اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
في مشهد يجسد عمق الروابط الأخوية الممتدة بين القاهرة وأبوظبي، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم بقصر الاتحادية، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في زيارة تحمل دلالات تتجاوز الطابع البروتوكولي. فالزيارة تأتي في وقت يشهد فيه التعاون الثنائي قفزات نوعية، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، حيث تعكس المؤشرات الأخيرة حجم النمو المتسارع في التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، مما يرسخ مكانة العلاقة بين البلدين كنموذج متفرد في المنطقة العربية.
هذه الزيارة لم تكن مجرد لقاء سياسي رفيع المستوى، بل حملت معها رسائل اقتصادية واضحة تؤكد أن مصر والإمارات تمضيان في مسار شراكة استراتيجية طويلة الأمد، قوامها الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، مع امتداد تأثيرها إلى استقرار وتنمية المنطقة ككل.
بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، شهدت الصادرات المصرية إلى الإمارات طفرة استثنائية خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025. فقد ارتفعت قيمتها إلى 4.1 مليار دولار مقابل 1.7 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2024، بنسبة زيادة بلغت 141.2%.
وتنوعت السلع المصدرة بشكل لافت، حيث تصدرت اللؤلؤ والأحجار الكريمة والحُلي القائمة بقيمة تجاوزت 3.4 مليار دولار، تلتها الآلات والأجهزة الكهربائية بـ168.6 مليون دولار، ثم الخضر والفواكه بـ119.4 مليون دولار، والمحضرات الغذائية بـ39.3 مليون دولار، إضافة إلى السيارات والجرارات بقيمة 33.4 مليون دولار.
هذه الأرقام تعكس نجاح مصر في تنويع صادراتها وتعزيز حضورها داخل السوق الإماراتية، ما يعكس في الوقت ذاته متانة الروابط الاقتصادية التي تتجاوز حدود التبادل التجاري التقليدي.
على الجانب الآخر، تراجعت قيمة الواردات المصرية من الإمارات إلى 1.3 مليار دولار خلال الفترة من يناير حتى يوليو 2025، مقابل 1.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2024، بنسبة انخفاض بلغت 13.3%.
وتصدرت مجموعات النحاس ومصنوعاته الواردات المصرية بقيمة 325.5 مليون دولار، تلتها الأحجار الكريمة والحُلي بـ217 مليون دولار، واللدائن ومصنوعاتها بـ194.7 مليون دولار، إضافة إلى الوقود والزيوت المعدنية بـ88.1 مليون دولار، والحديد والصلب بقيمة 91.9 مليون دولار.
ورغم هذا التراجع في الواردات، إلا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع بشكل لافت، ليصل إلى 5.4 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من 2025، مقارنة بـ3.2 مليار دولار في الفترة نفسها من 2024، بنسبة نمو بلغت 71%.
لم تقتصر العلاقة الاقتصادية بين البلدين على التجارة، بل امتدت إلى الاستثمارات المباشرة، التي تشهد بدورها نمواً مطرداً. فقد بلغت قيمة الاستثمارات الإماراتية في مصر نحو 2.2 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي 2024/2025، مقارنة بـ2.1 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام المالي السابق، بنسبة ارتفاع بلغت 4.8%.
وتتنوع هذه الاستثمارات بين قطاعات الطاقة المتجددة والعقارات والخدمات المالية والزراعة والصناعات التحويلية، ما يعكس رغبة إماراتية واضحة في ترسيخ وجود طويل الأمد داخل السوق المصرية.
في المقابل، ارتفعت قيمة الاستثمارات المصرية في الإمارات لتصل إلى 750.1 مليون دولار خلال النصف الأول من العام المالي 2024/2025، مقارنة بـ616.2 مليون دولار في الفترة نفسها من 2023/2024، بنسبة زيادة وصلت إلى 21.7%.
