اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
وجّه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تحذيرًا صامدا وغير مسبوق مؤخرًا، مؤكدًا أن العاصمة طهران لم تعد قادرة على تحمّل أزمة المياه الخانقة التي تجتاحها، وأن بلاده قد تضطر إلى نقل العاصمة إلى مناطق أخرى أكثر وفرة في المياه. وأوضح أن الاستمرار في الوضع الراهن سيقود إلى “كارثة وطنية لا رجعة فيها”، في إشارة إلى تراجع المخزون المائي وتدهور البنية التحتية للسدود، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.
انهيار المنظومة المائية في قلب البلاد
تعاني طهران منذ سنوات من أزمة مائية مركبة، غير أن المؤشرات الحالية تكشف أن الوضع تجاوز مرحلة التحذير إلى حافة الانهيار الكامل. فالهطول المطري تراجع إلى أدنى مستوياته منذ نصف قرن، إذ انخفض المعدل السنوي من نحو 260 مليمترًا إلى أقل من 100 مليمتر فقط، فيما هبطت مستويات السدود إلى ما بين 12 و20 في المئة من قدرتها التخزينية. ويشير خبراء البيئة إلى أن العاصمة، التي تضم أكثر من 15 مليون نسمة، تستهلك ربع موارد المياه الوطنية تقريبًا، في ظل توسع عمراني عشوائي وطلب متزايد على الزراعة والصناعة والخدمات.
لكن المشكلة لا تقف عند حدود الندرة، بل تمتد إلى هبوط أرضي خطير ناجم عن الإفراط في سحب المياه الجوفية، حيث تسجل مناطق واسعة من العاصمة هبوطًا في التربة بمعدل 30 سنتيمترًا سنويًا، ما يهدد سلامة المباني وشبكات الطرق والأنفاق. وباتت بعض أحياء طهران أقرب إلى قشرة جافة فوق فراغ مائي آخذ في الانهيار.
الجنوب... الوجهة المحتملة لعاصمة جديدة
تبحث الحكومة الإيرانية اليوم خيارات متعددة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من بينها نقل العاصمة إلى الجنوب، قرب السواحل المطلة على الخليج الفارسي. ويعزو الخبراء هذا التوجه إلى عاملين رئيسيين: القرب من مصادر المياه المالحة التي يمكن تحليتها بسهولة نسبيًا، ووفرة الأراضي المناسبة لإنشاء مدينة حكومية حديثة ذات طابع اقتصادي وتجاري متطور.
وتشير بعض التقارير إلى أن منطقة مكران الساحلية مرشحة بقوة لتكون الوجهة الجديدة للعاصمة، لما تملكه من موقع استراتيجي وإمكانات للنمو. لكن هذه الخطط، رغم جاذبيتها النظرية، تواجه عقبات سياسية واقتصادية هائلة، إذ يتطلب تنفيذها استثمارات بمليارات الدولارات، فضلًا عن سنوات طويلة من البناء والإعداد.
جدل داخلي بين إملاءات الواقع والرمزية
إلى جانب الصعوبات التقنية، تواجه فكرة نقل العاصمة مقاومة داخلية واسعة. فطهران ليست مجرد مركز للحكم، بل رمز للهوية الإيرانية الحديثة، وموطن لمعظم المؤسسات السيادية والشركات الكبرى. يرى معارضو الخطوة أن الأزمة يمكن احتواؤها من خلال إصلاحات جذرية في إدارة المياه، تشمل تقليص الاستهلاك الزراعي، وتحسين شبكات التوزيع، وإطلاق مشاريع واسعة لتحلية المياه وإعادة استخدامها، بدلًا من مغادرة العاصمة التاريخية.
لكن فريقًا آخر يرى أن الوضع تجاوز مرحلة “الترقيع”، وأن الحل الحقيقي يكمن في إعادة توزيع النمو السكاني والاقتصادي بعيدًا عن طهران المكتظة والمهددة بالعطش والانهيار الأرضي.
أزمة بيئية أم تحدٍّ سياسي؟
تضع هذه الأزمة الحكومة الإيرانية أمام امتحان مزدوج: بيئي وسياسي في آن واحد. فمن جهة، تبدو البلاد على أعتاب تحول مناخي قاسٍ يقلص مواردها الطبيعية، ومن جهة أخرى، تواجه القيادة انتقادات متزايدة بشأن سوء الإدارة وتجاهل التحذيرات العلمية على مدى سنوات. ويرى محللون أن طريقة تعامل طهران مع هذه الأزمة ستكشف عن مدى قدرتها على اتخاذ قرارات استراتيجية جريئة في وقت تضغط فيه الأزمات الاقتصادية والعقوبات الدولية.
لم تعد أزمة المياه في إيران قضية تنموية فحسب، بل تهديدًا وجوديًا يمس بقاء العاصمة نفسها. ومع أن فكرة نقل العاصمة قد تبدو بعيدة المنال اليوم، إلا أن الواقع الجاف يقترب بسرعة من فرضها كأمر لا مفر منه، وقد تتحول طهران من مدينة فوق الجبال إلى مدينة بلا ماء في زمن ما.