اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٦ أيلول ٢٠٢٥
انخفاض الأعداد لا يعني بالضرورة تغير القناعات والآباء المتهم الأول
منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي بدأت المؤسسات الرسمية في مصر عبر منصات الإعلام، وأبرزها في ذلك الوقت التلفزيون الوطني، تبني حملات التوعية ضد ختان الإناث، وعلى رغم أنها لا تزال مستمرة فإن بعض استطلاعات الرأي الحديثة تشير إلى أن المعتقدات لم تتغير كثيراً في هذا الشأن، فالحملات المضادة للظاهرة التي ارتبطت بالمجتمع المصري، وبخاصة الريفي، تظهر على شكل إعلانات مكثفة حيناً وعلى استحياء في أحايين أخرى.
وبينما احتفت المؤسسات المصرية المعنية الشهر الماضي بـ 'اليوم الوطني لمناهضة الختان'، أعلن 'المركز المصري لبحوث الرأي العام' (بصيرة) قبل أسبوعين أرقاماً أخرى بحاجة إلى التفنيد من أكثر من زاوية، إذ ذكر أنه حتى العام الماضي فقط فإن 30 في المئة من المصريين يرون أن ختان الفتيات يعد من تعاليم الدين، وأن 22 في المئة لم يستطيعوا تحديد موقفهم، في مقابل 48 في المئة فقط يرونه أمراً غير متعلق بالدين، أي أن أقل من النصف فقط مقتنعون بما تدعو إليه تلك الحملات التوعوية النشطة، ووفقاً لـ 'يونيسيف' فإن سبعاً من كل 10 فتيات في مصر تعرضن لخطر ختان الإناث، وذلك بحسب الأرقام المنشورة قبل نحو ثلاثة أعوام.
وتثير هذه النسب التساؤلات حول جدوى الجهود الضخمة التي بذلتها حكومات متعاقبة واشتركت فيها جهات كبرى، في إقناع الجمهور العريض بمدى الأضرار الجسدية والنفسية التي تلحق بالفتيات والنساء جراء هذا السلوك/ الجريمة، إذ اشتركت المؤسسات الدينية والصحية كذلك بقوة في تلك الحملات.
وفقاً لمقرر 'لجنة الصحة والسكان في المجلس القومي للمرأة' الدكتورة أحلام حنفي، والتي عملت على ملف الختان عقوداً طويلة، واحتكت بفئات عدة من المجتمع ولا سيما الأقل حظاً من التعليم، فإن هناك تغييرات كبيرة في عقلية الفتيات والأمهات جعلتهن يدركن خطورة هذا الإجراء ويسعين بكل الطرق إلى منعه، إذ إن مستوى التعليم وحملات التوعية والقانون الرادع من أبرز الأسباب التي غيرت المفاهيم، ولا سيما لدى سكان المناطق الريفية والشعبية، مضيفة أنه 'وفقاً لحالات كثيرة تابعتها فإن الأسر تدرك جيداً أن استفادتها من برنامج تكافل وكرامة المتعددة، وبينها المعاش الشهري، مشروطة بعدم مخالفة القانون، ونحن نبذل قصارى جهدنا لتوعيتهم بخطورة الختان وكذلك عقوبة ارتكاب تلك الجريمة، والشيء نفسه أيضاً إذا ثبت قيام المستفيد بارتكاب جريمة التزويج الباكر بحق فتياته وغيرها من الجرائم التي تجعله غير مستحق لمزايا البرنامج'.
لكن هناك نقطة تشير إليها الدكتورة أحلام مع تشديدها على أنها لا تعتقد أن نسبة من غيروا وجهة نظرها في ما يتعلق بقضية الختان في مصر تقل عن 50 في المئة، وهي أن النساء أكثر حرصاً على تطبيق القانون وعلى حماية الفتيات في محيطهن من هذه الجريمة، إذ سردت أكثر من حكاية واقعية تشير إلى أن الآباء عادة يميلون إلى إجراء عملية الختان لبناتهن بينما زوجاتهن يقفن بالمرصاد، ويرفضن تعريض بناتهن للمعاناة التي تجرعنها.
