مشاريع باريس وبرلين، الهادفة إلى إنشاء منظومة دفاعية مستقلة عن واشنطن، وذلك اعتماداً على رؤيتها التاريخية، التى تؤكد أن القوى الأوروبية لا يمكن التعويل عليها فى حال تعرضها لغزو روسي.

أما دول البلطيق الثلاث (إستونيا- لاتفيا- ليتوانيا)، فهى تمثل أهمية عسكرية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة فى إستراتيجية 'تطويق' روسيا، فهذه الدول تبدو كرأس حربة فى مواجهة مدينة سان بطرسبرج ثانى أكبر المدن الروسية، والحدود الشرقية لليتوانيا تبعد نحو 100 ميل فحسب من مدينة مينسك عاصمة بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، الحليف الأساسى لروسيا فى شرق أوروبا.

تقويض التحالف

وجاء تفجر الأزمة الأوكرانية بعد التدخل العسكرى الروسى فيها فى 24 فبراير 2022، بمثابة فرصة تاريخية لتحقيق أهداف جهدت واشنطن، لبلوغها طوال السنوات الماضية، سواء من خلال بعث الحياة فى الناتو، بعد أن كان يعانى 'موتا دماغياً'، بتعبير الرئيس الفرنسى ماكرون، وإنهاك روسيا بالعقوبات الاقتصادية والاستنزاف العسكري، وقطع شرايين إمدادات الطاقة الروسية للاقتصاد الأوروبى وربطه بشروطها، وصولا إلى تحقيق الهدف الإستراتيجى الأعمق، بنسف احتمالات التقارب والتحالف فى الأمد المنظور بين روسيا وألمانيا.

ولا شك فى أن إطالة أمد الحرب الروسية ـ الأوكرانية، ودفع ألمانيا إلى 'المشاركة' فيها، يعززان فرص تصدع الروابط الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية بين روسيا وألمانيا بشكل يستحيل رأبه فى القريب المنظور. فقد ورث المخططون الإستراتيجيون الأمريكيون أحد المبادئ الأساسية التى قام عليها الفكر الإستراتيجى البريطانى طيلة عقود، وهو ضرب مقومات أى تحالف إستراتيجى بين الروس والألمان. وفى هذا السياق، تجدر الإشارة إلى التفجير الذى تعرض له خط أنابيب 'نورد ستريم' أمام السواحل الإسكندنافية فى 26 سبتمبر 2022، الذى أشار الصحفى الأمريكى الاستقصائى الشهير سيمور هيرش إلى تورط واشنطن فيه، بأمر مباشر من الرئيس بايدن شخصيا.

لعنة الجغرافيا ونقمة التاريخ وشكوك السياسة

فى المقابل، فإن عملية توسع حلف الناتو باتجاه الشرق، لم تكن رهن بمشيئة ورغبة أمريكية محضة، بل تقابلها رغبة ملحة من قبل دول وسط وشرق أوروبا للانضمام إلى الحلف، وذلك لعدة اعتبارات مهمة:

عامل الجغرافيا: فهذه الدول صغيرة، وهى تمثل فى معظمها منطقة عازلة' Buffer states' بين دولتين قويتين: روسيا فى الشرق وألمانيا فى الغرب. وكانت دول ما يعرف بـ' أوروبا الجديدة' تعيش فى أرض ممزقة سياسياً، ومحصورةً بين نهرى الراين والفولجا، ومدينتى برلين وموسكو.

