اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢٥
رغم أن الكثيرين يتطلعون إلى نهاية الحرب في أوكرانيا باعتبارها لحظة انفراج تاريخية تعيد الاستقرار إلى القارة الأوروبية، إلا أن مجلة الإيكونوميست البريطانية حذرت في تقريرها الأخير من أن انتهاء القتال لن يعني بالضرورة انتهاء التهديدات. فالحرب التي اندلعت في فبراير 2022، والتي كان يُعتقد أنها ستستمر أيامًا معدودة، امتدت إلى أكثر من 1372 يومًا، وأصبحت عاملًا محفزًا لوحدة أوروبا. لكن المجلة ترى أن هذه الوحدة قد تتعرض لتصدعات خطيرة بمجرد توقف المعارك، فيما أطلقت عليه وصف 'التفكك الكبير' أو de-galvanisation، أي فقدان الحافز الذي جمع الأوروبيين في مواجهة الخطر الروسي.
ومنذ بداية الحرب، لعبت أوكرانيا دورًا محوريًا في إعادة تشكيل المشهد الأمني الأوروبي. وساهم الدعم العسكري والاقتصادي الذي قدمته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تعزيز قدرة كييف على الصمود، لكنه في الوقت نفسه كشف عن هشاشة البنية الأمنية للقارة.
حلف الناتو، الذي كان يعاني من تراجع الاهتمام قبل الحرب، وجد نفسه في قلب المعادلة الجديدة، لكنه يواجه اليوم تحديًا يتعلق بمدى قدرته على حماية جميع أعضائه إذا اندلعت نزاعات أخرى. ومع أن أي اتفاق سلام بين موسكو وكييف سيُنظر إليه باعتباره لحظة ارتياح كبرى، إلا أن أوروبا ستظل تواجه تداعيات استراتيجية طويلة الأمد.
وأشارت المجلة إلى أن الحرب ساعدت على توحيد المواقف الأوروبية وتعزيز الإنفاق العسكري، خاصة في دول مثل بولندا ودول البلطيق التي شعرت بتهديد مباشر من روسيا. لكن هذا الزخم قد يتراجع مع انتهاء الحرب، إذ قد ترى بعض الدول أن الوقت قد حان للتركيز على أولوياتها الداخلية، ما يفتح الباب أمام خلافات جديدة حول توزيع الأعباء الأمنية والاقتصادية. هذه الانقسامات قد تضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات موحدة في القضايا الكبرى، وتعيد إلى السطح الخلافات القديمة حول الطاقة والسياسة الخارجية.
وترجح الإيكونوميست أن الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الحرب لن تزول بسهولة؛ فارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية، كلها عوامل أدت مجتمعةً إلى معدلات تضخم غير مسبوقة وتراجع النمو في معظم دول الاتحاد الأوروبي. وحتى لو توقفت المعارك، فإن إعادة بناء أوكرانيا ستتطلب استثمارات ضخمة قد تثقل كاهل أوروبا لسنوات طويلة. كما أن استمرار حالة عدم اليقين سيجعل المستثمرين أكثر حذرًا، ويؤثر على قدرة القارة على استعادة قوتها الاقتصادية.
ويضيف البعد الاجتماعي طبقة أخرى من التعقيد. ملايين اللاجئين الأوكرانيين الذين تدفقوا إلى دول الاتحاد الأوروبي أحدثوا تغييرات ديموغرافية وسياسية، وأثاروا نقاشات حول الهوية والأمن والاندماج. هذه التحديات ستظل قائمة حتى بعد انتهاء الحرب، وقد تؤدي إلى صعود تيارات قومية وشعبوية تستغل المخاوف الشعبية لتعزيز نفوذها السياسي. وفي ظل هذه الظروف، قد تجد أوروبا نفسها أمام موجة جديدة من الانقسامات الداخلية التي تهدد مشروعها الوحدوي.
التحليل الذي قدمته الإيكونوميست يذهب إلى أن أوروبا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب، حتى لو توقفت المعارك في أوكرانيا. فشبح الحرب سيظل حاضرًا عبر التهديدات الأمنية، الانقسامات السياسية، الأزمات الاقتصادية، والتحديات الاجتماعية. وهذا يعني أن القارة بحاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد لإعادة بناء ثقتها بنفسها، وتعزيز وحدتها، وتحصين أمنها ضد أي صراعات مستقبلية.
وقد يكون وقف إطلاق النار في أوكرانيا بداية جديدة، لكنه لن يكون نهاية القلق الأوروبي. فالحرب، التي وحدت القارة تحت ضغط الخطر الروسي، قد تترك وراءها فراغًا سياسيًا وأمنيًا يفتح الباب أمام صراعات داخلية جديدة. أوروبا، كما ترى الإيكونوميست، مطالبة بأن تستعد لمرحلة ما بعد الحرب بنفس الجدية التي واجهت بها الحرب ذاتها، وإلا فإن شبح النزاعات سيظل يطاردها حتى في زمن السلم.


