وكذلك قالت العميد السابق لكلية طب المنصورة الدكتورة نسرين صلاح عمر إنها لمست أيضاً هذه الأفكار لدى الشباب في مقتبل العمر حينما عملت على ملف ختان الإناث قبل أعوام، وكان يجري حينها تنظيم حملات توعوية من قبل الأطباء والمتخصصين في أماكن تجمعات الشباب والمدارس، مضيفة أن الأزواج والمقبلين على الزواج كانوا مستهدفين بتلك الحملات لأن لديهم معتقدات بضرورة الارتباط بفتاة أجريت لها عملية الختان، وفقاً لقناعة مغلوطة تتعلق بمصطلحات مثل العفة والطهارة، وهي الفكرة التي تتفق معها نتائج كانت قد نشرها 'الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء' في مجلته نصف السنوية التي صدرت الشهر الماضي، ومما جاء فيها أن هناك ارتفاعاً في نسبة الذكور الذين لم يسبق لهم الزواج والذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة والذين يعتقدون أن الختان من تعاليم الدين ويزيد عفة البنات، ويرون أيضاً أن الأزواج يفضّلون الزواج من فتاة جرى ختانها، وكان من هؤلاء الرجال محاسب يعمل في شركة متوسطة ويعيش في منطقة المعادي جنوب مدينة القاهرة، وقد دخل في سجال طويل مع زوجته التي أصرّت على عدم تعرض ابنتها لعملية الختان، بينما الأب أدخل الأهل والأقارب في النقاش لمحاولة إقناعها.
تحكي الزوجة أن 'الموقف كاد أن يدمر زواجنا، فأنا أعمل في مجال الإدارة بمؤسسة طبية ولدينا دخل معقول أنا وزوجي، وعلى رغم أنه يبدو منفتحاً ويعشق ابنتيه لكنه متمسك بعادات اكتسبها من أصوله الريفية حيث عاش معظم طفولته وشبابه، فمنذ أن أتمت ابنتنا الكبرى الـ 10من عمرها وهو يصر على أن يجري لها الجراحة لدى طبيب، متحججاً بأن الطبيب هو من سيقرر الجراحة من عدمه، فيما تمسكتُ بألا نعرض ابنتنا للتجربة أبداً ولن نستشير طبيباً، وكذلك حاول بعض أهله إقناعي لكنني هددت بطلب الطلاق'.
الأم التي نجحت بصعوبة في تجنيب ابنتها هذا الموقف عرّضت استقرارها العائلي للخطر، كما أن الحال تشير إلى أن التعليم والتحقق المهني قد يلعبا دوراً، لكن على ما يبدو أن هذا الدور الإيجابي مرتبط بعقلية النساء بصورة أكبر كونهن هن من يتأثرن في حياتهن الزوجية بسبب هذا الإجراء، وقبل ذلك يعشن تجربة مؤلمة بدنياً، بينما قد يظل الرجال متمسكين بتلك الأفكار ولا سيما المنحدرين من عائلات اعتادت على هذا الإجراء كطريقة، من وجهة نظرهم، لتحجيم الرغبة الجنسية لدى النساء.
وهذا هو الرأي الذي تؤكده إحدى الفاعلات في هذا الملف بوزارة الصحة والسكان مفضلة عدم الكشف عن اسمها، قائلة إنه شائع وبقوة، ومؤكدة أن 'حتى إذا قالت الأرقام إن هناك انخفاضاً في عمليات الختان التي تجرى في مصر فإن التفكير نفسه لا يزال موجوداً'، وموضحة أن نسبة كبيرة من الناس يعتقدون بأهمية إجراء هذه العملية المرفوضة على رغم أنهم قد يمتنعون من إجرائها لبناتهم خوفاً من العقوبة القاسية أو حتى بسبب المضاعفات الطبية الخطرة التي قد تؤدي إلى التشوهات والوفاة، متابعة أن 'هذه أمور لا تغير من قناعتهم المترسخة شيئاً حتى وإن لم تدعمها الأفعال'.