هاجس التاريخ: ومازال هاجس التاريخ ماثلاً فى ذاكرة شعوب تلك المنطقة، وكانت بولندا هى أكثر تلك الدول تعبيراً عن هذه الهواجس، فالقومية البولندية وثيقة الارتباط بالكنيسة الكاثوليكية، وسط محيط سلافى أرثوذكسى أو ألمانى لوثرى 'بروتستانتي' بقيت تعيش حالة المرارة وعقدة الاضطهاد فى العلاقة مع روسيا وألمانيا، إذ تزاحمت الدولتان تاريخياً فى اجتياح سهول بولندا التى لا تمتلك حدوداً جغرافية واضحة أو مانعة تحمى ديارها القومية، فتقلصت بولندا، من إمبراطورية واسعة وسط أوروبا منذ القرن الخامس عشر، حتى اختفت من الوجود فى القرن الثامن عشر قبل أن تعيدها الحرب العالمية الأولى مرة أخرى، ثم تقاسمها هتلر وستالين عبر اتفاق سرى فى أغسطس عام 1939، لتعود لاحقاً بعد الحرب العالمية الثانية، لتدور فى فلك الاتحاد السوفيتى السابق خلال الحرب الباردة.

شكوك السياسة: أثارت سياسات الحاضر من جانب الدولتين المخاوف أيضاً، فسياسة ألمانيا الموحدة فى شرق أوروبا، خاصة تشجيع القومية الكرواتية والسلوفينية والمبادرة بالاعتراف باستقلالهما بعد انهيار يوجوسلافيا السابقة أوائل التسعينيات الماضية، لم تساعد فى إزالة بعض الهواجس بين ألمانيا وبقية دول وسط وشرق أوروبا. أما روسيا الجديدة فقد تصاعد الدور القومى فى سياساتها، على نحو بدت فيه دول وسط وشرق أوروبا غير مطمئنة على استقلالها ومستقبلها. ومن ناحية ثالثة، نجحت موسكو وبرلين، عقب انتهاء الحرب الباردة، فى إقامة علاقات وطيدة بينهما، ليس فحسب بسبب تزايد اعتماد ألمانيا على منتجات الطاقة الروسية، ولا بقوة العلاقات التجارية الاستثمارية بين برلين وموسكو.

لكن بسبب وجود رغبة مشتركة على الأقل بين الدولتين، للعمل معاً من أجل تجاوز الإرث البغيض للصدام التاريخى بينهما، خصوصا بعد الدمار الذى لحق بهما خلال الحرب العالمية الثانية، وقد تصل هذه الرغبة فى بعض الأحيان إلى حد الشعور بالمسئولية المشتركة، لا سيما فى عهدى المستشارين الألمانيين السابقين هلموت كول وجيرهارد شرودر، إذ نجح الأخير فى بناء علاقة صداقة شخصية قوية مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وصلت إلى حد زيارة أحدهما للآخر فى منزله (وفيما بعد نصب بوتين شرويدر رئيساً لشركة ''جازبروم'' الروسية العملاقة)، أما فى مجال السياسات الخارجية، فقد عارض شرويدر وبوتين بقوة الغزو الأمريكى للعراق فى ربيع عام 2003.

هذا التقارب الألماني-الروسى أثار مخاوف الكثير من قادة دول أوروبا الشرقية. إذ رأوا فى ذلك التقارب المناوئ لأمريكا بداية لتحالف ألماني-روسى جديد من شأنه تقويض علاقات التحالف الأطلسى من جهة، وزيادة النفوذ الروسى من جهة أخرى. •

لذا رأت هذه الدول أن الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف الناتو، هو طوق النجاة لضمان استقلالها ومستقبلها، فسارعت التشيك وبولندا والمجر للانضمام لحلف الناتو عام 1999، ثم لحقت بها سلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا ودول البلطيق الثلاث عام 2004. وبلغت رغبة هذه الدول فى كسب رضا واشنطن درجة التزلف لها، والتماهى معها فى أكثر سياساتها حمقاً وتهوراً، وتحديدا تأييدها شن الحرب على العراق عام 2003، برغم معارضة دولية وأوروبية قوية، بل إن هذه الدول شاركت واشنطن بقوات عسكرية للعمل معها فى العراق وأفغانستان. وقد وصف الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك مواقف بولندا والدول المجاورة لها بالقول: 'لقد أهدرت هذه الدول فرصة جيدة للالتزام بالصمت'.

