اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
في تصعيدٍ نوعيٍّ جديدٍ للحرب السيبرانية بين إيران وإسرائيل، أعلنت مجموعة قرصنة تُعرف باسم 'جبهة الدعم السيبراني'، والمرتبطة بشبكات إلكترونية إيرانية، عن نجاحها في اختراق أنظمة شركة 'مايا' الإسرائيلية، وهي شركة متخصصة في تصنيع المكونات الإلكترونية والميكانيكية التي تُستخدم في التطبيقات المدنية والطبية والعسكرية.
هذا الاختراق، الذي جرى الإعلان عنه من خلال فيديو مصوّر نُشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، كشف عن وثائق وتصاميم ومراسلات داخلية تتعلق بنظام الدفاع الليزري الإسرائيلي المتطور المعروف باسم 'الشعاع الحديدي' (Iron Beam)، إلى جانب مشاريع أخرى حساسة تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وفقًا لصحيفة إسرائيل هيوم.
تسريب بيانات استراتيجية: ما وراء الصور والمخططات
وبحسب ما نقلته صحيفة إسرائيل ناشيونال نيوز، فإن القراصنة تمكنوا من الوصول إلى ملفات مصنفة وسرية تتعلق بنظام 'الشعاع الحديدي'، الذي يُعد من أكثر مشاريع الدفاع الجوي تقدمًا في إسرائيل. وأظهر الفيديو المسرّب تصاميم هندسية ومخططات تشغيلية ومراسلات داخلية بين الشركة ووزارة الدفاع الإسرائيلية، فضلًا عن عقود تعاون عسكري بين إسرائيل ودول غربية مثل أستراليا.
هذه الوثائق، التي وُصفت بأنها حساسة للغاية، تُشير إلى أن الاختراق لم يكن سطحيًا، بل امتد إلى البنية التقنية العميقة للمنظومات الدفاعية الإسرائيلية.
ووفقًا لصحيفة إلكه التركية، فقد نشر القراصنة جزءًا من هذه الوثائق على الإنترنت، مهددين بكشف المزيد من المعلومات في حال استمرار التعاون بين شركة 'مايا' ووزارة الدفاع الإسرائيلية.
وشملت البيانات المسرّبة أيضًا معلومات عن أنظمة استطلاع للطائرات المسيّرة ومكونات صواريخ كروز ومخططات دفاعية جوية، بالإضافة إلى وثائق تطوير إلكترونية للتحكم بالمنصات الدفاعية. هذه التسريبات، بحسب الخبراء، تمثل اختراقًا نوعيًا للبنية الدفاعية الإسرائيلية، نظرًا لما تحتويه من تفاصيل تتعلق بالقدرات التكنولوجية والبرامج العسكرية الحساسة.
'الشعاع الحديدي': مشروع التفوق الليزري في مهبّ الريح
يُعتبر نظام 'الشعاع الحديدي' ركيزة أساسية في منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية متعددة الطبقات، حيث يعتمد على شعاع ليزري عالي الطاقة لاعتراض الطائرات المسيّرة والصواريخ قصيرة المدى.
وتُروّج إسرائيل لهذا النظام منذ سنوات باعتباره الحل الاقتصادي البديل لمنظومات الصواريخ الاعتراضية التقليدية، مثل القبة الحديدية، إذ لا تتجاوز تكلفة إطلاق الشعاع الليزري الواحد بضعة دولارات، مقارنةً بآلاف الدولارات لتكلفة الصواريخ الاعتراضية.
غير أن هذا الاختراق يثير علامات استفهام جدية حول مدى حصانة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية أمام الهجمات السيبرانية، خصوصًا أن نظام 'الشعاع الحديدي' لم يدخل الخدمة التشغيلية بعد، وكان يُتوقع أن يُحدث نقلة نوعية في الدفاع ضد التهديدات الجوية منخفضة الكلفة.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، فإن إسرائيل، رغم تفوقها التكنولوجي، تواجه اليوم تحديات غير تقليدية في ميدان الأمن السيبراني مع تطور قدرات خصومها الإقليميين، وعلى رأسهم إيران.