ومع ذلك لفتت الطبيبة في ملف الطفولة والأمومة إلى أنه مقارنة بما كان يحدث قبل عقود مضت، حين كان 90 في المئة من الفتيات يجري ختانهن، فإن تقلص تلك النسبة خلال الأعوام الأخيرة يشير إلى أن هناك تطوراً يحدث وإن كان يجب أن يقترن برغبة حقيقية في تغيير الأفكار، وتابعت أن 'التوجهات الفكرية هي الأكثر خطورة، فقد تظل قابعة وتخرج مع أول فرصة للتهاون في تنفيذ القانون، ووفقاً لطبيعة الشعب المصري فالأفضل أن يجري التركيز بصورة أكبر على رجال الدين المسيحي والإسلامي، وأن يأخذوا على عاتقهم إنقاذ المجتمع من تلك العادة، بخاصة أن كُثراً منهم كانوا ينادون بتطبيق عادة الختان على مدى أعوام طويلة سابقة، ولهذا لقد آن أوان أن يصححوا هذا الخطأ لأنهم الفئة الأكثر تأثيراً'.
وبحسب النسب التي أعلنها 'الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء' في نهاية عام 2022 فإن هناك سبعة في المئة انخفاضاً في عدد المختونات خلال عام 2021 مقارنة بعام 2014، وتظهر البيانات أن الفتيات المختونات اللاتي يقعن في الفئة العمرية ما بين خمسة و19 عاماً تزيد نسبتهن فقط على 14 في المئة بقليل، بينما من يقعن في الفئة ذاتها ويتوقع ختانهن فنسبتهن تصل إلى 27 في المئة في مقابل 56 في المئة خلال عام 2014.
وفي بيانات سابقة للجهاز أشار إلى أن هناك انخفاضاً ملاحظاً في الأعداد بالفعل، وإن كان الأمر يختلف وفقاً للمناطق الجغرافية، إذ إن النسب أكثر ارتفاعاً في ريف الوجه القبلي مقارنة بالحضر، إضافة إلى تأثرها بعوامل دينية وثقافية وتعليمية، فالأكثر تعليماً ووعياً يتخذن قرارات عدم الختان، باعتبار أن التعليم يلعب دوراً محورياً في هذا الأمر.
وحملات التوعية ضد الختان مستمرة منذ عقود في مصر، وخلال الفترة الأخيرة برزت شعارات مثل 'احميها من الختان'، و'بالطو أبيض ضد الختان' و'العنف يبدأ بفكرة بالوعي نقدر نغلبها' التي وقفت وراءها جهات متخصصة عدة، وبينها منظمات النساء والأطفال في مصر ووزارة التضامن الاجتماعي، وكذلك يعتبر صندوق الأمم المتحدة للسكان شريكاً أساساً في حملات مناهضة الختان، إذ أثنى الصندوق على وسيلة طرق الأبواب كمحور مهم في محاور تلك الحملات، مشيراً إلى أنه جرى طرق الأبواب المناطق الريفية بـ 26 محافظة خلال عام 2019، من خلال التحاور مع مليوني مستهدف مستفيد غالبيتهم من النساء والأطفال، بينما لم يتجاوز عدد الرجال وفقاً للأرقام الرسمية الـ 422 ألفاً.
ولا تزال توجد فئة تشكك في علماء الدين أنفسهم لمجرد أنهم يؤكدون أن هذه العملية ليست من الدين في شيء، وذلك على رغم أن الختان يجمع المسلمات والمسيحيات في مصر على السواء، ووفقاً لمعلمة أربعينية، فهي لا تزال تعالج حتى الآن من صدمات نفسية جراء جراحة الختان التي أجريت لها بطريقة بدائية تماماً في المنطقة الشعبية التي عاشت بها طفولتها، لافتة إلى أنها كمسيحية وصديقتها المقربة كمسلمة تعرضتا للموقف الصعب ذاته في اليوم نفسه، إذ دخلت بعدها في حال صعبة بسبب الألم البدني الذي تحوّل إلى ألم نفسي دائم وكوابيس متكررة، مضيفة أن 'الموقف تغير الآن وأصبحت غالبية دائرة معارفي من النساء في الديانتين يدركن الأخطار جيداً، ويقفن بالمرصاد لمن يحاول إعادة هذا السلوك من جديد'.