«رأس الحربة»

عقب إعلان موسكو ضم شبه جزيرة القرم فى مارس 2014، جرى إنشاء 'مجموعة بوخارست' فى عام 2015، التى تضم تسع دول (رومانيا وبولندا وبلغاريا والمجر، وسلوفاكيا والتشيك, ودول البلطيق الثلاث: إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، غير أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا فى فبراير 2022 أثارت قلقا كبيرا فى معظم دول 'مجموعة بوخارست'، باستثناء حكومتى المجر وبلغاريا، فصارت هى الأكثر تشددًا ضد روسيا فى حلف الناتو، بل بوتيرة تتجاوز الموقف العام لدول حلف الناتو، لا سيما بولندا التى كانت رأس حربة فى الثورة على النظم الاشتراكية عبر نقابة عمال جدانسك عام 1988، التى اعتبرت المسمار الأول فى نعش تفكك الاتحاد السوفيتى والكتلة الاشتراكية، وعلى الرغم من أن بولندا كانت دولة مؤسسة لحلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفيتى السابق حتى نهاية الحرب الباردة، فإنها من بين أوائل دول الكتلة الشرقية التى سارعت إلى الانضمام إلى الحلف الأطلسى سنة 1999، وتلعب بولندا الآن أيضا دور 'رأس الحربة' فى التحريض على روسيا والرغبة فى هزيمتها وإذلالها، انتقاما لعداوات تاريخية، وربما طموحا لبعث 'الكومنولث البولندي- الليتواني' وتحيق مكاسب إقليمية فى الجارة الأوكرانية. فبولندا التى تشغل حدوداً معتبرة مع أوكرانيا تصل إلى 530 كيلومتراً، إضافة إلى عوامل كثيرة متنوعة، أفسحت المجال واسعاً لزيادة قوتها العسكرية واللوجستية بمساعدات أمريكية كبيرة، ولم تألُ بولندا جهداً من الناحية العملية فى الإيحاء بإمكانية استعمالها مباشرة فى الحرب الدائرة حالياً فى أوكرانيا.

وفى 20 نوفمبر 2022، قالت صحيفة 'بوليتيكو' الأمريكية، إن 'بولندا تقوم الآن ببناء ما سيصبح القوة البرية الأكبر فى الاتحاد الأوروبية، متخلية بذلك عن الاعتقاد السائد فى معظم أنحاء أوروبا، بأن الحرب التقليدية هى شيء من الماضي'. وسارع رئيس الوزراء البولندى ماتيوش مورافيتسكى، إلى تحذير زعماء الاتحاد الأوروبى من محاولة التحول إلى سياسات 'الاستقلال الإستراتيجي' عن الولايات المتحدة، التى طرحها الرئيس الفرنسى ماكرون عقب عودته من زيارته إلى الصين فى 5 إبريل 2023. واقترح مورافيتسكى إقامة 'شراكة إستراتيجية تربط وارسو وبلدان الاتحاد الأوروبى مع الولايات المتحدة'، بوصفها 'القوة القادرة على ضمان أمن أوروبا، خصوصا أوروبا الشرقية'.

وإجمالا، يمكن القول: إن بولندا تظل أكثر البلدان الأوروبية تمسكاً بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وبرغبتها فى البقاء كخط للدفاع الأول ضد روسيا التى تواصل اعتبارها 'خصمها التاريخي' على مدى قرون طويلة منذ انهيار الكومنولث البولندي- الليتوانى فى القرن السادس عشر، فى توقيت مواكب لتصاعد طموحاتها تجاه استعادة سابق أمجادها، وأراضيها التى جرى استقطاعها منها وضمها إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية. وذلك ما يبدو تفسيراً لاستمرارها فى طلب المزيد من الأسلحة بما فيها النووية. وفى 24 إبريل 2023، قال وزير الدفاع البولندي، ماريوش بلاشتشاك إن بلاده تبنى أحد أقوى الجيوش فى أوروبا، وهى فى طريقها لامتلاك أقوى جيش برى فى المنطقة فى غضون عامين.

