اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
نشرت مجلة المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية تحليلا للكاتبة بقلم جوزيبي دينتيس، رصدت فيه كيف تشهد مصر في السنوات الأخيرة مرحلة دقيقة تتسم بظهور مؤشرات تعافٍ اقتصادي نسبي، لكنها في الوقت نفسه تبقى عرضة لصدمات خارجية وتواجه تحديات داخلية مزمنة.
الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة، وفقًا للتخليل، إلى جانب الدعم من المؤسسات الدولية والاستثمارات الأجنبية، ساعدت على تحقيق قدر من الاستقرار المالي، غير أن البنية الاقتصادية ما زالت بحاجة إلى مزيد من التنويع والتحديث لتقليل الاعتماد على العوامل الخارجية.
هذا الوضع يجعل مصر في موقع حساس أمام أي تقلبات في أسعار الطاقة أو الغذاء أو حتى الأزمات الجيوسياسية في محيطها الإقليمي.
وعلى المستوى الداخلي، تعمل الحكومة على إدارة الأزمة الاقتصادية والمالية عبر أهداف واضحة، منها الحفاظ على سعر صرف مرن وموحد، وضبط معدلات التضخم، وضمان توفر العملات الأجنبية اللازمة للإنتاج والمواد الأساسية.
وقد ارتفعت الاحتياطيات النقدية إلى نحو تسعة وأربعين مليار دولار في منتصف عام ٢٠٢٥، وهو ما يعادل إجمالًا قيمة ثمانية أشهر من الواردات، كما انخفض معدل التضخم إلى اثني عشر في المئة بعد أن كان قد تجاوز ثمانية وثلاثين في المئة في عام ٢٠٢٣.
هذه المؤشرات تعكس نجاحًا نسبيًا في كبح جماح الأزمة، لكنها لا تخفي الحاجة إلى معالجة بعض التناقضات البنيوية مثل ارتفاع الدين العام وضعف معدلات الادخار.
ولفتت جوزيبي دينتيس إلى أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لعب دورًا محوريًا في هذا السياق، حيث تم تمديد برنامج التمويل ليصل إلى ثمانية مليارات دولار حتى عام ٢٠٢٦، مما أعاد بعض الثقة للأسواق وساعد على دعم الإصلاحات. ورغم أن هذه الإصلاحات جاءت مصحوبة بإجراءات تقشفية أثرت على مستويات المعيشة، إلا أن الحكومة تحاول الموازنة بين الاستقرار المالي والحفاظ على السلم الاجتماعي، وهو ما يمثل تحديًا مستمرًا في ظل الضغوط الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن استمرار التعاون مع المؤسسات الدولية يعكس رغبة في تعزيز الثقة العالمية بالاقتصاد المصري ويفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات طويلة الأجل.
ومن ناحية أخرى، يعتمد الاقتصاد المصري بشكل متزايد على رؤوس الأموال القادمة من الخارج، وبصيغة أدق من دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات، اللتين ضختا استثمارات ضخمة في مشاريع سياحية وعقارية مثل تطوير منطقة رأس الحكمة على البحر المتوسط ومشاريع فاخرة على سواحل البحر الأحمر. هذه الاستثمارات ساعدت على تخفيف الأزمة مؤقتًا، لكنها في الوقت نفسه عمّقت اعتماد مصر على الخارج، وهو ما يتطلب تعزيز سياسات التنويع الاقتصادي لضمان استدامة النمو.
وفي هذا الإطار، تعمل الحكومة على تشجيع الاستثمار في قطاعات جديدة مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، لتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية.
ويمثل قطاع الطاقة، بدوره، نقطة تحتاج إلى متابعة دقيقة، إذ رغم استقرار إنتاج النفط عند نحو ستمائة ألف برميل يوميًا، فإن تراجع إنتاج الغاز الطبيعي زاد من اعتماد مصر على الاستيراد لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء.
وقد وقّعت القاهرة اتفاقًا ضخمًا مع إسرائيل لتوريد الغاز حتى عام ٢٠٤٠، بقيمة خمسة وثلاثين مليار دولار، وهو ما يضمن إمدادات مستقرة لكنه يضع مصر في موقع حساس أمام أي توترات إقليمية.
وفي المقابل، تسعى الحكومة إلى تعزيز مشاريع الطاقة المتجددة مثل محطات الطاقة الشمسية في بنبان، لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير حلول مستدامة للأجيال القادمة.
وعلى الصعيد الاجتماعي والسياسي، يظل المشهد المصري قائمًا على وعود الاستقرار والنمو، لكن هذه الوعود تتعرض لاختبارات متكررة بفعل التضخم والبطالة والقيود البيروقراطية. فالحكومة ما زالت تمثل العمود الفقري للاقتصاد، وتسيطر على قطاعات واسعة، بينما تعاني مؤسسات الدولة من البيروقراطية وتأثير الفساد الذي تكافحه الدولة بنشاط، الأمر الذي يعيق بعض محاولات التحديث والإصلاح المؤسسي.
ومع ذلك، فإن استمرار العمل على الإصلاحات وتطوير البنية التحتية يعكس رغبة في تجاوز هذه العقبات تدريجيًا، خاصة مع المشاريع الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تهدف إلى إعادة توزيع الكثافة السكانية وتحديث الخدمات.
أما على صعيد السياسة الخارجية، فإن مصر تجد نفسها أمام تحديات متشابكة: النزاع مع إثيوبيا حول سد النهضة الذي يهدد أمنها المائي، علاوة على التوترات في البحر الأحمر التي أثرت على حركة الملاحة وقناة السويس، إضافة إلى الضغوط المرتبطة بالصراع في غزة، وهو ما تعتبره القاهرة خطًا أحمر يمس أمنها القومي.
هذه الملفات تجعل مصر في وضع ينطوي على الكثير من التعقيد، حيث تضطر إلى الموازنة بين الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وبين الحفاظ على صورتها كدولة داعمة للقضية الفلسطينية في العالم العربي.
ووفقًا للتحليل تبدو مصر وكأنها تسير على حبل مشدود بين مؤشرات التعافي الاقتصادي من جهة، وبين التحديات البنيوية والضغوط الخارجية من جهة أخرى. وإذا نجحت الحكومة في معالجة هذه التشوهات وتخفيف اعتمادها على الخارج، فإنها ستتمكن من تعزيز موقعها كقوة إقليمية مستقرة، وهو ما يجعل مستقبلها مفتوحًا على فرص واعدة رغم ما يظهر من صعوبات مرحلية.
فالتوازن بين الإصلاح الاقتصادي والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي سيظل العامل الحاسم في رسم ملامح المرحلة المقبلة، وهو ما يتطلب رؤية طويلة الأمد وإرادة سياسية قادرة على مواجهة التحديات بروح من الواقعية والمرونة.


































