اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٦ أيلول ٢٠٢٥
يصف أشخاص تجربتهم بعد صدور الحكم ضدهم بـ'المعاناة وانتقاص من رجولتهم' ومتخصصون يحذرون: يعيشون تحت وطأة ضغوط نفسية عدة
'كنت أختبئ من نظرات الجميع، فضّلت العزلة وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى، تفادياً للسخرية والتنمر'، كلمات عبّر من خلالها الشاب الثلاثيني محمد إمبابي (اسم مستعار) عن واقع تجربته التي يعانيها منذ خسارته معركته القضائية أمام زوجته وصدور حكم بخلعه قبل ثلاثة أعوام، على أثر خلافات أسرية نتيجة رفضه السماح لها بالعمل، وتدخلات أسرة زوجته المتكررة في حياتهما الشخصية.
يعود إمبابي، الذي يعمل محاسباً مالياً بإحدى الشركات الخاصة، بذاكرته للوراء، متذكراً تفاصيل تلك التجربة ولحظة نطق قاضي محكمة الأسرة بأشمون بمحافظة المنوفية (شمال مصر) الحكم بتطليق زوجته لينهي زواجاً استمر 54 يوماً فقط، 'بلغ العناد ذروته بيننا آنذاك، رفضت كل حلول ووساطات الانفصال بصورة ودية، لجأت إلى رفع ثلاث دعاوى قضائية ضدي، اثنتين منهما طلاق بالضرر وخسرتهما، والثالثة خلع دامت 9 أشهر بالمحكمة، وتذرعت أمام القاضي بأنها تخشى ألا تقيم حدود الله وربحت القضية'.
يمضى في حديثه، 'شعرت عقب النطق بالحكم، وكأنني مثل شخص يسير عارياً في الطرقات، انقلبت حياتي رأساً على عقب، وأصبح الحكم بمثابة كابوس يطاردني في كل مكان'، مضيفاً 'كان أكثر ما يشغل ذهني آنذاك هو كيفية مواجهة المجتمع بعدما أصبحت شخصاً موصوماً بموجب هذا الحكم، عانيت ضغوطاً نفسية هائلة، كنت أشعر أن الحكم بمثابة طعن وانتقاص في رجولتي، بخاصة أنني فلاح، وأعيش في مدينة لها خصوصيتها وعاداتها وتقاليدها، وتعتبر هذا الأمر بمثابة فضيحة للرجل'.
تشير بيانات إحصاءات الزواج والطلاق لعام 2023، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) إلى أن الخلع سجّل أعلى نسبة حكم بين الأحكام النهائية للطلاق، إذ بلغ عدد الأحكام الصادرة به نحو 8 آلاف و684 حكماً بنسبة 81.3 في المئة من جملة الأحكام النهائية، وبلغ إجمال عدد حالات الطلاق نحو 265 ألفاً و606 حالات عام 2023، مقابل 269 ألفاً و834 حالة عام 2022 بنسبة تراجع بلغت 1.6 .في المئة.
حال الرجل الأربعيني سعيد عبدالنبي (اسم مستعار)، لا تختلف كثيراً عن إمبابي، إذ تعرض أيضاً لأزمة نفسية عقب صدور حكم من قاضي محكمة الأسرة بالشرابية بتطليق زوجته بسبب خلافات أسرية حول مصروفات المنزل وعمل الزوجة، مما أجبره على الاستعانة بأحد الأطباء النفسيين للتخلص من تبعات الحكم الصادر.
يقول عبدالنبي، 'تعرضت لسخرية واستهزاء من بعض أفراد عائلتي وزملائي بالعمل، كنت أعتبر لقب المخلوع نوعاً من السباب لي، خشيت أن يمتد الأمر إلى ابنتي الوحيدة، وأن تتعرض لأزمة نفسية جراء تنمر زملائها بالمدرسة، وأن تتضرر في حياتها المستقبلية'.
لم يخف عبدالنبي، الذي يقطن حي شبرا (شمالي القاهرة)، ويعمل موظفاً بأحد المستشفيات الخاصة، خلال حديثه إلى 'اندبندنت عربية'، ضيقه من القانون، مردفاً 'للأسف، أشعر أن قانون الخلع ينصف المرأة على حساب الرجل، ويمنحها كامل حقوقها، فيما يعيش الرجل معاناة نفسية وتُهدر كل حقوقه الشرعية والقانونية، إذ نزع القانون عنا الحق في الدفاع والإثبات والحق في الطعن على الحكم، كما تجبرنا المحكمة على الخلع إذا طالبت الزوجة وأصرت عليه ورفضت جلسات تسوية المنازعات'.