الحرب السيبرانية: من استهداف المواقع إلى اختراق المنظومات
وفقًا لتقرير صادر عن منصة 'كلاود سيك' المتخصصة في الأمن السيبراني، فإن الفترة الممتدة بين يونيو 2024 ويونيو 2025 شهدت أكثر من 35 هجومًا سيبرانيًا شنّتها مجموعات إيرانية ضد أهداف إسرائيلية شملت مؤسسات حكومية وعسكرية وبنى تحتية استراتيجية.
هذه الهجمات تنوعت بين عمليات حجب الخدمة (DDoS) وتسريبات بيانات وحملات تضليل رقمي، في حين لم تتجاوز الردود الإسرائيلية سوى أربع إلى خمس عمليات مضادة، ما يعكس فجوة واضحة في منظومة الاستجابة الإسرائيلية.
الاختراق الأخير، وفقًا لصحيفة إسرائيل هيوم، يُعد الأوسع والأكثر تعقيدًا من نوعه، حيث طال هذه المرة قلب الصناعات الدفاعية وليس مجرد مواقع إعلامية أو منصات حكومية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما حدث يمثل 'ضربة استراتيجية' تمس جوهر الأمن القومي الإسرائيلي، في ظل تزايد استهداف البنية التحتية العسكرية والصناعية من قبل مجموعات سيبرانية إيرانية.
تداعيات أمنية وعسكرية: إعادة تقييم شاملة للمنظومة الدفاعية
هذا الاختراق، الذي تزامن مع مرحلة تجريبية حساسة لنظام 'الشعاع الحديدي'، قد يدفع إسرائيل إلى إعادة تقييم منظومتها الدفاعية من جذورها، ليس فقط على المستوى التقني، بل أيضًا على مستوى أمن المعلومات وسلامة سلاسل التوريد والتعاون مع القطاع الخاص. فشركة 'مايا'، وإن لم تكن بحجم شركات عملاقة مثل رفائيل أو إلبيت، إلا أنها تلعب دورًا محوريًا في تصنيع مكونات دقيقة تُستخدم في أنظمة تسليح حساسة، ما يجعلها هدفًا مثاليًا لهجمات الاختراق عالية الدقة.
وبحسب صحيفة الإندبندنت، فإن إيران سبق أن نجحت في اختراق جزئي لمنظومة 'القبة الحديدية' قبل أعوام، وهو ما يُظهر أن الحرب السيبرانية أصبحت امتدادًا مباشرًا للحرب الجوية.
ومع تصاعد وتيرة هذه الهجمات، تجد تل أبيب نفسها أمام ضغط مزدوج: من السماء ومن الشبكات الرقمية، في معركة تتجاوز الميدان التقليدي لتطال الأعصاب الرقمية للأمن القومي.
في عالمٍ تتقاطع فيه الحرب التقليدية مع وسائل الحرب السيبرانية، لم تعد الأنظمة الدفاعية محصنةً فقط بالدروع والصواريخ والليزر، بل أصبحت بحاجةٍ إلى تحصين رقمي متين يوازي أهميتها الاستراتيجية. إن اختراق 'الشعاع الحديدي' لا يُعد مجرد تسريبٍ للمعلومات، بل إنذارًا واضحًا بأن التفوق التكنولوجي وحده لا يكفي، وأن الأمن السيبراني بات أحد أعمدة الأمن القومي الحديثة.
ووفقًا لتقارير كلاود سيك والإندبندنت، فإن المرحلة المقبلة ستشهد سباقًا محمومًا نحو بناء منظومات ردع رقمية، إلى جانب الاستثمارات المتزايدة في حماية البنى الدفاعية من الهجمات غير المرئية.
وبينما تواصل إسرائيل مراجعة استراتيجيتها الرقمية، تُظهر إيران أنها لم تعد مجرد لاعب في ساحة الحرب السيبرانية، بل أحد مهندسيها الأساسيين في الشرق الأوسط.


