تلعب الجالية المصرية في الإمارات دوراً محورياً في دعم الاقتصاد المصري عبر التحويلات المالية. فقد بلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين بالإمارات نحو 1.8 مليار دولار خلال العام المالي 2023/2024، مقارنة بـ2.1 مليار دولار خلال 2022/2023.
أما تحويلات الإماراتيين العاملين في مصر، فقد سجلت 31.6 مليون دولار خلال 2023/2024، مقارنة بـ35.5 مليون دولار خلال العام السابق. ورغم تراجع الأرقام نسبياً، إلا أنها تظل مؤشراً على الروابط الإنسانية والاقتصادية المتشابكة بين الشعبين.
يري الدكتور عبد الهادي مقبل، رئيس قسم الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة طنطا، فإن هذه الزيارة ترسم ملامح شراكة استراتيجية جديدة، ترتكز على الاقتصاد كرافعة رئيسية للتقارب السياسي.
يؤكد الخبير أن التوافق السياسي بين القاهرة وأبوظبي شكّل حجر الأساس للتقارب الاقتصادي المتنامي. فغياب الخلافات الجوهرية أتاح بيئة مستقرة تعزز مناخ الاستثمار، وتدفع باتجاه توسيع المشروعات المشتركة. هذا الانسجام السياسي خلق حالة من الثقة المتبادلة، تُترجم اليوم إلى اتفاقات اقتصادية ومشروعات كبرى.
تعد الإمارات من أبرز المستثمرين العرب في مصر، حيث تمتد استثماراتها إلى قطاعات حيوية تشمل الطاقة المتجددة والعقارات والخدمات المالية والزراعة والصناعات التحويلية. هذا التنوع يعكس رغبة في بناء شراكة طويلة الأمد، قائمة على رؤية مستقبلية تتجاوز الاستثمار قصير المدى وتستند إلى المصالح الاستراتيجية المشتركة.
يشير مقبل إلى أن الإصلاحات الاقتصادية في مصر، من تحديث للبنية التحتية وتبسيط للإجراءات الاستثمارية، جعلت السوق المصرية أكثر جذباً لرؤوس الأموال الخليجية. ومع النمو السكاني الكبير وما يمثله من قوة شرائية، تصبح مصر منصة إقليمية قادرة على الانطلاق إلى أسواق أفريقيا والشرق الأوسط، ما يضاعف من أهميتها الاستراتيجية للإمارات.
لم يعد التعاون المصري الإماراتي مقتصراً على التجارة التقليدية، بل امتد إلى التكنولوجيا المتقدمة، والطاقة النظيفة، والخدمات اللوجستية، والموانئ. ويرى الخبير أن هذه المجالات ستشهد زخماً أكبر خلال السنوات المقبلة، خصوصاً مع توجه الإمارات للاستثمار في الابتكار والاستدامة، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة للتكامل الاقتصادي.
يخلص الدكتور مقبل إلى أن ما يميز العلاقات بين مصر والإمارات هو بعدها الإقليمي، حيث يسعى البلدان إلى لعب دور محوري في استقرار المنطقة وتنميتها. ومن المتوقع أن يتعزز هذا الدور عبر مشروعات استثمارية عابرة للحدود، بما يخدم ليس فقط شعبي البلدين، بل المنطقة العربية بأسرها.
زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى القاهرة لم تكن مجرد محطة بروتوكولية في سجل العلاقات بين مصر والإمارات، بل جاءت لتؤكد أن الشراكة بين البلدين باتت نموذجاً إقليمياً يحتذى به. فمع تلاقي الرؤى السياسية والاقتصادية، وتعاظم حجم التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة، يبدو المستقبل واعداً لمسار استراتيجي مشترك، قائم على التنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي.
إن ما يجمع القاهرة وأبوظبي اليوم ليس مجرد تعاون ثنائي، بل مشروع متكامل يعكس إرادة سياسية صلبة ورؤية اقتصادية طموحة، تحمل في طياتها فرصاً أوسع لمستقبل أفضل للبلدين وللمنطقة كلها.