وكانت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكى، قد أعلنت عن وعدها بالعمل من أجل تدعيم القوات الأمريكية فى بولندا، بنشر وحدة عسكرية أخرى فى الأراضى البولندية، وهو ما تعتبره وارسو دعماً مباشراً، قد يكون إضافة مهمة لتحقيق ما تصبو إليه بولندا من أهداف جيو- إستراتيجية، ومنها استعادة ما فقدته من أراض.

حدود الرهان

هذا الرهان على أمريكا، هو نوع من البحث عن 'خيار ثالث' لهذه الدول يحميها من خطر الوقوع فريسة لاستقطاب جارين قويين (روسيا وألمانيا)، أو وقاية لها من مخاطر الاحتلال والتقسيم بينهما. وهذا الخيار الثالث ليس بدعة شرق أوروبية، فربما تكون حركة 'عدم الانحياز' هى آخر النماذج المعاصرة لهذا النوع من السياسات فى مرحلة الاستقطاب بين المعسكرين الشيوعى والرأسمالى خلال الحرب الباردة.

لكن على دول شرق أوروبا ألا تبالغ فى رهانها، على هذا الاختيار الثالث (أمريكا) إلى درجة استفزاز واستعداء الجيران الكبار، فهى أشبه بأرانب وفئران تسعى بجوار أسود وأفيال نائمة أو مسترخية، متى نهضت أو غضبت، بسبب حركة أو جلبة من الأرانب والفئران، داستها بأقدامها وهى لا تبالي، وعندها لن تنفع الأرانب والفئران نجدة القروش والحيتان فلكل عالمه. والقفز أو الهروب إلى سفن واشنطن، قد يكون أسرع وسيلة للغرق والانتحار، فما زالت حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا هى الحاكمة، فـ'الجغرافيا الطبيعية هى قدر الإنسان ولا يمكن الهروب منها'، كما يقول المفكر البريطانى الراحل كولن جراي، برغم ادعاءات البعض أن عصر العولمة والقوة النووية وتكنولوجيا الذكاء الصناعى يجبهما ويبطل مفاعيلهما. ولعل هذا هو الدرس المستفاد من تجربة أزمة جورجيا وفصل روسيا لمنطقتى أبخازيا وأوسيتيا عنها عام 2008، والأزمة الأوكرانية منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وصولا لغزو موسكو لأوكرانيا ذاتها.

خيبة أمل

من ناحية ثانية، فإن 'المتغطى بالأمريكان عريان'، فبعد التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا فى 24 فبراير 2022 بأسابيع قليلة، كان الأوكرانيون يتوقعون تدخل واشنطن لفرض منطقة حظر طيران، لكن واشنطن لم تمض قدما فى هذا المقترح. كما رفضت أيضا دعم مطالب استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم، التى باتت جزءا من الاتحاد الروسى بعد ضمها رسميا فى مارس 2014.

وخلال اجتماع فى بروكسل لوزراء خارجية الناتو يومى 4 و5 إبريل 2023، استعدادا لقمة الحلف فى يوليو المقبل فى مدينة فيلينوس فى ليتوانيا، ظهرت خلافات عميقة بين واشنطن وحلفائها من دول أوروبا الشرقية حول فرص ضم أوكرانيا للناتو، حيث انحازت واشنطن إلى جانب ألمانيا وفرنسا والمجر ودول أخرى فى مقاومة دعوات دول أوروبا الشرقية، على رأسها بولندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، لوضع خريطة طريق واضحة المعالم وملزمة لضم كييف للناتو. فالدول الثلاث تأخذون على محمل الجد سيناريو التصعيد النووى إذا تم ضم أوكرانيا للناتو.

وهناك إدراك متزايد أن واشنطن قد تعيد حساباتها وتغلق عمليا باب عضوية الحلف أمام أوكرانيا، على أساس أن العضوية ليست خيارا قصير المدى، ولا يمكن مناقشته بجدية مع استمرار الحرب وسيطرة روسيا على مساحات واسعة من أراضى أوكرانيا. وقال الأمين العام لحلف الناتو ستولتنبرج خلال اجتماع وزراء خارجية الناتو الأخير فى بروكسيل، إن عضوية كييف فى الناتو تعتمد على بقاء أوكرانيا 'دولة مستقلة وذات سيادة'.