وكذلك فهناك فريق يعتقد أنه يجب الاحتكام إلى رأي الطبيب، فإذا أقرّ بضرورة إجرائها ينبغي الالتزام بما قاله، إذ إنه لا يزال بعض الأطباء، ولا سيما في القرى، يجرون تلك الجراحة بصورة مستمرة، وعادت تتردد الفتيات في الإبلاغ عن الطبيب أو حتى عن ذويهن خوفاً من الاشتباكات العائلية فيفضلن الصمت، فيما تخرج بعض القضايا للعلن حينما يصل الأمر إلى تشوه جسدي أو فقدان الحياة، وهنا تتعلم الأسرة ومن حولها الدرس بالطريقة الأكثر صعوبة وتأثيراً.
تقول إحدى فتيات أسرة تعيش داخل قرية صغيرة في صعيد مصر، إن جميع أفراد عائلتها الكبيرة باتوا يعادون الختان بعدما كان عادة متأصلة حتى سبعة أعوام مضت، مؤكدة أن السبب هو حال الهلع التي أصابت الأسرة بعدما تعرضت إحدى القريبات وهي في الـ 11 من عمرها لمضاعفات خطرة بسبب هذا الإجراء، لافتة إلى أنها كادت تفارق الحياة وأصيبت بتشوهات جعلتها تكره كل من تسبب لها في هذه الحال، مؤكدة أن والد الفتاة هو الذي أصر على هذا الأمر، بينما والدتها كانت ترفض أن تذوق ابنتها الألم نفسه الذي ذاقته وهي في عمرها، ومضيفة أنه 'بسبب الترابط العائلي الشديد في مجتمع الصعيد فالجميع تأثر بالموقف، وعلى رغم إيجابية النتيجة، لكن الحدث كان مخيفاً وظل الجميع أسبوعين في حال رعب حتى تحسنت حال الفتاة'.
وفي المقابل أيضاً فهناك اتجاه آخر يؤكد أن هناك تحولاً ما في القناعات والأفكار، لكن مع ذلك تعتقد الأستاذ بكلية الطب جامعة المنصورة نسرين صلاح عمر، أن التغييرات في التوجهات في ما يتعلق بعملية الختان كبيرة، وربما تفوق الـ 50 في المئة بكثير، إذ أثنت على التشريع القانوني الذي تعتبره رادعاً، وأيضاً بدور شيوخ الأزهر، وكذلك الكنائس في حملات التوعية، إضافة إلى الحملات التي تسهم بها منظمات الأمم المتحدة و'المجلس القومي للمرأة' ووزارة الصحة.
وقديماً كانت الآراء الدينية المتداولة متذبذبة وغالبيتها كانت تروّج للختان كعادة يدعمها الدين، وكذلك كانت العقوبات التي أقرّها القانون ضعيفة وغير رادعة، إلا أنه على مدى العقد الماضي توالت الأنباء القادمة من المؤسسات الرسمية، وبينها قبل نحو ثمانية أعوام، إذ جرى الإعلان عن 65 قرية مصرية خالية من ختان الإناث، فيما المستهدف كان ضعف هذا الرقم تقريباً.
وتوالت أيضاً الجهود التي تبنتها منظمات مثل 'يونيسف' ووزارة الصحة والسكان و'المجلس القومي للمرأة' و'المجلس القومي للأمومة والطفولة' و'اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث' و'وزارة التضامن الاجتماعي'، لكن التحول النوعي حدث قبل خمسة أعوام مع الإلحاح بحملات تشرك المؤسسات الدينية بشكل أكثر قوة تزامناً مع تصريحات رسمية من شيخ الأزهر أحمد الطيب و'مجمع البحوث الإسلامية'، بتأكيد أن تلك العادة المستهجنة ليست من الدين مع وصفها بأنها ضارة، ثم في عام 2021 جرى تغليظ عقوبة ختان الإناث لتصل إلى سبعة أعوام لغير العاملين فير القطاع الطبي والمتورطين في هذه الجريمة، وقد تصل إلى 10 في حال وفاة الحالة، فيما تصل إلى 20 عاماً إذا كان مرتكب الجرم عاملاً في القطاع الطبي.