اهتمام متزايد بالغاز المصري.. أبعاد صفقة "شل – قطر للطاقة" الجيوسياسية والاستثمارية

في خطوة تعكس تصاعد اهتمام شركات الطاقة العالمية بالثروات البحرية المصرية، أعلنت شركة شل العالمية عن توقيع اتفاقية تتنازل بموجبها عن حصة غير تشغيلية بنسبة 27% في منطقة شمال كليوباترا البحرية لصالح شركة قطر للطاقة، في صفقة وُصفت بالاستراتيجية لكلا الطرفين.

المنطقة تقع في حوض هيرودوت الحدودي قبالة سواحل دلتا النيل، وتمتد على مساحة 3400 كيلومتر مربع بعمق يصل إلى 2600 متر، وهي من آخر المناطق غير المستكشفة في شرق المتوسط.

وبحسب الاتفاقية، التي لا تزال قيد موافقة الحكومة المصرية، تحتفظ شل بنسبة 36% كمشغّل رئيسي، بينما تمتلك شيفرون الأمريكية 27%، وشركة ثروة للبترول المصرية 10%. ووفقًا لصحيفة أويل آند جاز جورنال، تُعد هذه الخطوة امتدادًا لتوسع قطر للطاقة في السوق المصرية، إذ تمتلك بالفعل 23% في منطقة شمال الضبعة المجاورة.

اهتمام عالمي متزايد بالغاز المصري

تأتي الصفقة ضمن موجة توسع دولية في أنشطة التنقيب والإنتاج بشرق المتوسط، الذي بات محورًا رئيسيًا لإمدادات الغاز للأسواق الأوروبية.

ونقلت وكالة بلومبرج أن قطر للطاقة تسعى إلى ترسيخ مكانتها كمورّد رئيسي للغاز الطبيعي المسال، مشيرة إلى استحواذها العام الماضي على 40% من امتيازين بحريين قبالة السواحل المصرية من شركة إكسون موبيل.

كما تخطط شل لحفر بئر استكشافية في شمال كليوباترا خلال النصف الثاني من 2026 ضمن خطة موسّعة لدعم إنتاج الغاز المصري.

مصر مركز طاقة إقليمي صاعد

تزامن الإعلان مع تحولات أوسع في قطاع الطاقة الإقليمي، حيث تعمل مصر على ترسيخ موقعها كمركز لتسييل وتصدير الغاز الطبيعي مستفيدة من بنيتها التحتية في إدكو ودمياط.

وذكرت فايننشال تايمز أن الخطوة تعكس ثقة المستثمرين الدوليين في المناخ الاستثماري المصري، خاصة بعد سلسلة اكتشافات كبرى في البحر المتوسط.

أما نيويورك تايمز فأشارت إلى أن شركات مثل إيني الإيطالية وبي بي البريطانية وتوتال إنرجيز الفرنسية تدرس توسيع عملياتها في مصر، تلبيةً لاحتياجات أوروبا المتزايدة من الغاز غير الروسي.

أبعاد جيوسياسية واستثمارية

ركزت نيويورك تايمز على البُعد الجيوسياسي للصفقة، معتبرة أن دخول قطر للطاقة إلى منطقة شمال كليوباترا يعزز من الشراكة الثلاثية بين القاهرة والدوحة وشركات الطاقة الغربية، ويمنح مصر نفوذًا متزايدًا في معادلة أمن الطاقة الأوروبي.

وفي السياق ذاته، وصفت إيكونوميست مصر بأنها 'بوابة الغاز إلى أوروبا'، مشيرة إلى أن صادرات الغاز المصرية ارتفعت بنسبة 40% في 2024، ومن المتوقع أن تتضاعف بحلول 2026.

نموذج جديد لإدارة الثروات البحرية

ويرى محللون أن منطقة شمال كليوباترا تمثل اختبارًا لقدرة مصر على إدارة تحالفات دولية معقدة تجمع بين أطراف كبرى مثل شل وقطر للطاقة وشيفرون وثروة للبترول.

ولا تقتصر المعادلة – كما يؤكد الخبراء – على نسب الحصص، بل تمتد إلى تنسيق تقني وتوازن سياسي وتكامل استثماري في واحدة من أكثر المناطق حساسية جيولوجيًا واستراتيجيًا في شرق المتوسط.

ويُتوقع أن يفتح نجاح هذا النموذج الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي في مجال الطاقة، تُرسّخ موقع القاهرة كـقوة محورية في أمن الطاقة العالمي، وكمركز تنسيقي لسياسات البترول والغاز العابر للحدود.