كانت الصدمة الأكبر بالنسبة إلى عبدالنبي حينما أقامت زوجته احتفالاً بحصولها على حكم طلاق بـ'الخلع' ونشرت صوراً عبر منصات التواصل الاجتماعي، ليقرر الانتقام منها بالتشهير بها عبر صفحاته الشخصية، ليثبت أحقيته في تلك القضية، قبل أن يتراجع مستجيباً لنصيحة أحد زملائه حفاظاً على مشاعر ابنته وخشية على مستقبلها وحتى يتمكن من رؤيتها بانتظام، ولا تقف طليقته عائقاً في سبيل تمكينه من ذلك.
حاول عبدالنبي التأقلم والتكيف مع الحكم، إلا أنه كان يشعر بصعوبة الأمر، لا سيما في الفترات الأولى، حتى استجاب لنصيحة طبيبه المعالج بضرورة البحث عن حافز جديد سواء بالدخول في علاقة زواج جديدة أو تجربة عملية مختلفة.
أيضاً لم يجد طلعت مصطفى (42 سنة)، وسيلة موائمة للانتقام من طليقته بعد انتصارها في معركتها القضائية بحصولها على حكم خلع من محكمة الأسرة بمصر الجديدة بعد نزاع دام ستة أشهر نتيجة اعتداءات لفظية وبدنية وتدخلات والدتها المستمرة في أمورهما الشخصية، سوى الارتباط بزوجة أجنبية تصغره في العمر تسع سنوات، لاستثارة مشاعر الغيرة لدى زوجته السابقة ورغبة في نسيانها، قائلاً 'شعرت بالارتياح نسبياً، وكأنني استعدت رجولتي من جديد بعدما كنت مخدوعاً فيها ووجهت صفعة لها'.
لجأ مصطفى، الذي يقطن منطقة عين شمس (شرق العاصمة المصرية القاهرة) ويعمل موظفاً بإحدى شركات العقارات، إلى استغلال صفحاته الشخصية عبر منصات التواصل الاجتماعي لإعلان زيجته الجديدة وعرض منشورات وصور متكررة لهم، لتأكيد دخوله في حياة أخرى مع زوجته الجديدة ورغبته في إنجاب أبناء، إضافة إلى ذلك، حاول البحث عن فرصة عمل إضافية كي تشغل وقته وتجعله ينسى سريعاً آلام التجربة السابقة وأوجاعها.
تتطابق الآراء السابقة مع رؤية رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي الدكتور ممتاز عبدالوهاب، عن مدى المعاناة النفسية التي يتعرض لها غالبية الرجال الصادرة بحقهم أحكام بـ'الخلع'، قائلاً 'هؤلاء المخلوعون يعيشون تحت وطأة ضغوط نفسية هائلة، لأنهم يعتبرون ما حدث لهم يُشكل طعناً في رجولتهم، كما أن المجتمع يتعامل معهم بنوع من السخرية والتنمر بصورة تُفاقم معاناتهم، وتُسبب لهم مشكلات نفسية كثيرة، مثل أمراض القلق والاكتئاب والشك التي تختلف حسب شخصية كل منهما'.
وفق عبدالوهاب فإن بعض الرجال المخلوعين يتحول الأمر لديهم بعد خسارة نزاعهم القضائي أمام زوجاتهم إلى 'دافع الشعور بالانتقام، متمثلاً في عدم سداد مصروفات أبنائهم المعيشية والدراسية أو التشهير بالزوجة عبر وسائل وطرق مختلفة كوسيلة للدفاع عن رجولته وشهامته'، مشيراً إلى أن هؤلاء الأشخاص يكونون بحاجة إلى استعادة اتزانهم النفسي سريعاً مما يتطلب خوض حياة جديدة، إما بالدخول في علاقة ارتباط أخرى لتجاهل العلاقة السابقة أو الحصول على دعم نفسي من الأسرة والأصدقاء، أو خوض تجربة عملية جديدة.
