اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٨ تموز ٢٠٢٥
تواجه مصر تحديات كبيرة في قطاع الطاقة، وتواجه تلك التحديات بإصرار حاسم على تجنب النقص الحاد في إمدادات الطاقة وبالتبعية: تجنب أي انقطاعات واسعة النطاق للكهرباء، واستمرار واستدامة تشغيل الصناعات الحيوية وبالتالي تعزيز فرص تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وفي هذا السياق، تسعى الحكومة المصرية إلى تعزيز التحول نحو الطاقة الخضراء من خلال استراتيجيات جديدة تهدف إلى جذب الاستثمارات الخاصة وتعزيز الشراكات الدولية.
ومن بين هذه الجهود، انضمت مصر مؤخرًا إلى مبادرات الاتحاد الأوروبي لتوسيع نطاق السيطرة على الحدود مقابل تمويل الطاقة، حيث تعهد الاتحاد بتقديم أكثر من 300 مليون يورو لدعم انتقال مصر إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية، وفقًا لدراسة أعدتها هالي شولر-ماكوين، المحللة الاقتصادية المتخصصة في الانتقال الأخضر، ونشرها موقع معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط (TIMEP)، ومقره واشنطن.
وأضافت شولر أن الحكومة المصرية تهدف إلى تطوير قطاع الطاقة الخضراء الناشئ بطموح كبير، وتسعى لتحقيق هدف استراتيجي يتمثل في حشد استثمارات خاصة تزيد عن 10 مليارات دولار لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة، مع التركيز على إنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وتطمح مصر إلى أن تشكل الطاقة المتجددة 42% من إجمالي إنتاج الطاقة في البلاد بحلول عام 2030، وذلك في إطار استراتيجية 'رؤية مصر 2030' للتنمية المستدامة.
ومع ذلك، كشفت تقارير حديثة أن الاستثمارات التي تم حشدها حتى الآن لم تتجاوز 4 مليارات دولار، أي أقل من نصف المبلغ المستهدف، مما يعكس التحديات الهيكلية التي تواجهها البنية التحتية للطاقة في مصر، بما في ذلك نقص الخبرات المحلية وصعوبات توفير التكنولوجيا اللازمة.
استراتيجيات جذب الاستثمار والتحديات المالية
ردًا على ضعف التمويل الأولي، لجأت الحكومة المصرية إلى تقديم حوافز مالية مغرية لجذب المستثمرين الخاصين إلى قطاع الطاقة الخضراء.
تشمل هذه الحوافز خصومات ضريبية تصل إلى 50% على الضرائب الشركاتية للمستثمرين في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى تعويضات نقدية في حال أصبحت المشاريع جاهزة للتشغيل خلال ست سنوات.
كما تقدم الحكومة أسعار تغذية تنافسية تضمن أسعارًا ثابتة ومرتفعة نسبيًا للطاقة المنتجة، إلى جانب تخصيص أراضٍ مملوكة للدولة مجانًا لإقامة مزارع الطاقة المتجددة.
ورغم أن هذه الحوافز قد تساهم في زيادة إنتاج الطاقة المتجددة على المدى القصير، فإنها تثير تساؤلات حول قدرة الدولة على تحمل تكاليف هذه الإعفاءات والتعويضات في ظل التحديات المالية الحالية، خاصة مع تراجع احتياطيات العملة الأجنبية وضغوط تمويل الخدمات العامة مثل التعليم والصحة.
وتُعد منصة 'الترابط بين المياه والغذاء والطاقة' (NWFE)، التي أُطلقت خلال مؤتمر COP 27 في شرم الشيخ عام 2022، الإطار الرئيسي لجذب الاستثمارات في الطاقة الخضراء في مصر.
وقد حصلت المنصة على دعم من مانحين دوليين مثل ألمانيا والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
ترتكز استراتيجية المنصة على ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، إيقاف تشغيل البنية التحتية التقليدية لتوليد الطاقة من الوقود الأحفوري الذي ينتج انبعاثات كربونية؛ ثانيًا، تطوير شبكة الطاقة الوطنية لتكون أكثر كفاءة وتوافقًا مع مصادر الطاقة المتجددة؛ وثالثًا، حشد استثمارات خاصة بقيمة 10 مليارات دولار على الأقل. ومع ذلك، تكشف السياسات الموازية التي تتبناها مصر، مثل توسيع استخراج الغاز الطبيعي لمواجهة أزمة الطاقة، عن تناقض جوهري في استراتيجيتها، حيث تسعى لتلبية احتياجات الطاقة قصيرة الأجل على حساب أهداف الاستدامة طويلة الأمد.
