اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تشهد واشنطن حالة توتر استثنائية بعد خطوة مفاجئة اتخذها مدير الإدارة الوطنية للأمن النووي براندون ويليامز، الذي أصدر مذكرة شديدة اللهجة اعتبر فيها أن أي تسريب لمعلومات حساسة حول الترسانة النووية الأمريكية سيُعد خيانة مباشرة للقسم الذي أدّاه موظفو الوكالة عند تولي مهامهم. ويليامز، الذي جاء إلى منصبه في سبتمبر الماضي حاملًا خلفية عسكرية وتشريعية، اختار في الثاني والعشرين من نوفمبر توجيه رسالة غير اعتيادية إلى كبار العاملين: 'الالتزام بأمن الترسانة ليس مجرد واجب وظيفي، بل مسؤولية أخلاقية وقانونية لا تقبل التهاون'. هذه الصيغة الحازمة عكست مزاجًا عامًا داخل الدوائر الأمنية يفيد بأن مستوى التهديدات تجاوز الخطوط التقليدية وبات يتطلب إجراءات أكثر صرامة.
التحذير الجديد جاء وسط مخاوف متصاعدة من محاولات اختراق سيبرانية تستهدف البنية التحتية النووية. تقارير غربية أشارت إلى أن المذكرة وصلت إلى رؤساء المختبرات الوطنية التي تشكل العمود الفقري للبرنامج النووي الأمريكي، وتضمنت تأكيدًا واضحًا على أن الالتزام بالتعليمات “ليس خيارًا ولا اقتراحًا”، بل توجيه مباشر يفرض نفسه تحت عنوان حماية الأمن القومي. اللهجة نفسها حملت إشارات صريحة إلى أن الإدارة تعتبر الوضع الراهن مرحلة حساسة قد تفتح الباب أمام مخاطر استراتيجية لا تُحتمل إذا لم تُعالج فورًا.
وتكشفت أهمية هذا التحذير مع تسارع المعلومات حول هجمات سيبرانية نُفّذت خلال الأشهر الماضية ضد مؤسسات أمريكية شديدة الحساسية. مصادر أمنية أشارت إلى أن مجموعات قرصنة مدعومة من الصين استغلت ثغرات تقنية في بنى رقمية معقدة للتسلل إلى خوادم تستخدمها الوكالة المكلفة بتطوير وتخزين واختبار الترسانة النووية.
شركات تقنية كبرى أكدت أن الهجمات شملت أنظمة تتعلق بالإشراف والتحكم، ما أطلق إنذارات داخلية حول هشاشة بعض نقاط الحماية رغم حداثة أنظمتها. هذا الاختراق، الذي وُصف بأنه “الأخطر خلال العام”، أعاد فتح نقاش واسع حول مدى استعداد الولايات المتحدة لمواجهة حرب سيبرانية تستهدف أدوات الردع الاستراتيجي ذاتها.
ويليامز لم يكتف بالتحذير من التهديدات الخارجية، بل شدد على أن الخطر قد يكون داخليًا أيضًا. ووفقًا لتقارير أمريكية، تشك الوزارة منذ أشهر بوجود تسريبات صغيرة لكنها متكررة، يُعتقد أنها صادرة من موظفين يملكون صلاحيات وصول واسعة إلى بيانات حساسة. هذه الشكوك دفعت المدير الجديد إلى إعادة ضبط قواعد الانضباط، وتشديد العقوبات المتوقعة على كل من يثبت تورطه في تسريب، مهما كان حجم المعلومة المسربة. الرسالة التي أراد ويليامز تثبيتها واضحة: التسريب داخل المؤسسات النووية ليس مخالفة إدارية، بل تهديد مباشر لمنظومة الردع.
هذه التطورات أثارت ردود فعل واسعة في واشنطن. بعض المحللين رأوا أن المذكرة تعكس قلقًا داخليًا حقيقيًا من قدرة خصوم الولايات المتحدة على الوصول إلى أسرار الترسانة، بينما اعتبر آخرون أن اللغة الحادة تهدف إلى ردع أي موظف قد يفكر في تسريب معلومات لتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية. في الوقت نفسه، تجددت المطالب داخل الكونجرس بفتح نقاش حول إعادة هيكلة أنظمة حماية البيانات في المؤسسات النووية، وتحسين قدراتها على مواجهة محاولات الاختراق التي تتزايد بوتيرة أعلى مما كان متوقعًا.
وتشير دلالات المشهد الأوسع إلى أن حدود الصراع لم تعد تقف عند تطوير الأسلحة أو تحديث منصات الإطلاق، بل تمتد إلى الفضاء السيبراني حيث يمكن لهجوم ناجح أن يشلّ منظومة القيادة والسيطرة بأكملها. تقارير أمنية حذرت من أن واشنطن قد تكون على أعتاب “حرب باردة رقمية” مع بكين، يكون فيها الأمن السيبراني جزءًا من معادلة الردع النووي. ومع أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر منظومة نووية متطورة في العالم، إلا أن أي ثغرة رقمية قد تقلّص من ميزتها الاستراتيجية في لحظة حاسمة.
ويعكس التحذير الصادر عن الإدارة الوطنية للأمن النووي مستوى غير مسبوق من القلق داخل المؤسسات الأمريكية. ويليامز وضع إطارًا صارمًا يساوي بين التسريب وخيانة القسم، موجهًا رسالة مفادها أن أسرار الترسانة النووية خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه. وبين تهديدات الاختراق الخارجي ومخاوف الخرق الداخلي، تبدو واشنطن مضطرة إلى مراجعة عميقة لسياسات أمنها النووي في عصر تتداخل فيه التكنولوجيا مع الأمن القومي بشكل لم تعرفه الحروب التقليدية.


































