اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
موقف مر عليَّ بينما كنت أمشي مترجلًا بأحد شوارع مدينة الزقازيق، وتحديدًا أمام أحد صالونات الحلاقة، حيث لاحظت إحدى الأمهات وهي تحتد على شاب صغير، أثناء قيامه بأعمال النظافة خارج الصالون، يبدو أنه يعمل 'صبي' حلاق،، وذلك لقيامهم بقَص شعر ابنها قَصة غير مناسبة أغضبتها كثيرًا، فقالت معاتبة له: 'انت بتطاوعه ليه، كدا هيطردوه من المدرسة - ودا طفل مش فاهم حاجة' ثم أكملت أنا طريقي عابرًا، وبالطبع لم أسمع رد هذا الشاب على الأم المحتقنة، لكنه أظهر لغة جسد تعبر عن إخلاء مسئوليته فيما يخص اختيارات واذواق الزبائن.
ومنذ عدة شهور طفت على سطح صيحات موضة قَصات الشعر، وانتشرت بين فئتي الأطفال والشباب، قَصة ليست بالجديدة عالميًا تسمى 'موليت'، يظهر فيها الشعر قصيرًا من الأمام والأجناب أو متدرجًا، فيما يتم إطالته من خلف الرأس ليكون متدليًا قدر الإمكان حتى الرقبة، وارتبطت تلك التصفيفة بجملة شهيرة بالإنجليزية هي ' ('Business in the front, party in the back')، وترجمتها، 'عمل من الأمام، وحفلة من الخلف'، أي أنها تدل على شكل جبهة رسمية تناسب تعاملات الإنسان الجادة بالعمل، ومظهر خلفي احتفالي عابث.
واللغط المثار في الوقت الراهن حول 'الموليت' ما بين آراء مؤيدة، تعلل ذلك التأييد بأن القَصة عادية، لا تتخطى كونها صيحة مبهجة ذو أبعاد تاريخية، تعود للحضارات القديمة، وتؤكد بأنها ذُكرت بنصوص الحضارة الإغريقية، كان الهدف منها هو حماية رقبة المحارب من البرد بإطالة شعره من الخلف وتدليه، بينما ترى الآراء المعارضة أسبابًا كثيرة هي بوجهة نظري الأكثر إقناعًا،، يأتي في مقدمتها أن ديننا الإسلامي نهى عن 'القَزَعِ'، كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه بحديث متفق عليه، فلا يجب حلق بعض الرأس وترك بعضه الآخر، تمامًا مثل 'الموليت'، كما أن هناك سببًا آخر لا يقل أهمية عن الأول، يدعم حالة الرفض الشديدة لهذه الحلقة بمجتمعنا الشرقي المحافظ، كونها رمز للتمرد وحرية التعبير والتحرر الغربي المرتبط بالشذوذ الجنسي أيضًا.
في النهاية عزيزي القارىء سنجد أنفسنا أمام صراع جدلي كبير بين جيلي الأطفال والمراهقين من جهة، الذين لا ينفكون عن مواكبة العصر الحديث، بكل ما فيه من مستجدات جدية وعبثية، ولا يملون من تقليد المشاهير بأي مجتمع وفي كل شيء - وبين الآباء والأمهات بفطرتهم التي تميل لنتائج ومخرجات الأجيال المحافظة التي عاصروها، وتعلموا منها الفضائل والتوازن والإستقامة من جهة أخرى - لذا فإن ردود أفعال أبطال قصتنا الذين جسدوا هذا الصراع بمقدمة المقال، سواء الأم المتأذية من ظهور طفلها بحلاقة شعر غير منضبطة، أو صبي الحلاق الذي أبدى تعجبًا من إلقاء اللوم على الصالون الذي يعمل به، معتبرًا أنه لا يملك إلا تلبية رغبة الزبائن،، هذا كله يجعلنا نرى حقائق واضحة أمامنا، تتلخص في أن المسؤولية تجاه بناء أجيال تمثل عصب المجتمع، هي ملقاه بكل تأكيد على عاتق الجميع، ليست وزارة التربية والتعليم وحدها، أو متابعة الآباء والأمهات لتصرفات أبنائهم وتصويبهم بالبيت وخارجه، أو صالون الحلاقة الذي يجب أن يرفض الخروج عن إطار الذوق العام والعادات والتقاليد، وكذلك الفنان الذي يقدم إبداعًا ملهمًا لا إسفافًا أو تغييبًا، بل كل هؤلاء مسئولون أمام الله.


































