اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٠ كانون الأول ٢٠٢٥
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا في ملامح التجسس الروسي، حيث لم تعد العمليات الاستخباراتية التقليدية تقتصر على الجواسيس المتسللين أو الشبكات الكلاسيكية، بل توسعت لتشمل استخدام وكلاء مستقلين ضمن ما يمكن وصفه بـ 'مظلة العميل المؤقت'.
هذا التطور جاء متزامنًا مع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، التي فتحت المجال أمام أساليب غامضة ومتنوعة من الهجمات السيبرانية، والتخريب، وعمليات الطائرات المسيرة، إضافة إلى أعمال التخريب الميدانية مثل الحرائق المتعمدة، التي غالبًا ما تحمل بصمات أسلوب روسي جديد يمتد جذوره إلى تقنيات الحرب الباردة، لكنه محدث وفق الاحتياجات الراهنة وفقًا لمجلة الإيكونوميست.
وكشفت التحولات الأخيرة قدرة موسكو على الجمع بين التجسس الكلاسيكي وتقنيات حديثة مثل القرصنة السيبرانية، ومهاجمة البنى التحتية الحيوية، مع تقليل المخاطر المباشرة على الجواسيس الرسميين.
استخدام 'مظلة العميل المؤقت' منح روسيا قدرة على تنفيذ عمليات دقيقة، حيث يقوم عملاء مستقلون بمهام محددة تحت غطاء محدود، ما يصعّب على الغرب إثبات المسؤولية المباشرة وتحميل موسكو تبعات العمليات.
هذه الاستراتيجية تمنح أيضًا روسيا مرونة سياسية، إذ يمكن اختبار التكتيكات الجديدة قبل تعميمها على نطاق أوسع، كما تساعد في إدارة الصراعات الإقليمية بأسلوب هجيني يقلل المخاطر على القوات الروسية الرسمية.
وفي سياق أوكرانيا، أبرزت العمليات الأخيرة كيف يمكن لموسكو استخدام هذه المظلة لتوسيع نفوذها دون إشراك القوات التقليدية، مستفيدة من غياب الارتباط الرسمي لهؤلاء العملاء. وقد أتاح هذا النهج تنفيذ ضربات دقيقة على البنى التحتية للطاقة والاتصالات، والتحكم في المعلومات المتدفقة، ما يعكس قدرة موسكو على التكيف مع الحرب الحديثة القائمة على التكنولوجيا والسيطرة غير المباشرة.
كما ساعدت هذه الاستراتيجية على اختبار تقنيات جديدة في جمع المعلومات، والتعامل مع الأزمات الميدانية، ومراقبة تأثير الضربات دون تعرض الدولة لمساءلة مباشرة.
ويشير الخبراء إلى أن مظلة العميل المؤقت لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تمتد لتشمل التحركات الاقتصادية والمعلوماتية، حيث يمكن لوكلاء مستقلين التأثير على القرارات الاقتصادية، ونشر معلومات مضللة، والتلاعب بالرأي العام بطريقة تقلل من المخاطر السياسية على موسكو.
هذه الديناميكية تعكس رؤية استراتيجية طويلة الأمد، إذ تسمح لروسيا بالموازنة بين القيم التقليدية للسيطرة العسكرية وبين متطلبات الحرب الحديثة القائمة على السرية، والتكنولوجيا، والتأثير البعيد عن الأعين.
من ناحية أخرى، يواجه الغرب تحديًا متزايدًا في مواجهة هذا الأسلوب، إذ يصعب تعقب الوكلاء المستقلين أو إثبات صلتهم بالدولة الروسية، وهو ما يخلق فجوة كبيرة في القانون الدولي والإجراءات الدبلوماسية التقليدية.
وفي الوقت ذاته، يسمح هذا الأسلوب لروسيا بتجربة أساليب جديدة في التخريب السيبراني والميداني، وتحسين فعالية عملياتها الاستخباراتية، بينما يظل الجيش الرسمي بعيدًا عن الصدام المباشر، ما يعزز من القدرة على إدارة المخاطر وتحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى.
ويمكن القول إن التجسس الروسي في الوقت الراهن يمثل مزيجًا بين خبرة الحرب الباردة والتقنيات الحديثة، معتمدًا على 'مظلة العميل المؤقت' كأداة رئيسية لتعزيز النفوذ وتحقيق أهداف موسكو الإقليمية والدولية، وهذا الأسلوب، الذي يمزج بين القوة والسرية والمرونة، يشير إلى أن روسيا لا تزال قادرة على إعادة تعريف قواعد التجسس والتأثير في القرن الحادي والعشرين، بما يجعل من الصعب على أي خصم توقع تحركاتها أو مواجهة تداعياتها بشكل مباشر وفعال.


































