اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
في مشهد زلزل الحصانة التقليدية التي طالما تمتعت بها السلطة، أدانت المحاكم الفرنسية الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي بتهم فساد وتمويل غير قانوني لحملته الانتخابية، لتضع حدًا لواحد من أكثر الملفات السياسية حساسية في تاريخ فرنسا الحديث.
وأصبح ساركوزي أول رئيس فرنسي سابق يُسجن فعليًا بعد إدانته، في خطوة وصفتها مجلة دير شبيجل بأنها 'انهيار رمزي للحصانة السياسية في قلب الديمقراطية الفرنسية'.
وحكمت المحكمة على ساركوزي بالسجن الفعلي بعد سنوات من التحقيقات في قضية التمويل الليبي التي لاحقته منذ مغادرته الإليزيه عام 2012. وأعادت الإدانة طرح سؤال حاد على المشهد الأوروبي: هل انتهى عصر الحصانة؟ وهل بدأت مرحلة جديدة تحاسب فيها العدالة من اعتادوا الوقوف فوق القانون؟ – 'بوليتيكو'.
من الإليزيه إلى قفص الاتهام
قاد ساركوزي فرنسا بين عامي 2007 و2012، وبرز كأحد أعمدة اليمين الأوروبي وصاحب حضور دولي قوي، لكنه واجه بعد خروجه من الحكم سلسلة من الفضائح كشفت عن خيوط فساد عابرة للحدود.
وفتحت السلطات القضائية عام 2013 تحقيقًا موسعًا في شبهات تلقي حملته الانتخابية أموالًا من نظام العقيد معمر القذافي. وأظهرت الأدلة أن الملايين تدفقت بشكل غير مشروع عبر وسطاء وواجهات مالية غامضة، وصفت دير شبيجل ما جرى بأنه 'صفقة نفوذ بين باريس وطرابلس تبادلت فيها السياسة المال والولاء' – 'دير شبيجل'.
وأكدت مجلة بوليتيكو أن المدعين الفرنسيين طالبوا بعقوبة تصل إلى سبع سنوات، معتبرين أن الفساد لم يكن مجرد تجاوز فردي، بل مظهرًا من مظاهر الفساد المؤسسي الذي ضرب ثقة المواطنين في النظام الديمقراطي – 'بوليتيكو'.
شبكة فساد عابرة للحدود
وكشفت التحقيقات أن التمويل الليبي تجاوز كونه دعمًا انتخابيًا ليشكل منظومة نفوذ سياسي ودبلوماسي وأمني متشابك. وتحدثت تقارير قضائية عن اجتماعات سرية وتحويلات مالية إلى حسابات مرتبطة بمقربين من ساركوزي، في ما وصفته دير شبيجل بأنه 'تحالف غير معلن بين المال والسياسة والسلطة في واحدة من أكثر قضايا الفساد الأوروبي تعقيدًا'.
وأشارت بوليتيكو إلى أن التحقيقات طالت شخصيات من الدبلوماسية والأجهزة الأمنية الفرنسية، بعضها لا يزال في الخدمة، ما يثبت أن القضية لم تكن مجرد تصرف فردي بل 'شبكة نفوذ مؤسسية' امتدت عبر الحدود الفرنسية والليبية – 'بوليتيكو'.
العدالة الفرنسية تكسر 'تابو الرؤساء'
لم تتردد العدالة الفرنسية هذه المرة في تجاوز المحظور التاريخي المعروف بـ'تابو الرؤساء'، إذ قررت أن الرئاسة لا تمنح حصانة أبدية.
كتبت دير شبيجل أن ما كان يُعتبر خطًا أحمر في السياسة الفرنسية أصبح جزءًا من المسار الطبيعي للعدالة، مشيرة إلى أن القضاء الفرنسي 'أعاد تعريف حدود السلطة في الجمهورية الخامسة'.
ورأت بوليتيكو أن الحكم على ساركوزي يمثل جزءًا من موجة عالمية من المساءلة السياسية، تمتد من البرازيل إلى كوريا الجنوبية، حيث بدأت العدالة تتحدى رموز السلطة وتفرض مبدأ المحاسبة على الجميع دون استثناء – 'بوليتيكو'.
سابقة أوروبية تهز مفهوم الحصانة
وأحدث الحكم ضد ساركوزي مفاجأة غير مسبوقة في أوروبا الغربية. وأكد تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية أن فرنسا باتت أول دولة أوروبية تسجن فعليًا رئيسًا سابقًا بتهم فساد، في تطور يفتح الباب أمام مراجعة شاملة لمفهوم الحصانة السياسية داخل الاتحاد الأوروبي.
ورأت دير شبيجل أن 'فرنسا لا تحاكم ساركوزي وحده، بل تحاكم ماضيًا طويلًا من الإفلات من العقاب'، معتبرة أن هذا الحكم يضع القضاء الفرنسي في موقع الريادة بين مؤسسات العدالة الأوروبية – 'دير شبيجل'.
تداعيات سياسية داخلية وخارجية
وأشعل الحكم جدلًا واسعًا داخل فرنسا. فبينما اعتبره البعض انتصارًا للديمقراطية، رأى آخرون فيه تصفية حسابات سياسية. ومع ذلك، أجمع المراقبون على أن القضية غيّرت المزاج العام وأعادت النقاش حول الشفافية والمساءلة داخل النظام السياسي الفرنسي.
وأكدت بوليتيكو أن المحاكمة أعادت أيضًا فتح ملفات العلاقات الفرنسية الليبية، وأجبرت باريس على مواجهة إرثها السياسي في الشرق الأوسط، خصوصًا ما يتعلق بتدخلاتها في ليبيا بعد سقوط القذافي.
العدالة الأوروبية أمام اختبار الثقة
تطرح القضية سؤالًا أعمق حول قدرة العدالة الأوروبية على التعامل مع رموز السلطة. فبينما يرى البعض أن ما حدث يعزز الثقة في القضاء، يحذر آخرون من خطر تسييس المحاكم.
وأنهت دير شبيجل تقريرها بتساؤل مباشر، 'هل تكون قضية ساركوزي بداية لعصر جديد من المحاسبة السياسية في أوروبا؟ العدالة حين تطال الأقوياء، ترسل رسالة واضحة: لا أحد فوق القانون'.
أما بوليتيكو فاختتمت تحليلها بالقول إن “محاكمة الأقوياء ليست فعل انتقام، بل وسيلة لاستعادة ثقة الشعوب في مؤسساتها، وإعادة التوازن بين السلطة والمسؤولية'.
وبهذا الحكم، فتحت فرنسا فصلًا جديدًا في تاريخ العدالة الأوروبية، حيث لم تعد الرئاسة درعًا يحمي من الحساب، بل عبئًا يتطلب شفافية ومساءلة مضاعفة. ومن قصر الإليزيه إلى قفص الاتهام، كتب نيكولا ساركوزي سطرًا ثقيلًا في سجل السياسة الفرنسية، وأطلق إشارة واضحة إلى أن أوروبا بدأت بالفعل تراجع مفهوم الحصانة الذي طالما ظنّه أهل السياسة أبديًا.







 
  
  
  
  
  
  
  
  
 
































 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 