توافقه الرأي أستاذ مناهج الاجتماع بجامعة عين شمس الدكتورة عزة فتحي، قائلة 'حكم الخلع يمثل تدميراً اجتماعياً ونفسياً لكثير من الرجال المخلوعين، نظراً إلى أن المجتمع بطبيعته يحكم على الأمور من منظور ذكوري، لذا يصبح هؤلاء الأشخاص عُرضة للوصم في المجتمع المحيط بهم سواء على مستوى الجيران أو أفراد الأسرة أو الزملاء بالعمل'، مؤكدة أن 'صورتهم الاجتماعية تهتز كلياً، ويعيشون حياة بائسة نوعاً ما، ويشعرون أنهم تلقوا خنجراً لمجرد استغناء الزوجة عنهم'.
وقبل أعوام طالب بعض نواب البرلمان المصري بإلغاء المادة الخاصة بالخلع من قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 باعتبار أنه يمكن المرأة من التخلص من الحياة الزوجية بإرادة منفردة دون رقيب ودون أدنى اعتبار لحقوق الأسرة والمجتمع، ليواجه بأصوات وحملات نسائية رافضة إلغاء القانون باعتباره أحد مكتسبات المرأة التي لا يمكن التنازل عنها.
وتعتقد عزة، خلال حديثها إلى 'اندبندنت عربية'، أن منصات التواصل الاجتماعي أسهمت في تنامي معدلات السخرية والتنمر من الرجال المخلوعين، لا سيما في ظل ظهور ما يُسمى بحفلات 'المُكايدة' التي تقام على شرف هزيمة الرجل في نزاعه القضائي أمام الزوجة، مؤكدة أن وصم 'الخلع' يطارد الرجل والزوجة والأبناء أيضاً، فجميعهم يجنون ثمار تلك التجربة المريرة، إذ يشعر الرجل بانتقاص رجولته وشهامته بسبب الحكم الصادر ضده، فيما ينظر البعض للزوجة باعتبارها معيبة كونها غدرت بزوجها، لذا لا تؤتمن على الزواج من آخر، بينما يضيع الأبناء في تلك المتاهة.
وتوضح أستاذ الاجتماع أن قضايا الخلع تختلف حسب طبيعة البيئة المحيطة، إذ تعتمد المدن والحضر على ما يُسمى بـ'الإبهام الذاتي' فلا أحد يعرف شيئاً عن الآخر إلا إذا جرى التشهير به عبر 'السوشيال ميديا'، ويصبح الأمر أمام مرأى ومسمع من الجميع، أما في الريف والصعيد فيتحوّل الأمر إلى 'فضيحة' ويمتد التنمر ليصل إلى مكان الأبناء في المدارس والآباء في العمل ومحيط السكن.
وفي شأن تعامل القانون مع تلك القضايا، يجزم المحامي المتخصص في شؤون الأسرة علي صبري عسكر، بأن غالبية حالات الطلاق بالمحاكم في الوقت الحالي هي أحكام بالخلع، مرجعاً ذلك إلى أن حالات الطلاق بالخلع 'لا تستغرق وقتاً طويلاً بالمحاكم، وتعتبر من القضايا المضمونة لمصلحة الزوجة'.
ويضيف عسكر، 'كثير من الزوجات يصعب عليهن إثبات التعنيف ضدهن في الطلاق بالضرر فيفضلن الخلع، إذ يكفي الزوجة فقط أن تذكر أن لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية، بسبب خشيتها ألا تقيم حدود الله، أو أنها غير مرتاحة للزيجة، أو أنها متمسكة بالانفصال، عكس دعاوى الطلاق للضرر التي تستمر أعواماً في درجات التقاضي من حكم أول درجة واستئناف والطعن'.
وألزمت المادة (20) من القانون رقم 1 لسنة 2000 في شأن تنظيم بعض أوضاع التقاضي وإجراءاته في مسائل الأحوال الشخصية، أنه 'للزوجين أن يتراضيا في ما بينهما على الخلع فإن لم يتراضيا عليه، وأقامت الزوجة دعواها بطلبه، وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية وردت عليه مؤخر الصداق الذي أعطاه لها حكمت المحكمة بتطليقها عليه ولا تحكم المحكمة بالتطليق الخلع إلا بعد محاولة الصلح بينهما وندب حكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر'.