ومع اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية فى الولايات المتحدة استعدادا للمعركة الرئاسية عام 2024، فإن إدارة الرئيس الأمريكى الديمقراطى جو بايدن، ستكون أقل اهتماما بملف الحرب الروسية -الأوكرانية وستميل لتجميد الحرب التى تحتل أدنى سلم أولويات الناخب الأمريكى بعد أزمة تكلفة المعيشة، والتضخم، وارتفاع الجريمة لمعدلات قياسية، وأزمة الهجرة غير الشرعية.

وبرغم كل الوعود الأمريكية البراقة، فإنه ليست هناك 'خطة مارشال' للإنقاذ الاقتصادى لأوكرانيا، ففى أمريكا ليس هناك شهية لدى الجمهوريين أو الديمقراطيين لإنفاق مئات المليارات من الدولارات فى أوكرانيا، وهو بلد بعيد لا يؤثر بشكل واضح على الأمن القومى الأمريكى، وهذا كله يترك أوكرانيا أمام درس التاريخ الصعب، وهو أن على الدول أن تحل مشاكلها بنفسها، أن تتعايش فى محيطها الإقليمى بدون حروب اعتمادا على دعم أو مساعدة أمريكية.

بريطانيا ولا إسرائيل

من ناحية ثالثة، وفيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه بولندا، فإن وشنطن تريد أن تضع صورة مشوهة لبريطانيا فى شرق القارة الأوروبية، أى إنه يراد لبولندا أن تقوم بدور فى شرق أوروبا، مثل الدور الذى تقوم به بريطانيا فى غرب أوروبا. بعبارة أخرى، واشنطن تريد محاصرة أوروبا من الغرب، باستخدام بريطانيا ومن الشرق باستخدام بولندا، لكن البولنديين يغفلون التقارب الهائل الثقافى والسياسى والإستراتيجى بين الولايات المتحدة وبريطانيا، أن هذه العوامل لا توجد بين أمريكا وبولندا سوى بعض الجوانب العاطفية وتاريخ قصير من التعاون بين الطرفين، برغم وجود لوبى بولندى قوى فى الولايات المتحدة يتمثل فى جالية يبلغ قوامها نحو 10 ملايين أمريكى من أصول بولندية، بينهم عدد كبير من اليهود، لاسيما فى ولاية إلينوي.

ومن ناحية أخيرة، فإن أمريكا نفسها ليست براء من ظلم الجيران، وما فعلته فى أمريكا الوسطى والجنوبية منذ مبدأ منرو عام 1823، هو خير دليل، وقد سُئل الرئيس المكسيكى الأسبق 'فارجاس' فى أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين وبلاده غارقة فى المشاكل عن 'حقيقة أزمة المكسيك'، فأطرق الرجل لحظة يفكر ثم قال مكرراً السؤال 'أزمة المكسيك'؟! ثم أضاف جوابه: 'أزمتها أنها قريبة جداً بحدودها من الولايات المتحدة، وبعيدة جداً بروحها عن الله'.

أسباب حماسة دول شرق أوروبا للتحالف مع أمريكا.. الرهانات المحدودة أسباب حماسة دول شرق أوروبا للتحالف مع أمريكا.. الرهانات المحدودة أسباب حماسة دول شرق أوروبا للتحالف مع أمريكا.. الرهانات المحدودة

أخر اخبار مصر:

بدء البرنامج التدريبي لتأهيل قائدات قطار الحرمين السريع بـ " سرب"

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
1

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 1641 days old | 4,849,962 Egypt News Articles | 12,455 Articles in Apr 2024 | 140 Articles Today | from 27 News Sources ~~ last update: 26 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا



أسباب حماسة دول شرق أوروبا للتحالف مع أمريكا.. الرهانات المحدودة - eg
أسباب حماسة دول شرق أوروبا للتحالف مع أمريكا.. الرهانات المحدودة

منذ ٠ ثانية


اخبار مصر

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.






لايف ستايل