الولايات المتحدة تنشر سربا من الطائرات المسيّرة الانتحارية في الشرق الأوسط

في خطوة تحمل دلالات عسكرية وسياسية عميقة، أعلنت الولايات المتحدة نشر أول سرب من الطائرات المسيّرة الهجومية أحادية الاتجاه في الشرق الأوسط. هذه الطائرات، التي تُعرف بأنها 'انتحارية' أو 'ذات اتجاه واحد'، صُممت لتنفجر عند الاصطدام بالهدف، ما يجعلها سلاحًا منخفض التكلفة وفعالًا في الحروب غير المتكافئة. الإعلان، الذي جاء عبر القيادة المركزية الأمريكية، يعكس إدراك واشنطن أن طبيعة الصراع في المنطقة تتغير، وأن مواجهة إيران وحلفائها تتطلب أدوات جديدة أكثر مرونة وأقل تكلفة.

الطائرات الجديدة تحمل اسم LUCAS، أي 'نظام القتال غير المأهول منخفض التكلفة'، وهي مبنية على هندسة عكسية لطائرات شاهد الإيرانية التي استخدمتها طهران ضد إسرائيل، كما صدّرتها إلى روسيا لاستخدامها في الحرب الأوكرانية. هذه الطائرات ليست مجرد نسخة تقنية، بل هي رسالة سياسية مفادها أن واشنطن قررت مواجهة إيران بسلاحها نفسه. فهي صغيرة الحجم، منخفضة التكلفة، ويمكن إنتاجها بأعداد كبيرة، وتُطلق نحو الهدف لتنفجر عند الاصطدام، ما يجعلها مثالية لضرب مواقع محددة بدقة دون الحاجة إلى عودة الطائرة.

نشر هذه الطائرات يُعد ردًا مباشرًا على إيران، التي اعتمدت بشكل متزايد على الطائرات المسيّرة في هجماتها الإقليمية. واشنطن أرادت أن تُظهر أنها قادرة على مجاراة هذا النوع من الحرب غير التقليدية، بل وتوظيفه لصالحها. الرسالة واضحة: أي استخدام لطائرات شاهد ضد القوات الأمريكية أو حلفائها سيُقابل برد مماثل وأكثر كثافة. هذا التحول يعيد رسم قواعد اللعبة، حيث لم تعد الطائرات المقاتلة باهظة الثمن وحدها هي الحاسمة، بل التكنولوجيا البسيطة والفعالة التي يمكن نشرها بأعداد كبيرة.

وأثارت الخطوة الأمريكية موجة من التحليلات في الصحافة الغربية. فهناك من يرى أنها تزيد من احتمالات التصعيد، إذ أن إيران قد تعتبرها استفزازًا مباشرًا وترد بتوسيع نطاق استخدام طائراتها المسيّرة، مما يرفع مستوى التوتر في المنطقة. في المقابل، يعتبر آخرون أن هذه الطائرات تمنح الولايات المتحدة ميزة تكتيكية، لأنها أقل تكلفة من الطائرات التقليدية ويمكن استخدامها بكثافة في أي مواجهة محتملة. إسرائيل ودول الخليج قد ترى في هذه الخطوة تعزيزًا لقدرات الردع المشتركة، لكنها أيضًا مؤشر على أن المنطقة قد تتحول إلى ساحة اختبار للتكنولوجيا العسكرية الجديدة.

ويضيف وجود هذه الطائرات في الشرق الأوسط طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد الأمني. المنطقة تشهد بالفعل توترات متصاعدة بين إسرائيل وإيران، إضافة إلى نشاط متزايد لوكلاء إيران مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. بالنسبة لإسرائيل، فإن هذه الطائرات قد تُستخدم لتعزيز دفاعاتها ضد الهجمات الإيرانية. أما دول الخليج، فهي ترى في الخطوة الأمريكية دعمًا مباشرًا لأمنها، لكنها تخشى أن يؤدي التصعيد إلى حرب مفتوحة. وفي اليمن ولبنان، قد تُستخدم هذه الطائرات كرسالة ردع ضد الحوثيين وحزب الله، الذين يعتمدون بشكل متزايد على الطائرات المسيّرة الإيرانية في هجماتهم.

تأتي الخطوة الأمريكية أيضًا في سياق أوسع يتجاوز الشرق الأوسط. فالحرب في أوكرانيا أظهرت أن الطائرات المسيّرة الإيرانية أصبحت جزءًا من الحروب الحديثة، وأنها قادرة على إحداث تأثير كبير رغم بساطتها التقنية. الولايات المتحدة أرادت أن تُظهر أنها قادرة على إنتاج نسخ أكثر تطورًا وأقل تكلفة، ما يعزز موقعها في سباق التكنولوجيا العسكرية العالمي. الرسالة للأسواق أيضًا واضحة: الاستثمار في الطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة يُظهر أن واشنطن تبحث عن حلول عملية ومستدامة، بعيدًا عن الاعتماد فقط على الأسلحة باهظة الثمن.

ولم تكتفِ الولايات المتحدة بالرد التقليدي على التهديدات الإيرانية، بل اختارت مواجهة إيران بسلاحها نفسه عبر نشر طائرات مسيّرة مبنية على هندسة عكسية لطائرات شاهد. هذه الخطوة تعكس إدراكًا أمريكيًا بأن الحرب الحديثة تُحسم عبر التكنولوجيا منخفضة التكلفة والقدرة على الانتشار السريع، لكنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام تصعيد غير مسبوق في الشرق الأوسط. وبينما يرى البعض أن هذه الطائرات ستعزز الردع الأمريكي وتمنح واشنطن مرونة أكبر، يحذّر آخرون من أن المنطقة قد تتحول إلى ساحة اختبار لحروب المسيّرات، حيث يصبح المدنيون والبنية التحتية أهدافًا محتملة في أي مواجهة مقبلة.