وتواجه مصر تحديات تقنية كبيرة في تكييف شبكة الكهرباء الوطنية لتكون متوافقة مع مصادر الطاقة الخضراء.
فالشبكة الحالية تفتقر إلى القدرة على تخزين الطاقة واستيعاب التدفقات غير المنتظمة، مما يؤدي إلى فقدان جزء كبير من الطاقة الشمسية المنتجة خلال ساعات الذروة.
وتشير التقديرات إلى أن تحديث الشبكة يتطلب استثمارات تزيد عن 1.3 مليار دولار، كما تعاني مصر من نقص في الخبرات المحلية المتخصصة في الطاقة الخضراء، إلى جانب صعوبات في وضع خطط تسعير مناسبة للطاقة المتجددة وتوفير التكنولوجيا اللازمة لتطوير الشبكة.
الحلول المقترحة وأهمية التوجه المحلي
من أجل ضمان انتقال عادل ومستدام إلى الطاقة الخضراء، توصي المحللة الأمريكية بإعطاء الأولوية لتطوير شبكة الكهرباء الوطنية قبل التركيز على تصدير الطاقة إلى الأسواق الدولية، خاصة مع الاهتمام الأوروبي المتزايد باستيراد الطاقة الخضراء من شمال إفريقيا عبر 'أنابيب الطاقة النظيفة'.
يجب أن تشمل الاستراتيجية دعم الاستثمارات المحلية من خلال تمكين الشركات المصرية الصغيرة والمتوسطة من المشاركة في مشاريع الطاقة المتجددة، وتعزيز الشفافية من خلال إشراك المجتمعات المحلية في عمليات التخطيط واتخاذ القرار.
علاوة على ذلك، ينبغي أن يمتد التمويل إلى معالجة التحديات البيئية الأوسع التي تواجه مصر، مثل ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الجفاف، وتأثيراتها على الأمن الغذائي والمجتمعات المحلية.
بدون هذا النهج الشامل، قد تتحول استثمارات الطاقة الخضراء إلى مشاريع رمزية لا تفي بالاحتياجات المحلية، مما يترك المواطنين العاديين يتحملون وطأة التغيرات المناخية. إن إعادة توجيه السياسات لتلبية الاحتياجات المحلية أولًا، مع ضمان الشفافية والمشاركة المجتمعية، سيكون خطوة حاسمة نحو تحقيق انتقال أخضر عادل ومستدام في مصر.
إعادة التفكير في الأولويات
في الوقت الحالي، قد تؤدي الحوافز المالية المقدمة للمستثمرين إلى زيادة العبء المالي على الدولة، خاصة إذا لم تتمكن شبكة الكهرباء من استيعاب الطاقة الخضراء المنتجة.
في مثل هذه الحالة، قد يتم تصدير الطاقة الخضراء إلى الأسواق الدولية، مما يرفع تكاليف الطاقة للمستهلكين المحليين، وخاصة في المناطق الريفية والمجتمعات منخفضة الدخل التي تعاني بالفعل من ارتفاع تكاليف الطاقة وانخفاض موثوقية الإمدادات.
لذلك، يجب على الحكومة وضع حوافز واضحة لضمان استخدام الطاقة الخضراء لتلبية الاحتياجات المحلية أولًا، مع إعطاء الأولوية لتحسين البنية التحتية وتعزيز الكفاءات المحلية.
وأضافت ماكوين: 'يمكن أن تصبح مصر رائدة إقليميًا في التحول الأخضر إذا تمكنت من معالجة هذه التحديات بشكل شامل. ويتطلب ذلك استراتيجية متوازنة تركز على تحسين البنية التحتية، وتعزيز الشفافية، وإشراك المجتمعات المحلية، مع ضمان أن تكون الاستثمارات في الطاقة الخضراء موجهة نحو تحسين جودة الحياة للمواطنين المصريين ومواجهة التحديات المناخية الملحة'.