اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تعيش الساحة السودانية على وقع جدل محتدم حول مقترح هدنة إنسانية تمتد لثلاثة أشهر، طرحته الولايات المتحدة ضمن مبادرة «الرباعية الدولية» التي تضم واشنطن والرياض وأبوظبي والقاهرة.
الهدف المعلن هو وقف نزيف الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، لكن الموقف الشعبي لا يبدو متجانسًا، إذ يتأرجح بين أمل خافت في الخلاص وريبة عميقة من أي مبادرة تحمل بصمة دولية.
وبينما تبدي واشنطن تفاؤلًا حذرًا بإمكان قبول طرفي النزاع للمقترح، يختزن الشارع السوداني شعورًا متناقضًا: رغبة في النجاة، وشك في العدالة، وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
'بل بس'.. شعار الرفض المطلق
على منصات التواصل الاجتماعي، تتخذ المعارك شكلًا آخر. فهناك من يرى في الهدنة متنفسًا إنسانيًا لا بد منه لإنقاذ الأرواح وفتح الممرات للمساعدات، بينما يصفها آخرون بأنها «فخ سياسي» يتيح لقوات الدعم السريع إعادة تموضعها بعد خسائر ميدانية.
في قلب هذا الجدل، يبرز شعار بل بس كصرخة وجدانية أكثر منه موقفًا سياسيًا. لا يحمل تعقيدات الأيديولوجيا، بل يختزلها في عبارة مقتضبة تنطق بالرفض المطلق لأي تسوية مع قوات الدعم السريع.
الشعار الذي يتردد بكثافة في ساحات التواصل لا يقول «نحن مع الجيش» فحسب، بل يقول «ولا نريد غيره»، في تعبير حاد عن انعدام الثقة في أي طرف آخر. إنه شعار لا يطلب تفاوضًا ولا هدنة، بل يطالب بالحسم، ويعكس مزاجًا شعبيًا يرى في الحرب معركة وجود لا مجال فيها للحياد أو التنازلات.
بين خطاب لعمامرة وغضب الشارع
خطاب المبعوث الأممي رمطان لعمامرة، الذي وصف الهدنة بأنها «فرصة نادرة»، واجه سيلًا من الانتقادات، إذ رأى كثيرون في كلماته تكرارًا لخطاب دبلوماسي منفصل عن الواقع الدموي على الأرض.
فالمزاج الشعبي الغاضب لا يثق في المجتمع الدولي، الذي يتهمه جزء واسع من السودانيين بالعجز أو الانحياز. وهكذا، تحولت الهدنة من مبادرة إنسانية إلى ساحة امتحان للثقة المفقودة بين الشعب والمنظومة الدولية.
على المستوى الإعلامي، يستخدم الجيش السوداني وسائل التواصل كأداة لتشكيل الرأي العام في زمن الحرب. فحساباته الرسمية تبث رسائل تؤكد على السيادة الوطنية ورفض أي تسوية «تشرعن وجود الدعم السريع»، وتُظهر الجيش كقوة منضبطة تحمي الدولة.
في المقابل، طورت قوات الدعم السريع أدواتها الإعلامية وجعلت من المنصات الرقمية ساحة موازية للقتال. إعلانها عبر تيليجرام الموافقة على الهدنة حمل بعدًا دعائيًا هدفه الظهور بمظهر الطرف المستجيب للمجتمع الدولي. لكنها واجهت ردودًا قاسية من الشارع، الذي رأى في تلك اللغة التصالحية محاولة لتجميل صورة مشوهة بالحرب.
هدنة على حافة الريبة
في الميدان الافتراضي، يظل «فيسبوك» الأكثر اشتعالًا بخطابات الكراهية والتعبئة، فيما يحتفظ «إكس» بنبرة تحليلية نسبية، ويقدّم «تيليجرام» منصة مباشرة للتعبئة العسكرية والإعلامية.
أما في الشارع السوداني، فصوت الناس يتوزع بين من يرى الهدنة نافذة أمل، ومن يعتبرها استراحة مشبوهة. وبين هؤلاء وأولئك، يقف من أنهكته الحرب، لا يطلب نصرًا ولا هزيمة، بل فقط نهاية لدوامة الموت والجوع.
الإجماع الوحيد الذي يبدو ممكنًا بين كل الأصوات هو أن أي هدنة بلا ضمانات تنفيذية ومحاسبة للمنتهكين ليست سوى ورقة عابرة في حرب مفتوحة.
فالثقة المفقودة لا تُرمم بخطابات، بل بإجراءات ملموسة: رقابة مستقلة، ممرات إنسانية آمنة، حماية للمدنيين، وجدول زمني للانسحاب وتسليم السلاح، وخارطة طريق نحو تسوية شاملة تحفظ وحدة السودان وعدالة قضيته.


































